لماذا تخشى إسرائيل من انسحاب أمريكي آخر؟

لماذا تخشى إسرائيل من انسحاب أمريكي آخر؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
08/09/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

تعهّد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالانسحاب الكامل من العراق بحلول نهاية السنة، والافتراض يوحي بأنّ بايدن سيلتزم بكلمته، ويبدو أنّ خوفه من تكرار مشاهد الهرب في بغداد، كما حدثت في أفغانستان، لا تردعه، لأنّ العراق لن يسقط في أيدي طالبان أو داعش، بل في أيدي الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وفي محاولة للتقليل من شدة صور الانسحاب الفوضوي من كابول، شرح بايدن بأنّه حتى إن بقي جنود الولايات المتحدة في أفغانستان لما تغيّر الوضع، أما على صعيد طهران فما حصل في أفغانستان فهو يصبّ في مصلحتها؛ فصور قوات الجيش الأمريكي تفرّ مهزومة من دولة إسلامية هي حافز رائع لسياسة الانتشار الإيرانية، حتى إن كانت عودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان قد تعزّز المحور المناهض لإيران في الشرق الأوسط الواسع؛ ففي الإجمال طالبان هي قوة سنّية متطرفة، فإصرار واشنطن على فكّ الارتباط عن المنطقة، يعطي الإيرانيين فرصة لتوسيع مزيد من النفوذ، فالأحداث في أفغانستان وصعود قوات سنّية من شأنها أن تدفع الشيعة في العراق إلى التحالف معها.

الانسحاب الأمريكي من الممكن الاستفادة منه لصالح إسرائيل، فالاستسلام من قبل الولايات المتحدة قد يدفع الرئيس بايدن إلى التشدد، ويقرّر استعراض عضلات الولايات المتحدة تجاه إيران

إنّ الانسحاب السريع لأمريكا وانهيار الجيش الأفغاني كان بمثابة السبب الكافي للقلق الإسرائيلي على الرغم من البعد الكبير في المسافة بين أفغانستان وإسرائيل، لكنّ تكرار مثل هذا السيناريو في الضفة الغربية، أو انسحاب أمريكي من المنطقة، دفع بالأوساط السياسية في إسرائيل لمواصلة انتقاد الولايات المتحدة على ما فعلته؛ حيث رأى سياسيّون إسرائيليون أنّ انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية، على غرار ما قامت به واشنطن، سيمكّن حماس من السيطرة عليها؛ لأنّه في اللحظة التي ستخرج فيها إسرائيل من هناك، ستنهار السلطة الفلسطينية وتختفي قواتها الأمنية وتسيطر حماس، يمكن الحديث بكثير من الثقة أنّ الخروج السريع للقوات الأمريكية من أفغانستان، سيترك أثراً عميقاً على التجربة العسكرية الإسرائيلية لفترة طويلة، صحيح أنّ إسرائيل دولة لها جيش قوي، لكن عندما تعلن الولايات المتحدة أنّها تنفصل عن الشرق الأوسط فهذا ليس جيداً لإسرائيل، وصحيح أنّ لديها تحالفاً مع الولايات المتحدة، وهذا يساعدها، لكنّها لا تحارب من أجلها.

 القلق يزداد

يوماً بعد الآخر يزداد القلق الإسرائيلي من الفشل الأمريكي في أفغانستان، وتبعاته على إسرائيل والحلفاء العرب في المنطقة، وفي مثل هذا الوضع من الفشل، الذي يصنَّف بأنه أكبر من فشل عسكري، ستكون إسرائيل جزءاً كاملاً ممن سيتحمّلون النتائج، لا سيما في المسألة الأساسية الآن، وهي الموضوع الإيراني، فأيّ انسحاب أمريكي آخر معناه تعزيز قوة إيران؛ لذلك فإنّ هذا الانسحاب الأمريكي سيحمل تداعيات عالمية وإقليمية ستؤثر سلبياً على إسرائيل، كما أنّ سيطرة طالبان على أفغانستان، وإن كانت أعادت تنظيم داعش إلى مركز الاهتمام الأمريكي، إنّما هي مصدر قلق وليست تهديداً إستراتيجياً، فروع منظمة الإرهاب تواصل العمل في أرجاء العالم، ومنفّذو العمليات الأفراد يقومون بعمليات انتحارية بأوامر منها، لكنّ طالبان لا تحتاج إلى منافس أكثر تطرفاً منها، وعليه فستعمل على تصفية التنظيم، مثلما فعلت حماس في غزة لمؤيدي داعش ممن حاولوا رفع الرأس في القطاع وتنفيذ هجمات إرهابية، أما إيران، بالمقابل، فستعمل على خطة مرتبة لمزيد من السيطرة، وصولاً إلى لبنان وسوريا وحتى غزة، لكنّ مفتاح الوصول يبدأ من السيطرة على العراق.

تعهّد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالانسحاب الكامل من العراق بحلول نهاية السنة

لقد أثارت خطوة الولايات المتحدة في انسحابها المفاجئ، القلق في قلوب الإسرائيليين من التفكير بما هو قادم من خطر على دولة إسرائيل، والخطر الملموس يكمن في انسحاب محتمل وهذه المرة من العراق؛ لذلك ترجّح التقديرات أنّه، وفي ضوء انسحاب أمريكي محتمل، والمشاهد المقلقة التي تصل من أفغانستان، وسقوطها السريع في أيدي حركة طالبان، يجب الاستعداد لقيام أمريكا بخطوة مشابهة في العراق، قد تسقط أجزاء مركزية في الشرق الأوسط، وعلى أية حال، ستستخدم إيران منظومات إرهابية في أرجاء العالم، والهدف هو المسّ بالقوات الأجنبية حتى خارج الشرق الأوسط، فأيّ انسحاب عاجل وغير مدروس من العراق قريباً، سيؤدي إلى انهيار كامل في الطوائف العراقية، وقد تكون النتيجة هنا لصالح التيار الشيعي الموالي لإيران، ويتسبّب إثر ذلك بتعميق الوجود العسكري  والسياسي والإرهابي لإيران في العراق.

عقد اتفاق نووي جديد

في المقابل، يرى المتابع لخطوات بايدن الجديدة في الشرق الأوسط أنّ الهدف الأساسي من ورائها السعي نحو استئناف اتصالات القوى العظمى مع إيران، وذلك لعقد اتفاق نووي جديد في ظلّ تصاعد الخطر الإيراني وتهديده للعالم أجمع مع وصول الرئيس الإيراني الجديد، في حين أنّ الأحداث التي صاحبت الانسحاب من أفغانستان وتشكيل الوعي على الساحة الدولية تعبّر في مضمونها عن ضعف أمريكي، وفي الوقت ذاته تشكّل صموداً للعناصر الإرهابية، وقد ثبت بالفعل أنّ هذه الرواية مصدر إلهام لحماس في الساحة الفلسطينية، رغم عدم وجود تقارب جغرافي بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وأفغانستان، إلا أنّ إسرائيل ستكون مطالبة بالتدخل والردّ على أيّ تطور للتهديدات لأمنها في الداخل والخارج.

اقرأ أيضاً: ماذا سيحدث في أفغانستان بعد انسحاب أمريكا.. وما مصير مطار كابول؟

 بالنسبة لدور إسرائيل من خطوات بايدن المتهورة في الشرق الأوسط، فهي تقف في مفترق مصيري بين انسحاب أمريكي وتطلّع من جانب الولايات المتحدة للاتصال بإيران بشأن الاتفاق النووي، بالنسبة للاتفاق النووي تدرك القوى العظمى أنّ إيران ستواصل تطوير قدرات إنتاج نووية متقدمة، خصوصاً من خلال منشآت التخصيب المتقدمة تحت الأرض، والتي تدار بتكنولوجيات متطورة تتعلق بدوائر الوقود والتخصيب، وعلى رأسها تطوير أجهزة طرد مركزي من طرازات متطورة للغاية، فمنظمة صفند التي تستقر في طهران، تواصل عملية تطوير قدرات علمية في مشروع السلاح النووي، والآن، مع تعهد الرئيس الأمريكي، خلال لقائه لرئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، بعدم السماح لإيران بأن تكون ذات قدرة نووية عسكرية، في حاجة إلى أن نرى من الرئيس الأمريكي خطوات إيجابية حول الإلتزام باحتياجات إسرائيل الأمنية في المنطقة.

الانسحاب السريع لأمريكا وانهيار الجيش الأفغاني كان بمثابة السبب الكافي للقلق الإسرائيلي

 كما يجب علينا كإسرائيليين أن نتحدى الاتفاق القائم، فهو يسمح لإيران بالعمل دون عراقيل، بالتالي، فإنّ على إسرائيل وقادتها أن تبلور إستراتيجية، وتضع أهدافاً واضحة لسياسة إستراتيجية جديدة، ويجب أن نصل إلى شرق أوسط مستقر يعطّل أيّ حضور إيراني في كلّ ساحة ولا يسمح لها بأن تصبح دولة نووية، في المقابل تقدّر أوساط سياسية إسرائيلية بأنّه رغم الابتسامات والتعهدات التي صاحبت اللقاء بين بايدن وبينيت، إلا أنّ مخرجات اللقاء لم تقدم بوادر حقيقية في كلّ ما يتعلّق بالملف النووي الإيراني؛ فالرئيس الأمريكي قدم وعوداً غامضة إلى الهواء بشأن استخدام خيارات أخرى في حالة فشل الخيار الدبلوماسي، لكنّ السيناريو يعيد نفسه؛ ففي لحظة سالتي سعى فيها بشار الأسد لبناء مفاعل في بلاده، رفض الأمريكيون قبول التقديرات الإسرائيلية، وادّعوا أنّ ليس لإيران أو سوريا أيّة خطط لتطوير سلاح نووي. وعلى أية حال، ليس هناك مبرر للعمل ضدّهما، ورغم ذلك لم تتوقف إيران للحظة عن جهدها لتثبيت مكانتها العسكرية في منطقتنا؛ فهي في لبنان تعزز حزب الله وتسلّحه، وفي سوريا تحافظ على وجود فاعل للحرس الثوري، وتساعد في إدخال وسائل قتالية إلى الدولة بالتوازي مع الإنتاج الذاتي، وفي العراق وجود إيراني ملموس ومقلق يرتكز على قواعد قوية، ممثلة بالحشد الشعبي وهو حرس شعبي يقوض وحدة الدولة، خفية وعلناً، وإلى جانبه حضور كبير للحرس الثوري وفيلق القدس.

تهديد إعلامي

إنّ التهديد الموجه من قبل بايدن لإيران، بأنّه لن يكون لها سلاح نووي، هو تهديد إعلامي لا أكثر، قاله من قبل بايدن أوباما وترامب وغيرهما من الزعماء، وبينما يواصل الزعماء تهديد إيران، وتواصل أجهزة الطرد المركزي تخصيب اليورانيوم والصواريخ تواصل التطور، ولا توجد قوة حقيقية تمنع إيران من أن تصبح قوة عظمى نووية، والإعلان الذي توعّد به بايدن أمام بينيت ليس سوى أقوال عابثة، فالولايات المتحدة تستمر في مسيرة الخروج من الشرق الأوسط منذ نحو عقدين، وهذا لأنّها لم تعد تحتاج إلى النفط الذي ينتج هناك، ولأنّ الوزن الاقتصادي للشرق الأوسط يقلّ جداً عن وزن جنوب شرق آسيا.

اقرأ أيضاً: بين غزو وانسحاب.. ماذا فعلت أمريكا بأفغانستان في 20 عاماً؟

 لقد أخرجت أمريكا معظم قواتها من العراق وسوريا، ومؤخراً خرجت مهزومة من أفغانستان، والمرجّح الآن أنّ أمريكا قررت احتواء إيران نووياً مثلما احتوت دولاً أخرى، كباكستان والهند وكوريا الشمالية، وإذا لم تطوّر إيران صواريخ عابرة للقارات فلن تتدخل أمريكا، كما قررت أمريكا أيضاً احتواء الإرهاب في الشرق الأوسط، ولن تعرض جنوداً أمريكيين للخطر في مساعدة دول المنطقة، وثبت في السنوات الأخيرة أنّ إيران قد تحتوي العقوبات، لكن لا يمكن للولايات المتحدة أن تحتوي الحروب، وعليه فإنّ أمريكا ستحتوي إيران دولة نووية، كما أنّ دول أوروبا ستحتوي كلّ شيء على أن يتمكن سكانها في هذه اللحظة من العيش بشكل معقول، ولا ينتظر أن يأتي منها الخلاص لحلّ النووي الإيراني، غير أنّ عيون الإيرانيين تتطلع إلى تحقيق أهداف فورية للسيطرة في المنطقة التي تحيط بإسرائيل، بحيث يتاح لهم قيام وجود عسكري فيها، وهنا يجب على الإسرائيليين فتح العيون على إيران، ومواصلة تصميم أعمال خفية من الأفضل عدم الحديث عنها وتأخير تقدّمها نحو النووي، ومواصلة مكافحة مساعي طهران للسيطرة على المنطقة، والإغلاق على إسرائيل وتركيز الجهد على العراق أيضاً، الذي هو البوابة الإيرانية إلى البحر المتوسط.

أثارت خطوة الولايات المتحدة في انسحابها المفاجئ، من أفغانستان القلق في قلوب الإسرائيليين مما هو قادم من خطر ملموس يكمن في انسحاب محتمل من العراق

وفي مقابل الانتقادات التي وجهها قادة وسياسيون في إسرائيل ضدّ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان والاستسلام لطالبان، يعتقد بعض السياسيين فى إسرائيل أنّ انسحاب أمريكا من أفغانستان خطوة إيجابية من الناحية الإستراتيجية حتى إن جاءت في وقت متأخر؛ فالعملية العسكرية الواسعة والمبررة، بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، تحوّلت إلى غزو كامل ومطاردة لتنظيم القاعدة؛ فالعشرون سنة من التمسك بأفغانستان كانت خاطئة، والمعركة التي قادتها أمريكا طوال الفترة لا يمكن الانتصار فيها، ولم تكن لها إنجازات ملموسة وكان يجب إنهاؤها قبل هذا الوقت، لكن بعض الدول ودوائر صنّاع القرار على مدى عشرين سنة، لم تغيّر رأيها ولم تتعلم من الأخطاء، بل العكس، صنّاع القرار في الماضي والحاضر يصمّمون على أنّهم كانوا على حقّ، ويطورون رواية منظّمة تبرّر أفعالهم، ويحلّلون الواقع فقط بصورة يسهل فيها الادّعاء، ويقومون بتلاعب دائم بالمعلومات الاستخبارية التي تبرّر بقاء الجيش الأمريكي في أفغانستان، فالانسحاب الأمريكي من الممكن الاستفادة منه لصالح إسرائيل، فالاستسلام من قبل الولايات المتحدة قد يدفع الرئيس بايدن إلى التشدد، ويقرّر استعراض عضلات الولايات المتحدة تجاه إيران، ومع انقسام آراء الساسة حول خطوة أمريكا في الانسحاب، تجمع الغالبية على أنّ خروج أمريكا من المنطقة قد يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل الكارثية ذات الآثار الضارة، فانسحاب أمريكا تدريجياً من المنطقة، سيتيح لإيران التطلع للهيمنة الإقليمية، وهذا سيؤثر على كثير من دول المنطقة، وأبرزها دول الخليج، إلى جانب خلق تهديد وجودي على دولة إسرائيل.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/opinions/article/4289769/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية