لماذا لا تعرض التلفزيونات العربية الأعمال الدرامية الفلسطينية؟

لماذا لا تعرض التلفزيونات العربية الأعمال الدرامية الفلسطينية؟


13/10/2020

منذ عام ٢٠١٣ شاركت الشابة الغزية، إيمان أحمد (28عاماً)، في عدد من الأعمال الدرامية في قطاع غزة، تقمّصت خلالها دور الزوجة والابنة، والعديد من الأدوار، رغم عدم اختلاف مجال دراستها عن المجال الدرامي، لكنّها استطاعت أن تحقق حلم الطفولة، وظهرت عبر الشاشة الصغيرة "التلفاز".

اقرأ أيضاً: كيف خُدعنا.. الدراما التاريخية التركية كمرجعية تاريخية

ولم تعتمد الشابة العشرينية على تدريبات في مجال الدراما، أو خبرة سابقة؛ بل كان اعتمادها على موهبتها في التمثيل، ورغم عدم توافر الإمكانيات اللازمة، إلا أّنها استطاعت أن تثبت نفسها في هذا المجال" التمثيل"، ولعبت دور البطولة في عدد من الأعمال.

صعوبات

وتقول في حديثها لـ "حفريات": "منذ بدايتي بالتمثيل واجهت صعوبات كثيرة أبرزها عدم إتقاني مهارات التمثيل، وعدم وجود الإمكانيات المناسبة، فكنت أعيد المشهد عدة مرات، كوني جديدة بالمجال، ولم أتلقَّ التدريبات اللازمة، لكن مع مرور الوقت اختلف الأمر كثيراً وأصبحت متمكنة".

...

وتضيف بأنّ ظهورها على شاشة التلفاز برفقة أشخاص آخرين، "كان شيئاً غريباً ومرفوضاً بالنسبة إلى المجتمع الغزي المحافظ، الذي يرفض اختلاط المرأة بالرجل، وتعرضت لانتقادات لاذعة، وعبارات غير مناسبة، إلا أنّ ذلك لم يثنني عن مواصلة الطريق الذي بدأته، وواصلت العمل لإيصال رسالة للمجتمع عن أنّ الفنّ رسالة سامية".

عدم احتكاك المرأة بالرجل أثناء تصوير المسلسلات في قطاع غزة، وتجنّب المشاهد التي توجد فيها مصافحة بين الجنسين، تماشياً مع العادات، يفقد تلك الأعمال قوتها

واستطاع القائمون على الأعمال الدرامية في قطاع غزة تحقيق نجاحات خلال الأعوام الماضية، "لكن رغم تلك النجاحات إلا أنّهم يحتاجون إلى تطوير كبير في الدراما، مثل: الدعم المالي، الأماكن المفتوحة، ووجود مدينة إنتاج إعلامي، وأكاديمية مختصة للتمثيل، إضافة إلى سيناريو قوي، لإخراج موادّ بصريّة عالية الجودة".

أجور متدنيّة

وتفيد بأنّ الأجور التي تحصل عليها، هي وغيرها من الممثلين، قليلة جداً بالنسبة إلى الممثلين بالدول الأخرى، وذلك نتيجة غياب التمويل وشركات الإنتاج، مشيرة إلى أنّ أكبر أجر حصلت عليه خلال سنوات عملها في مجال الدراما هو 700 دولار مقابل مشاركتها بعمل درامي 30 حلقة.

اقرأ أيضاً: "ممالك النار" وقوة الدراما

وتطمح الممثلة الفلسطينية في مغادرة قطاع غزة، والالتحاق في أحد معاهد تعليم فنون التمثيل، واكتساب خبرة من كبار الفنانين في العالم العربي لتنمية موهبتها بالتمثيل.

وعادت الأعمال الدرامية إلى الواجهة في قطاع غزة، عام ٢٠١٣، حيث كانت بدايتها لمسلسلات تحاكي قصص كفاح لأشخاص في المقاومة الفلسطينية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وإظهار مدى الظلم الذي تعرضوا له خلال السنوات الماضية؛ حيث إنّ القائمين على تلك الأعمال عدد من الفضائيات الحزبية التابعة لحركة حماس، وتنظيمات أخرى".

...

فهناك من أنتج أعمالاً طويلة تتحدث عن تأثير الحصار في حياة المحاصرين، والفجيعة التي أصابت الغزيين بفعل اعتداءات الاحتلال وحروبه المتواصلة، وهناك من جسّد صمود شعب يرزح تحت أطول احتلال في العالم، وبسالة شبابه في مواجهة الممارسات الإسرائيلية ضدّهم.

غياب الخبرة

وفي هذا السياق، يقول المخرج الفلسطيني، علاء العالول، لـ "حفريات": "في قطاع غزة لا توجد خبرات في مجال الدراما والسينما، وكافة الأعمال التي يتمّ إنتاجها هي نتاج اجتهادات شخصية، ومواهب شبابية فقط لا أكثر، وذلك بسبب عدم وجود كليات متخصصة لتعليم فنون الدراما والمسرح، ويفتقر العاملين في مجال التمثيل لمرجعية لهم، وعدم حصولهم على أموال كافية؛ حيث إنّ هذا المجال فقط للموهبة، وليس مهنة لتأمين لقمة العيش".

المخرج علاء العالول لـ"حفريات": هناك معضلة أساسية تواجه الدراما الفلسطينية، وهي عدم قبول الفضائيات العربية عرض أغلب الأعمال الدرامية، خاصة تلك التي تتحدث عن القضية الفلسطينية

وحاول العالول في آخر عمل درامي أخرجه، والذي حمل اسم "10سنين" أن يكون حاضراً بقوة في الساحة الفلسطينية، "ليعكس الواقع المعيشي؛ فالمرأة كانت محجبة بالخارج، وأمام زوجها وأبنائها داخل البيت كانت من دون حجاب، الأمر الذي أزعج بعض المشاهدين، فطبيعة الدراما تعكس الواقع، ويجب أن تكون كافة المشاهد واقعية وأن يكون مبرَّراً دراميّاً".

...

مقارنة الأعمال الدرامية الفلسطينية بالدراما العربية غير ممكنة، كما يقول العالول، "نظراً إلى قلّة الإمكانيات المادية والبشرية، وغياب الخبرات في قطاع غزة، لكن ما تمّ إنتاجه في غزة هذا العام والأعوام السابقة كان بمثابة محاولة لإخراج أفضل صورة عن الواقع الفلسطيني، سواء للمشاهد المحلي أو الخارجي".

تجارب قديمة

يتابع: "تمّ استقطاب ممثلين قدامى كانت لهم تجارب قديمة بالتمثيل خلال السنوات السابقة، إضافة إلى نداء للممثلين؛ حيث إنّ كلّ من لديه موهبة يشترك، وتمّ إعداد اختبارات للمتقدمين، وبعد ذلك تدريبهم حول طبيعة التمثيل، ومن ثم اختيار الشخصيات المناسبة".

اقرأ أيضاً: كيف بدأت صورة المسلمين تتغير في الدراما الأمريكية؟

ويبيّن العالول؛ أنّ "هناك معضلة أساسية تواجه الدراما الفلسطينية، وهي عدم قبول الفضائيات عرض أغلب الأعمال الدرامية، خاصة تلك التي تتحدث عن القضية الفلسطينية، كما حدث معهم في مسلسل "عشر سنين""، لافتاً إلى أنّ "تكلفة المسلسل تجاوزت 60 ألف دولار، وهي من ماله الخاص، ولم يتمّ تمويله من أيّة جهة كانت، الأمر الذي أرهقهم مالياً".

...

ويوضح أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمنع إدخال الكاميرات والمعدات الحديثة الخاصة بالإنتاج الدرامي إلى قطاع غزة، لافتاً إلى أنّهم يضطرون إلى استخدام المعدات والكاميرات الموجودة لديهم لتصوير الأعمال الدرامية.

إعادة إحياء الدراما في غزة

ويبيّن الناقد الفنّي، مصطفى النبيه؛ أنّه مع قدوم السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، عام ١٩٩٤، وتأسيس تلفزيون فلسطين كانت هناك محاولات من بعض المخرجين لإنتاج أعمال درامية، وأنّ التجارب كانت بسيطة نظراً لقلة الإمكانيات آنذاك، ومع التطور التكنولوجي والتقني اتّجه عدد من المخرجين الشباب، وبعض الفضائيات المحلية نحو الدراما من جديد، عام 2013.

...

ويشير لـ "حفريات"؛ إلى أنّه، وعلى الرغم من نجاح محاولات إحياء الدراما في قطاع غزة، وإعادتها إلى الواجهة من جديد، واكتشاف المواهب الشابة في القطاع، إلا أنّ للانتماء الحزبي والعائلي تأثيراً على بعض الأعمال الدرامية، إذ إنّ هناك ممثلين يرفضون تأدية بعض المشاهد خوفاً من أن يتعارض ذلك مع تعليمات التنظيم الذي ينتمون إليه، أو يتنافى مع عادات وتقاليد عائلاتهم.

اقرأ أيضاً: لماذا اختفت الدراما الدينية؟

اعتمد منتجو الدراما في قطاع غزة خلال السنوات الماضية، على إنتاج الأعمال الدرامية التي تتحدث عن الاحتلال والقتل والتدمير، وتجاهلوا الجانب المشرق من الحياة في القطاع، مثل: الحب والحياة الاجتماعية والنجاحات، وهذا الأمر الذي يقف عائقاً أمام تسويق الأعمال الفلسطينية عبر الشاشات العربية، التي تفضّل الأعمال المتنوعة والمتجددة، وتواكب التطورات والتغيّرات التي تحدث" يقول النبيه.

كيف يمكن النهوض بالدراما في غزة؟

ويرى الناقد الفني؛ أنّه يمكن النهوض بالدراما في قطاع غزة من خلال توجه رجال الأعمال الفلسطينيين المتواجدين بالداخل والخارج لاستثمار رؤوس أموالهم في الدراما، لتطويرها، وتأسيس دراما فلسطينية ناجحة قائمة على أسس ومعايير صحيحة على غرار الدول الأخرى.

...

وينوّه إلى أنّ "عدم احتكاك المرأة بالرجل أثناء تصوير المسلسلات في قطاع غزة، وتجنّب المشاهد التي توجد فيها مصافحة بين الجنسين، تماشياً مع عادات المجتمع الفلسطيني وتقاليده، يفقد تلك الأعمال قوتها، وهي من الأسباب التي تجعل الدراما الفلسطينية غير مقبولة بالأسواق العربية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية