لبنان: هل ثمة حربٌ أهلية أخرى في الأفق؟

لبنان: هل ثمة حربٌ أهلية أخرى في الأفق؟


كاتب ومترجم جزائري
03/06/2021

ترجمة: مدني قصري

العزوفُ عن حلّ الأزمة بطريقة صحيحة اجتماعياً سيؤدي إلى زيادة في أشكال العنف في لبنان.

كلّ عام، في 13  نيسان (أبريل)، يتم إحياء ذكرى أطول حرب أهلية في لبنان (1975-1990) بطوفان من الكتابات والبيانات، وكذلك بأحداث عرَية عامة.

في أسوأ الأحوال، يتم التذرع بكليشيهات، مثل: الحاجة إلى الحفاظ على "السلم الأهلي"، والصيغة السحرية "لا رابح ولا خاسر"، كضامِنات للتعايش، وفي أحسن الأحوال، يتم الاستشهاد بالروايات غير السياسية للدمار الذي سببته الحرب للتحذير من أهوالها في حالة تكرارها.

في كلتا الحالتين، تظل الأسباب الهيكلية والعواقب السياسية والاتجاهات التاريخية للحرب جدّ غامضة .

أنصار حزب الله والحزب الشيوعي اللبناني خلال مظاهرة في بيروت في 8 تموز (يوليو) 2020

هذا العام، كانت فعاليات إحياء الذكرى كتومة، يواجه لبنان انهياراً اقتصادياً غير مسبوق وشللاً سياسياً، لقد وصلت النزاعات الاجتماعية إلى مستوى قياسي، وباتت الحروب الجيوسياسية والتوترات تختمر في المنطقة.

لطالما كانت هذه التركيبة وصفة الحرب في لبنان، هل نحن إذاً على الطريق إلى صراع جديد؟

اعتبارات جيوسياسية

حتى الآن، تظلّ آفاق النزاع المسلح المعمَم على مستوى ما، حدث في عام 1975، منخفضة، لكنّ الحروب الأهلية يجب ألا تكون بالضرورة تقليداً لتلك التي سبقتها، فالظروف الجديدة تولِد أشكالاً جديدة من الصراع.

في السياق الحالي، سيوفّر عدمُ استقرارٍ سياسي مطوّلٍ وإفقارٌ على نطاق واسع، أرضيةً خصبة لمواجهة عنيفة، في حال كانت العوامل الإقليمية والدولية مناسبة.

مع أو من دون حرب أهلية سيؤدي الفشل في حل الأزمة اللبنانية إلى زيادة في أشكال العنف، بدءاً من الجرائم الصغيرة إلى إدارة المافيا المنظمة

على عكس عام 1975، لا توجد حركة سياسية منظمة تحمل مشروعاً راديكالياً تدريجياً للإصلاح السياسي والاقتصاديً. فكل مواجهة لن يكون لها أيّ منظور من التغيير الإيجابي. على العكس من ذلك، فإن انفصال الاحتياجات المادية والتشتت الاجتماعي عن الوعي الطبقي والوحدة السياسية، سيُغذّي تضافر قطاعات اجتماعية كبيرة من السكان لأغراض مدمِّرة، مع نضوب تدفقات رؤوس الأموال، ويمكن أن يصبح تمويلُ الحرب بديلاً مُرَحَّباً به.

باختصار، سوف تسود الاعتبارات الجيوسياسية على المتطلبات الوطنية.

في لبنان، يتم تحديد الاعتبارات الجيوسياسية حالياً من قِبل الجهات الأجنبية التي تعمل من أجل عدم الاستقرار، هؤلاء الفاعلون هم الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، لا أحد معنيٌّ بإصلاح الاقتصاد اللبناني، أو النظام السياسي، إلا بقدر ما يؤثر ذلك على البند الوحيد في جدول أعمالهم: مقاومة حزب الله المسلحة لإسرائيل وتدخلاته الإقليمية في سوريا واليمن ضدّ محورهم.

متظاهرون يرتدون صورة الكاردينال اللبناني بشارة الراعي قبل خطابه في 27 شباط (فبراير) 2021

إنّ ركوب موجة إلقاءِ اللوم على حزب الله عن كلّ مشاكل لبنان المالية والسياسية، إضافة إلى كونه أمراً زائفاً، فهو إما ساذج وسطحي، وإما محاولة يائسة لاستغلال مطالب الشعب العادلة في التغيير، من أجل تأجيج المواجهة الإقليمية وجعلها ترمي بكل ثقلها المباشر على الجبهة اللبنانية.

سيتمّ تحديد حجم وشكل هذه المواجهة على هذه الجبهة من خلال ميزان القوى العسكرية والدور المتزايد للحرب الدبلوماسية والاقتصادية.

حدود المواجهة العسكرية

حزب الله هو أقوى جماعة مسلحة في لبنان، إنّها القوة القتالية الأكثر تنظيما، والأفضل تجهيزاً، والأكثر انضباطاً، والأكثر تطوراً، والأكثر خبرة في ساحة المعركة، لقد أتاحت مصلحتُها في الحفاظ على الوضع الراهن إمكانيةَ إبعاد كلِّ قتالٍ واسع النطاق، ومع ذلك، فإنّ قدرة حزب الله على احتكار البداية والنهاية لحرب أهلية قدرةٌ مبالغٌ فيها، كالمبالغة في دوره في الأزمة الحالية.

أوَلاً: جميع الفصائل في لبنان بحوزتها أسلحة، وإذا عُرِض عليها تمويلٌ أجنبي، فيمكنها عندئذ أن تعيد تمويل نفسها بسرعة، فللتعويض عن قوّة حزب الله، فإنّ مواجهة مباشرة قد تُستبدَل بتفجيرات وهجمات سرية، أو بحرب استنزافٍ في الوسط الحضري، حيث تجربة حزب الله فيه ليست فعالة.

اقرأ أيضاً: لبنان: هل تنجح مبادرة بري في تحريك مياه الحكومة الراكدة؟

سيكون دور الجيش اللبناني حاسماً بالقدر نفسه، هاجس وعداء وسائل الإعلام الغربية لحزب الله وإيران يعنيان أنّ تمويل ودعم الولايات المتحدة للجيش اللبناني لا يرد ذِكرُهما كثيراً.

الحال أنّه، منذ عام 2006، دفعت الولايات المتحدة أكثر من 1,7  مليار دولار للجيش اللبناني، ولحماية إسرائيل، تقدَّمْ هذه المساعدات للأمن الداخلي، وقد تم تعديل أيديولوجيتها للتركيز على الإرهاب، بدلاً من إسرائيل، باعتبارها تهديداً رئيساً، أي بمعنى آخر؛ لتكييف هذه المساعدات مع الاضطرابات المدنية بدلاً من توجيهها للدفاع الخارجي.

رغم هذه الجهود؛ ما يزال الجيش عدوّاً عسكرياً محدود الفعالية، لكنّ السيطرة عسكرياً لا تكفي للفوز في الحرب، وهذا ما يعيدنا إلى إلى العامل الثاني، وربما الأكثر أهمية، الذي يحدّ من دور حزب الله، قد يتمتع هذا الأخير بقوّة الأسلحة اللازمة للسيطرة على الجماعات شبه العسكرية الداخلية، والمعارضين داخل الجيش، لكنّ تبنّيه هذه المواقف أمرٌ مختلف تماماً، سيمنعه المنطقُ الطائفي من تأمين إقليمٍ خارج معاقله الحالية دون موافقة حلفاء داخل مذاهب دينية وطائفية أخرى.

فإذا تدخّل الجيش، فلن يحتفظ بولاءٍ كامل تجاه قادته، وسوف ينقسم على طول الخطوط الطائفية على المستوى العسكري، وهذا سيكون في صالح حزب الله، لكنّ الانقسامات الداخلية وفقاً للخطوط الطائفية لن تقلّص من خطر التهديدات الأمنية، بل ستُقوّيها، ناهيك عن أنّ المساعدة المالية الأمريكية يمكن أن تشتري ولاءَ الضباط.

تضمّنت جميعُ الحلقات الشديدة للحرب الأهلية اللبنانية، تدخّلا عسكرياً أجنبياً مباشراً، واليوم، أصبح الممثل الرئيس القادر، الحريص على القيام بذلك هي إسرائيل

أخيراً، تضمّنت جميعُ الحلقات الشديدة للحرب الأهلية اللبنانية، تدخّلا عسكرياً أجنبياً مباشراً، واليوم، أصبح الممثل الرئيس القادر، الحريص على القيام بذلك هي إسرائيل، ومع ذلك؛ فإنّ تكاليف التدخل الأرضي أعلى بكثير اليوم مما كانت عليه في الماضي، بسبب تاريخ طويل من المقاومة التي تُوِّجت بتجسّدها الأكثر تقدّما، ألا وهو حزب الله.

من سخرية التاريخ المتجددة، أصبحت دول عربية أخرى، مثل العراق وسوريا، أكثر عرضة من لبنان لأن تصبح مواقع تسوية حسابات بين المحور الذي تقوده الولايات المتحدة ومعارضوها. إنّ الشكوك، أو الطبيعة الخطرة لهذه السيناريوهات العسكرية في لبنان هي التي غذّت الحربَ بوسائل أخرى، وهي الوسائل الدبلوماسية والمالية.

حرب دبلوماسية ومالية

كانت الدبلوماسية الدولية أداة تستخدم بثبات لإيذاء حزب الله، خاصة منذ اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، عام 2005، إنّ محكمة الصغار الزهيدة التي أقيمت للتحقيق في اغتياله واتهام حزب الله، أفضل مثال على ذلك.

حالياً، فالذي يقود جهود تدويل الأزمة هو البطريرك الماروني، بريكارا راي، وهو من المدافعين عن النظام السياسي والمالي الذي يدعو إلى "الحياد النشط".

العقوبات المصرفية الأمريكية يمكن أن تزرع بذور فوضى مستقبلية، أو، بلغة إمبريالية، تدميراً إبداعياً.

تقليدياً، هذا هو خطاب القوى اليمينية. لقد كان هذا يعني دائماً الحفاظ على الهيمنة الغربية، وتفكيك الصراع مع إسرائيل، لكن في خضم لحروب اليوم الإقليمية المدمّرة والمُربكة، وبسبب دفاع حزب الله المفرط عن النظام السياسي اللبناني ضدّ الانتفاضة الشعبية، فضلاً عن الجهود المتزايدة لمزيد من التطبيع مع إسرائيل في المنطقة، فقد نمت شعبية هذا الخطاب اليميني.

اقرأ أيضاً: طهران في فيينا: تعطيل حكومة لبنان وهجاء الخليج من بيروت

لعبت وسائل الإعلام اللبنانية والعربية، وكذلك شرائح المجتمع المدني، دوراً، بدعمها لاقتراح بريكارا راي. كان من دوافع العديد من مشاريع الجهات المانحة الغربية والخليج، وهو ما يُذكِّرنا بالدور الخبيث للتمويل في المعركة الجارية، بما في ذلك الوجه الآخر للمساعدات الأمريكية، ألا وهي العقوبات.

على عكس تأكيدات العديد من مؤيدي حزب الله وحلفائهم، فإنّ العقوبات الأمريكية ضدّ القطاع المصرفي ليست هي أصل الأزمة المصرفية الحالية، ومع ذلك، يجب ألا يتم تجاهلها أيضاً، لقد فاقمت العقوباتُ المصرفية الأمريكية، التي تهدف إلى تجفيف تمويل حزب الله، نظاماً هشاً بالفعل.

في الواقع، لقد أضرّت بالحلفاء التقليديين للولايات المتحدة من خلال العقوبات الجماعية، وهو تذكير قاتم بعدم موثوقية الولايات المتحدة كحليفة، لكنّ هذه العقوبات يمكن أن تزرع بذور الفوضى في المستقبل أو، باللغة الإمبريالية ، الدمار الخلاق.

اقرأ أيضاً: وزير خارجية لبنان يفاقم أزمات بلاده.. وهذه ردود دول الخليج.. ما القصة؟

يضخّم تأثيرُ هذه العقوبات عاملان اثنان: رفضُ دول الخليج ضخّ ملياراتها من الدولارات من رؤوس أموالها الزائدة، ثم التخريب ، من خلال حلفاء محليين، وهي محاولات تهدف إلى التطلع إلى الشرق، أو حتى السعي للحصول على دعم اقتصادي من دول عربية أخرى، مثل العراق.

مطالب عادلة

لا شيء مما سبق يعفي حزب الله، ناهيك عن حليفتَيه، حركة أمل والتيار الوطني الحر بقيادة الرئيس ميشال عون، من تواطؤهما في الكارثة الحالية في لبنان.

كما أنّ هذا لا يمنع القوى الاجتماعية التي تؤمِن حقاً بالتغيير الجذري من تشكيل جبهة قوية ذات أهداف واضحة وقيادة جديرة بالثقة قادرة على حماية مطالب الانتفاضة الصالحة، من محاولات الاختطاف التي تتعرّض لها من قبل القوى المضادة المحلية والدولية.

كلّ ما سبق ذكره يعزّز البعد الإقليمي للسياسة اللبنانية، لكنّ الجهات الفاعلة المحلية الساعية إلى التغيير تجهل ذلك، غافلةً عن مخاطر ذلك عليها مستقبلاً.

مع أو من دون حرب أهلية سيؤدي الفشل في حل الأزمة بطريقة عادلة اجتماعياً، إلى زيادة في أشكال العنف، بدءاً من الجرائم الصغيرة إلى إدارة المافيا المنظمة للموارد النادرة في ظلّ حماية دينية.

طالما لم يتم التوصل إلى حلّ أو قطيعة، فستبقى الحرب، كما أشار إلى ذلك عالم الأنثروبولوجيا، سامي هرمز، "قوة هيكلية للحياة الاجتماعية". وعلى أيّ، كما أضاف هذا الأخير، فقد كانت ذكريات عنف الماضي، واحتمالات العنف في المستقبل، دوماً، ركيزة في حياة الناس العاديين.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.middleeasteye.net/fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية