لماذا يُبقي أردوغان اتفاقيات بلاده العسكرية والاقتصادية مع إسرائيل سرّية؟

لماذا يُبقي أردوغان اتفاقيات بلاده العسكرية والاقتصادية مع إسرائيل سرّية؟


15/08/2020

عبدالناصر نهار

ترغب تركيا، وفي ظلّ حُكم رئيسها رجب طيّب أردوغان، رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي الحاكم، والداعم الأكبر لتنظيم الإخوان المُسلمين في العالم، تطوير التحالف مع إسرائيل في كافة المجالات بمؤسساتها السياسية والعسكرية والاقتصادية كافة. هذا في واقع الأمر، إلا أنّ ما يُريد أردوغان إظهاره للرأي العام في بلاده وفي العالم الإسلامي شيء مُختلف تماماً.
فالتحالف التركي- الإسرائيلي، موجود بالفعل ومستمر، ولم يتعرّض يوماً ما لأيّ خطر، لم ينقطع أبداً في ظلّ أردوغان، بل إنّه يتنامى يوماً بعد آخر بأسلوب مختلف وآليات مُتجدّدة، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة في العالم العربي عمّا قدّمه الرئيس التركي في الحقيقة، بعيداً عن تصريحاته الإعلامية، خدمة لما يدّعيه مصالح الأمة الإسلامية، فلا يوجد في الذاكرة القريبة سوى صراخه في قضية الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، فضلا عن ضمّها للجولان السوري المحتل، على سبيل المثال.
ويكاد لا يتوقف نشاط سفارة وقنصلية إسرائيل في كلّ من أنقرة وإسطنبول، عن تنظيم ندوات ومؤتمرات لتعزيز العلاقات الثنائية بين تل أبيب وأنقرة، بإشراف من منتديات المجتمع المدني الإسرائيلي التركي، ودعم غير مباشر من حزب أردوغان خلف الستار. فيما لا تتوقف أيضاً زيارات ومشاريع رجال الأعمال الإسرائيليين، في الأراضي التركية، مع أكثر من 15 رحلة يومياً من تل أبيب إلى إسطنبول، قبل بدء أزمة فيروس كورونا التي أثرت على قطاع الطيران العالمي بأسره.
وبينما أحيت دولة الإمارات خيار الدولتين باتفاق سلام تاريخي مع إسرائيل تمّ إعلانه أمس، إضافة لوقف الخطة الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية، واصل أردوغان استغلال كل ما يحصل لإظهار بطولاته في العالم الإسلامي، وحشد المؤيدين الوهميين الذين يخدعهم، ولو إلى حين، بحرصه المُفتعل على المُقدّسات، مُهدّداً بقطع علاقات بلاده مع الإمارات بحجة إقامتها علاقات مع إسرائيل، بينما تُمارس السفارة الإسرائيلية في أنقرة مهامها دون توقف أو حتى مجرّد تعليق لفترة ما، كما لم تُقدّم العلاقات التركية - الإسرائيلية أيّ فائدة تُذكر لمصالح الأمة الإسلامية، فلماذا يواصل أردوغان إذاً تعزيزها.
وبصرف النظر عن السياسة العلنية الوهمية التي تنتهجها تركيا في ظلّ أردوغان وحزبه الإسلامي، يؤكد خبراء سياسيون أنّ أنقرة لم تكشف لغاية اليوم عن بنود اتفاقيات التعاون التركي - الإسرائيلي، التي تمّ توقيعها على مدى السنوات الماضية في المجال العسكري على وجه الخصوص، وهي الاتفاقيات التي ما زالت سرّية حتى اليوم ولم تظهر إلى الوجود بعد.
وبينما لم يجرؤ أردوغان على إطلاق رصاصة واحدة لتحرير ما يقول إنها المُقدّسات الإسلامية، وفيما عُدوانه العسكري مُستمر ضدّ السوريين والعراقيين والليبيين وغيرهم، فإنّ غالبية نصوص الاتفاق العسكري بين الطرفين التركي والإسرائيلي تبقى محفوظة في الخزائن السرية غير مُعلنة، ويتم تطبيقها بشكل تدريجي بغض النظر عن المصالح الإقليمية لدول الجوار العربي.
ولإدراك التوجّه التركي وفهمه لا بدّ من وضعه في إطار المُدركات الناجمة عن توجّه السياسة الأردوغانية التقليدية، حيث في خطابه السياسي المُنافق نزعة ظاهرة للتوجه نحو الدول العربية والإسلامية، وشعوب هذه الدول على وجه التحديد، وجماعة الإخوان بشكل خاص أكثر، إلا أنّ عملية صناعة السياسة الخارجية التركية مُنصرفة في ذات الوقت إلى ترتيب علاقات ثنائية مع إسرائيل ذات مغزى بعيد المدى، سواء قبل أو خلال حكومات رجب طيّب أردوغان المُتعاقبة، وهو "الزعيم الإسلامي" الذي اعترف في العام 2016 أنّه لم يكن على علم بـِ "أسطول الحرية" الذي تمّ إرساله إلى غزة في 2010 وهاجمته إسرائيل، فاستغل ذلك ليصنع بطولة خاصة له في ذلك الوقت لدى الشعوب الإسلامية، ونجح بقوة في إقناع الكثير من البُسطاء، لكنّه طبّع العلاقات مع إسرائيل بشكل أوسع لاحقاً، وما زال يسعى للمزيد خاصة إذا ما لُوحظ ما يشنّه من هجمات إعلامية على دول المتوسط، بما في ذلك مصر واليونان وقبرص، مُستثنياً إسرائيل.
لقد وجد الأتراك أنفسهم في تسعينيات القرن الماضي، ضمن مروحة من الخيارات كلها تؤثر وتتأثر بما يحصل في المنطقة، إلا أنّ الاتجاه الذي رءوا فيه أكثر نفعاً هو المحيط الإقليمي غير العربي وهو إسرائيل، فقد كانت سياسة تركيا حيال إسرائيل حذرة ومتوازنة حتى مطلع العام 1996، وهنا حدث تحوّل جذري في السياسة التركية الخارجية بتوقيعها الاتفاق العسكري مع إسرائيل، هادفة من وراء ذلك لإعادة بناء وتطوير جيش قوي بالتعاون مع إسرائيل يُحقق طموحات قادتها.
وهذا ما حدث بالفعل، إلا أنّ أردوغان الذي اعتقل الآلاف من كبار الضباط الذين لا يسيرون في ركبه بحجة المشاركة في محاولة الانقلاب عليه صيف 2016، استغل إمكانات جيش بلاده في شنّ اعتداءات عسكرية طالت جيرانه وامتدت لشمال إفريقيا طمعاً في استعادة أمجاد امبراطورية عثمانية، ضاعت ولن تعود.
ولغاية اليوم، ما زالت تركيا تسعى من خلال العلاقة الوثيقة مع إسرائيل إلى زيادة تطوير وتدعيم آلتها العسكرية، فضلاً عن تعزيز برامج التسليح والتحديث والإنتاج المشترك، مما يمثل تهديداً صريحاً للأمن القومي العربي.
وفي ذات الوقت يُوهم أردوغان العالم الإسلامي بأنه حريص على مصالح دوله وشعوبه، ويتدخل بشكل مُسيء في شؤون كثير من الدول العربية والإسلامية، حرصاً على تعزيز نفوذ تنظيم الإخوان المسلمين التابع له، والذي يُقدّم له بالتعاون مع قطر شتّى أنواع الدعم السياسي والمالي والإعلامي، وحتى العسكري كما في سوريا وليبيا، فضلاً عن تعاونه مع تنظيمات إسلامية أخرى مُتشدّدة على غرار داعش وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً).

عن "أحوال تركية"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية