لو تكلم الموتى... مقابر الخرطوم وشوارعها ومشارحها ليست آمنة

لو تكلم الموتى... مقابر الخرطوم وشوارعها ومشارحها ليست آمنة

لو تكلم الموتى... مقابر الخرطوم وشوارعها ومشارحها ليست آمنة


16/08/2023

بتحذير هيئة الطب العدلي، في السودان، من أنّ وجود (3) آلاف جثة على الأقل في مشارح مستشفيات الخرطوم مهددة بالتحلل والتعفن لانعدام المواد الحافظة وامتلاء حاويات الحفظ، الأمر الذي سيتسبب في  انتشار الأمراض والأوبئة بين المواطنين خاصة الطاعون، تكون حرب الخرطوم قد دخلت مرحلة جديدة من لا إنسانيتها وتغييب ضميرها؛ إذ إنّ أطراف النزاع لا تهتم إلّا بما يحرز لها تقدماً في معركة خاسرة، فيما يأتي الإنسان في ذيل اهتماماتها، يموت أو يضيع أو يرحل، هذا لا يهم.

لا يستطيع المُشيعون الوصول إلى المقابر تحت زخات الرصاص ودوي المدافع وأزيز الطائرات.

مئات الجثث ملقاة على الطرق وفي ميادين المعارك، عشرات الموتى بسبب انعدام العلاج وشح الدواء لا تجد جثامينهم سبيلاً إلى المقابر؛ فيضطر ذووهم إلى دفنهم داخل المنازل أو في الشوارع أمامها.

نهش الكلاب

لا أحد يهتم.

مئات الجثث مبعثرة، وأشلاء في شوارع وميادين مدينة بحري (شمال الخرطوم)، ليس هناك إحصاءات دقيقة، حتى قبل اندلاع الحرب، فما بالك أثناءها؟

المؤكد أنّ هناك المئات منها، معظمها من المدنيين ربما، لأنّه في غالب الأمر يخلي طرفا الصراع قتلاهم من مسرح العمليات عقب انتهائها، لكن من الذي يُخلي المدنيين في ظل غياب الدولة؟ 

 لا يستطيع المُشيعون الوصول إلى المقابر تحت زخات الرصاص ودوي المدافع وأزيز الطائرات

وتُعتبر مدينة الخرطوم بحري الأكثر احتواء على الجثث المجهولة، انتفخ بعضها كبالونات، وبعضها تحلل وذاب، وبعضها تبعثرت أشلاء، وصارت طعاماً للكلاب تنهشها ليل نهار.   

في طور التكوين

وفي السياق، قالت صحيفة (التليغراف) نقلاً عن منظمة (أنقذوا الطفولة) البريطانية: إنّ آلاف الجثث تتعفن في شوارع العاصمة السودانية الخرطوم، وقد أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى وضع المشرحة على حافة الانهيار، وفقاً لمنظمة (إنقاذ الطفولة).

وأضافت المنظمة: إنّ عدم القدرة على دفن الموتى بكرامة يصبح عنصراً إضافياً في معاناة سكان الخرطوم.

وقال الدكتور بشير كمال الدين، مدير الصحة والتغذية في منظمة (إنقاذ الطفولة): إنّنا نشهد أزمة صحية في طور التكوين، بالإضافة إلى أزمة حزن وخوف وألم.

وكانت منظمات محلية ودولية قد حذّرت منذ بداية الحرب من مخاطر ترك الجثث في الشوارع، وأنّها تشكل تهديداً للسكان بسبب تحللها وتعفنها، إذ إنّها يمكن أن تكون سبباً رئيسياً في انتشار الأوبئة والأمراض؛ خاصة أنّ الوضع الراهن في السودان يحول دون تنفيذ حملات لمكافحة نواقل الأمراض.

كما أنّ الطاقم الطبي لم يعد يعمل في المشرحة، تاركاً الجثث مكشوفة وغير معالجة، وفقاً لنقابة الأطباء السودانيين، وكان تقرير سابق لـ (رويترز) قد كشف أنّه في مشرحة محلية تضم (450) جثة بدأت الدماء تتسرب إلى الأرض بعد توقف نظام  التبريد فيها عن العمل.

مدينة الموت

بالنسبة إلى اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، فإنّ من الصعوبة بمكان تقدير القتلى في البلاد، بعد أن اضطرت معظم الأسر لدفن موتاها داخل المنازل، أمّا فيما يتعلق بالجثث الموجودة في الشوارع أو في المشارح، فإنّها يمكن أن تتسبب بكارثة وبائية في البلاد، في حال لم يتمّ التعامل معها وتشريحها ودفنها فوراً.

يقول الطبيب عبد القادر عباس لـ (حفريات): يتمثل الخطر الرئيسي من تحلل الجثامين إذا تلوثت إمدادات المياه بالسوائل؛ ممّا يؤدي إلى خطر الإصابة بالإسهالات، وهذا مثير للقلق بشكل خاص في موسم الأمطار والفيضانات. كما أنّ انقطاع التيار الكهربائي عن المستشفيات القليلة المتبقية العاملة في العاصمة يفاقم الأزمة.

ووصف عباس الخرطوم بأنّها مدينة الموت، وقال: إنّ من بين (89) مستشفى رئيسياً في العاصمة والولايات، فإنّ (71) منها أصبح خارج الخدمة، ويعمل المتبقي بطاقة جزئية.

وأفادت الأمم المتحدة أنّ الملاريا وحمى الضنك والإسهال المائي الحاد - التي كانت تحت السيطرة قبل النزاع - تتزايد مرة أخرى نتيجة لتدهور مرافق الصحة العامة. وتم الإبلاغ عن تفشي مرض الحصبة في (11) ولاية، وبلغ مجموع  المصابين  (900) حالة.

مزيج مرعب

وعلى الرغم من أنّ مشهد الجثث الملقاة على الطرقات أصبح مألوفاً في مناطق الاشتباكات في العاصمة الخرطوم والمناطق الأخرى، كما يروي شهود العيان، وجدت جثث أخرى طريقها لمثواها الأخير في المقابر، إمّا بمساعدة الأهالي، وإمّا بمبادرات تطوعية تمّ إطلاقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إليها والعمل على دفنها في المقابر.

من الصعوبة بمكان تقدير القتلى في البلاد

وكان السودان قد شهد تفشي الكوليرا بشكل متكرر في الأعوام الأخيرة، وحذّر أطباء من تجدد احتمال انتشارها بصورة وبائية في ظل الحرب الراهنة. وقالت منظمة (أنقذوا الأطفال): إنّ المزيج المرعب من أعداد الجثث المتزايدة، والنقص الحاد في المياه، وتوقف عمل خدمات النظافة والصرف الصحي، ونقص خيارات معالجة المياه ، يثير مخاوف من تفشي الكوليرا في المدينة.

إلى ذلك، تعرضت المرافق الصحية بالعاصمة الخرطوم، منذ اندلاع الحرب في نيسان (أبريل)، إلى نحو (53) هجوماً أسفرت عن (11) حالة وفاة لمرضى كانوا يتلقون علاجهم داخلها.

وكانت الاشتباكات الأخيرة التي اندلعت في أم درمان، إحدى مدن العاصمة السودانية، قد أدت إلى مقتل وإصابة عشرات الأطفال، وجدير بالذكر أنّ  ما لا يقلّ عن (2435) طفلاً قتلوا وجرحوا منذ بدء النزاع.

إلى ذلك، يأمل المواطنون من طرفي النزاع وقف الحرب، أو على الأقل الموافقة على هدن بين الفينة والأخرى لإتاحة ممرات آمنة، حتى يتمكن المواطنون، والطرفان المتنازعان، من دفن موتاهم، بجانب إمكانية الوصول إلى مراكز العلاج والدواء والغذاء، أو الخروج من العاصمة الخرطوم وتركها ميداناً للقتال خالياً من السكان.

مواضيع ذات صلة:

صورة الجنرال البرهان وكلب جيجالوف... من الذي يدير حرب الخرطوم؟

حرب الخرطوم ... فتّش عن الإخوان

الإخوان المسلمون وحرب الخرطوم



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية