لماذا تريد حركة النهضة عزل الرئيس التونسي؟

لماذا تريد حركة النهضة عزل الرئيس التونسي؟


21/02/2021

لم تستطع تونس منذ بداية المدة النيابية الحالية نهاية 2018، الخروج من الأزمات السياسية المتتالية، التي نتجت جميعها عن عدم اتفاق رئيس الجمهورية قيس سعيّد، على خلاف باقي الرؤساء السابقين، مع حركة النهضة، إلا أنّ الأزمة الأخيرة خلقت منعطفاً جديداً في الفعل السياسي، ما بعد الثورة، خصوصاً بعد بروز علامات تظهر تشبث الأطراف بمواقفها، ومضيهم بسياسة كسر العظام، على خلفية التعديل الوزاري الذي لا يزال يراوح مكانه منذ أسابيع.

ما تعيشه تونس ليس أزمةً عابرةً أو خلافاً بين أطراف سياسية، بل هي أزمة هيكلية على جميع المستويات، وأزمة منظومةٍ بأكملها

ولوح الحزام السياسي لرئيس الحكومة التونسي هشام المشيشي (حركة النهضة الإسلامية وقلب تونس الليبيرالي وائتلاف الكرامة الإسلامي) بعزل الرئيس قيس سعيد، في إطار الأزمة القائمة بين رئاسة البلاد (سعيد) ورئاسة البرلمان (الغنوشي)، وذلك انتقاماً لعدم قبول الأخير بالتعديلات التي أملتها حركة النهضة، والتي شملت 11 حقيبة وزارية، عقب تحفظات سعيد عن الإشراف على أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد، الذين تتعلق بهم شبهات فساد.

ويعتبر سياسيون أنّ رفض الرئيس التونسي، للإشراف على أداء اليمين، يرتقي لدرجة "الخطأ الجسيم" الموجب لهذا الإجراء وفق مقتضيات الفصل 88 من الدستور، الذي ينص على أنّه "يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معلّلة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه". في المقابل اعتبر نواب أنّ هذه التصريحات تعدّ بمثابة الدعوة المباشرة للحرب الأهلية وبث الفوضى والاقتتال.

نزاع حول الصلاحيات

ضمن هذه التوترات التي تعيشها البلاد، أصبح الحديث عن النصوص الدستورية النقطة التي ينطلق منها الجميع دون الوصول إلى أي حل، خاصة في ظل غياب المحكمة الدستورية التي من حقها الفصل في النزاع الدستوري بين السلطات.

ويمنح الفصل 80 من الدستور التونسي، حالة استثنائية للرئيس التونسي باتخاذ إجراءات استثنائية لكنه يحول دون حل البرلمان بحسب الفقهاء.

اقرأ أيضاً: في الأزمة التونسية.. فتش عن "النهضة"

أما الفصل 89 الذي يتحدث عن سحب الثقة من الرئيس، فيتطلب أغلبية برلمانية نحو ثلثي أعضاء المجلس، على أن تفصل في النهاية المحكمة الدستورية في اللائحة المقدمة من البرلمان حال التصويت عليها، وهو ما يستبعده البعض في ظل الصراع داخل البرلمان.

تطورات الصدام بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد من جهة، ورئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي من جهةٍ، تسبّب في تعطّل سير مؤسسات الدولة، بسبب عدم رضوخ سعيّد إلى سياسات حركة النهضة برئاسة الغنوشي وحلفائه، وهو ما خلق أزمةً دستوريةً حول أحقية كل طرفٍ بصلاحياته، وجعل  النهضة التي تدعم المشيشي تسرّب أخباراً غير جادّةٍ حول إمكانية عزل الرئيس، من أجل إرباك الرأي العام، وخلق رأي عامٍ موازٍ، وفق ما يراه رئيس الكتلة الديمقراطية المعارضة محمد عمار.

رئيس الكتلة الديمقراطية المعارضة محمد عمار

ولفت عمار في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ الحزام السياسي لرئيس الحكومة هشام المشيشي، الذي عيّنه قيس سعيّد، يرغب في عزل الرئيس، لكن ذلك غير ممكن دستورياً ولا قانونياً، في ظلّ غياب المحكمة الدستورية، التي تفصل في الخلافات الدستورية، واصفاً هذه التصريحات بـ"الكلام الفارغ"، الذي لا ينفع بشيء، غير إرباك المشهد التونسي.

اقرأ أيضاً: سياسات الغنوشي داخل "النهضة"... هل تكتب نهاية الحركة الإخوانية؟

أزمة تفاقمت بعد أن تمرد رئيس الحكومة هشام المشيشي على اختيارات رئيس الدولة قيس سعيّد، وتغيير التركيبة الحكومية دون استشارته، ثم أقدم في خطوةٍ لاحقةٍ على إقالة ما يُعرف بوزراء القصر الخمسة، أو الوزراء المحسوبين على سعيّد، وهو ما اُعتبر بمثابة التصعيد والتحدي، رغم أنّ ولادة حكومة المشيشي الأولى شكلت صفعةً سياسيةً قويةً لحركة النهضة في بدايتها، حيث صادقت عليها الحركة و مختلف الكتل البرلمانية بسبب مخاوف من انتخابات برلمانية جديدة.

عزل الرئيس

وبعد أن صعّد الرئيس سعيّد من خطابه ضد حركة النهضة ورئيس الحكومة الذي دخل جلبابها، أرسلت النهضة وحلفاءها الذين اعتبرتهم الحزام السياسي القوي للحكومة الجديدة، رسائل مشفّرة لقواعدها ونوابها بضرورة العمل على عزله، غير أنّ ذلك اصطدم بعاملين أساسيين، هما أولاً أنّ عملية العزل لا تتم قانوناً إلا بتركيز المحكمة الدستورية المعطلة منذ سنوات، وثانياً بتوفر الغالبية اللازمة لتمريرها (145 نائباً).

المحلل السياسي رافع الطبيب لـ"حفريات": الأحزاب الحاكمة وخاصّةً حركة النّهضة لم يعد لها وجود سياسي في الشارع، واُفرغت من كل قواعدها وإطاراتها

 ويعتبر حلفاء النهضة أنّ مرور بعض وزراء المشيشي، الذين لم يوافق عليهم سعيّد، خلال جلسة منحهم الثقة بمجموع أصوات بلغ 144 نائباً، مؤشراً هاماً على سهولة توفر أغلبية الثلثين في البرلمان للقيام بأي إجراء يراه البرلمان مناسباً لعدم تعطيل المؤسسات السيادية.

كما شدّد النائب عن حركة النهضة سليم بسباس في تصريحه لـ"حفريات"، على أنّ الخلاف بين رؤوس السلطة في تونس، تطوّر إلى شبه صراعٍ، لأنّ سعيّد ليس منسجماً مع الغنوشي والمشيشي وفي خلافٍ واضحٍ معهما، وأنّ الرئيس لمّح إلى تعطيل مؤسسات الدولة، وهو أمرٌ غير دستوري، الأمر الذي جعل الكتل البرلمانية ذات الأغلبية (النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة) تدرس إمكانية عزله، غير أنّ الدستور لا يسمح بذلك، رغم أنّه يسمح بوضع العطالة الذي يتعمّده سعيّد.

النائب عن حركة النهضة سليم بسباس

وأضاف بسباس أنّ إرادة عزل الرئيس موجودة لدى عديد النواب الذين يعتبرون أنّ تصرّفه غير مقبول، معتبراً ذلك ليس بالعيب، ولو لا أنّ الدستور يمنعهم من ذلك نظراً لغياب المحكمة الدستورية، لانطلقوا في الإجراءات المطلوبة.

في المقابل، وصف محسن العرفاوي النائب عن حركة الشعب المعارضة (قومية)، موقف قيس سعيّد بالمشرّف، واعتبره دليلاً على صدقه، وثباته على مواقفه التي أعلنها خلال حملته الانتخابية، لأنّه رفض الوزراء المقترحين، بسبب تهم فساد تلاحق بعضهم، لافتاً إلى أنّ كتلته تدعمه في محاربة الفساد.

محسن العرفاوي

وقال العرفاوي في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ تصريحات بعض النواب التي تدعو لعزل الرئيس، غير مسؤولة، وتهدف إلى تعكير الأجواء وتعقيد الأزمة، وأنّهم يتعمدون دفع البلاد نحو مستنقعٍ من العنف والصراع بين الأطراف السياسية المختلفة، بعزلهم رئيساً منتخباً انتخاباً مباشراً من قبل الشعب.

ويحذر عدد من النشطاء السياسيين والعاملين في الحقل الاجتماعي المدني، والذين يتحركون تحت غطاء " اتحاد قوى 10 أكتوبر"، من الاعتداء على  الشرعية الدستورية الكاملة لرئيس الجمهورية قيس سعيد ومشروعيته الشعبية المعززة، كما تحذر الأحزاب ولوبيات الفساد من مغبة اعتماد التحيل على الشعب والخزعبلات التشريعية من أجل عزل رئيس الجمهورية بمحكمة دستورية خارج الآجال الدستورية وغير الدستورية .

الخروج من المأزق

ودعا اتحاد قوى 10 أكتوبر رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى إطلاق حوار وطني مع كل مكونات المشهد السياسي والمدني والنقابي، للتوصل إلى توافق بين جميع الأطراف من أجل تعديل دستور 2014 المتسبب في كل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وذلك بتعديل الفصول الغامضة فيه التي تحول دون تكريس النظام الجمهوري الحقيقي الذي يقوم على  التفريق الحقيقي بين السلط والتوازن بينها.

من جهته، دعا الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة وطنية في البلاد) المنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني الدفع من أجل إيجاد حل للأزمة السياسية، والتوجه إلى حوار وطني في ظل الخلاف بين رئيس الحكومة من جهة ورئيس الجمهورية من جهة ثانية بشأن التعديل الحكومي.

اقرأ أيضاً: تعديل حكومي مرتقب في تونس قد يقلب توازنات القوة... ما علاقة النهضة؟

ويرى محللون للشأن السياسي أنّ الصراع  بين رئيس الجمهورية الأكثر شعبية وحركة النهضة هو صراع لمشروعين سياسيين بالبلاد، الأوّل يقوده زعيم حركة النهضة الإسلامية الغنوشي، الذي يحلم بحكم الخلافة، والثاني مشروع علماني، يقوده الرئيس قيس سعيد مدعوم من المنظمات وبعض الكتل البرلمانية وخاصة اتحاد الشغل.

ولا يعتقد المحلل السياسي رافع الطبيب أن يتوصل الفرقاء السياسيون إلى حلٍّ للأزمة هذه المرّة، وأنّ الحوار الوطني الذي تدعو له بعض المنظمات الوطنية لن يتوصل إلى نتيجة، لأنّ ما تعيشه تونس ليس أزمةً عابرةً أو خلافاً بين أطراف سياسية، بل هي أزمة هيكلية على جميع المستويات، وأزمة منظومةٍ بأكملها، إذ لا يمكن حلّها بمجرّد تجميع الأطراف السياسية على نفس الطاولة.

المحلل السياسي رافع الطبيب

وأكد الطبيب في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ هذا الحوار وإن اُطلق فإنّه سينجح فقط في تأخير المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، أو التقليل من وقع الأزمة والانفجار الاجتماعي، لأنّ ما عاشته تونس خلال كانون الثاني (يناير) المنقضي ما هو إلا بداية لما ستشهده البلاد في قادم الأيام، لافتاً إلى أنّ اللاعبين الحاليين في الميدان، كانوا الوقود الأساسي للثورات من أبناء الأحياء الشعبية والمناطق الداخلية المؤمنين بالتغيير، وأنّ الأحزاب الحاكمة وخاصّةً حركة النّهضة لم يعد لها وجود سياسي في الشارع، واُفرغت من كل قواعدها وإطاراتها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية