محمد الظاهر: لهذه الأسباب اعتزلت الساحة الأدبيّة في الأردن

محمد الظاهر: لهذه الأسباب اعتزلت الساحة الأدبيّة في الأردن


25/07/2020

أجرى الحوار: موسى برهومة

غيّب الموت قبل أيام الأديب د. محمد الظاهر الذي شكّل على مدار عقود، أحد أبرز الظواهر في الأدب في الأردن، لتعدد مواهبه وانشغالاته وكتابته في مختلف صنوف الإبداع.

في هذا الحوار، الذي سبق نشره في صحيفة "ذوات" الإلكترونية في أيلول (سبتمبر) 2016، يشكو الظاهر من الخذلان الذي عاناه في الأردن والعالم العربي، بحيث أضطر أن يعتزل الحياة الأدبية والإعلامية، ويخلو إلى نفسه، ويكتب بلا ضجيج، وأن يخلص إلى الإبداع، لأنه يعتقد بقدرة الأعمال الإبداعية على التغيير، عازياً الحملة المحمومة على الإبداع الحقيقي في الساحة العربية، إلى أنّ أنصار الحملة يعرفون قدرته على الفعل. وما نراه من حصار للأسماء المبدعة المؤثرة هو جزء من هذه الحملة الشرسة على الإبداع.

مررت بتجربة مرض علمتني عدم الاستسلام ومنحنتي حياة إضافية؛ إذ كان يجب أن أموت وأنا في الرابعة من العمر، بعد أن عجز الأطباء النطاسيون، وسلموني للموت

الظاهر، الذي تتميز أنشطته الإبداعية باتساع حقولها وتنوّعها، قال إنه صُنّف "ضمن أكثر خمسة من الكتاب المؤثرين في تلك الانتفاضة الفلسطينية" لذا لا يشك في قدرة الإبداع على صنع التحولات الكبرى، مستذكراً قول الروائي الإيطالي ألبرتو مورافيا إنّ "أمريكا على استعداد لأن تبيع مستقبلها بعمود من أعمدة روما القديمة".

محمد الظاهر، من مواليد مخيم عقبة جبر بمدينة أريحا الفلسطينية عام 1951، حصل على الدكتوراة في مجال أدب الطفل عن رسالته "مكتبة الطفل الإلكترونية"، عمل مديراً للتحرير في جريدة "الدستور" الأردنية، كما عمل في حقل التربية والتعليم، وكتب أعمال اليونسف الشعرية الغنائية، ونشيد بطاقات اليونسيف، ونشيد الأطفال العرب، ومقدمات كثيرة لبرامج الأطفال، كما كتب برامج إذاعية وتلفزيونية، وعدداً لا يُحصى من قصائد الأطفال المغنّاة للإذاعة والتلفزيون، وأعمالاً مسرحية كثيرة. وغنّت من قصائده المطربة المغربية سميرة سعيد. كما ترجم الظاهر العديد من الكتب الأدبية.

اضطر الظاهر أن يعتزل الحياة الأدبية والإعلامية، وخلا إلى نفسه، وكتب بلا ضجيج

 حاز الظاهر على جائزة الدولة التقديرية في (أدب الطفل) وعلى جائزة الملكة نور لأدب الأطفال في حقل الشعر عام 1989، وجائزة مصطفى عزوز لأدب الطفل بتونس عام 2014 كما حصل على جائزة أفضل مسرحية للأطفال في مركز هيا الثقافي، والعديد من جوائز مهرجان أغنية الطفل العربي في أكثر من عام، وجائزة أدب الأطفال من جمعية المكتبات الأردنية، وراسل عدداً من الصحف والمجلات العربية المهاجرة في قبرص وباريس ولندن ومجلات في العراق والكويت.

هذا الحوار المستعاد في "حفريات" هو بمثابة ثناء على جهود هذا الأديب "الموسوعي" الذي غيبه الموت، بعد أن مضى، مضطراً، يتأمل عزلته ويكتب. وفي غضون ذلك شهق أنفاسه الأخيرة، ورحل بسلام.

هنا تفاصيل الحوار:

كنتَ ماليء الوسط الثقافي في الأردن وشاغله. لماذا صمتَّ واعتزلت الناس؟

لم آت إلى عالم الإبداع كي أملأ الوسط الثقافي وأشغل الناس، جئت إليه كعاشق ولهان، وظل هذا ديدني مع الإبداع منذ الحرف الأول وحتى هذه اللحظة. أنا لا أجد متعتي إلا في الإبداع، لذا أقضي معه ساعات وساعات دون أن أشعر بمرور الزمن، وأنا الآن غير صامت ولا معتزل، بل أنتج أكثر بكثير مما كنت أنتج في السابق، ذلك لأنني الآن متفرغ كلياً للإبداع، ولا منافس له في حياتي، ولكنّ الوسط الثقافي الذي كنت مالئه وشاغله في بداياتي، هو الذي تغير. سأضرب لك أمثلة بسيطة: بعد خمسين عاماً في مجال أدب الطفل، وبعد أن عرفتني الساحة الأدبية واحداً من رموز هذا الأدب على المستوى العربي، وبعد أن ترجمت قصائدي إلى أكثر من لغة حية، أبعث بقصيدة لي إلى رئيس تحرير مجلة أطفال معروفة، كنت قبل أكثر من ربع قرن مراسلاً لصحيفتها ومجلتها السياسية الأدبية، فيردّ علي أن المجلة لا تنشر إلا للكتاب المحترفين!

 رئيس تحرير هذه المجلة لم يكن موجوداً على هذه الحياة، حين كان اسمي يظهر بشكل دائم على صفحات الصحيفة العربية المشهورة التي تصدر عنها مجلته، ويظهر أسبوعياً كمراسل للمجلة السياسية الأدبية التي تصدر عن المؤسسة نفسها. ولا يمتلك حتى القدرة للرجوع إلى أرشيف مؤسسته، ولا إلى أرشيف مجلات الأطفال في العالم العربي كي يعرف أنني لست كاتباً مبتدئاً في هذا المجال. وحين أقلّب صفحات مجلته أجد العجب العجاب في الشعر الذي ينشره للمحترفين أمثاله، ترى كيف يمكن لي أن أعود ثانية لأكرر نفس الغلطة وأرسل إبداعي لمجلته؟

المؤسسات الرسمية العربية أكثر وفاء للمثقف العربي ومناهجنا أكل الدهر عليها وشرب، ومؤسساتنا التعليمة أسيرة الأغبياء والمدعين، وإلا كيف يتفوق اليوتيوب وغوغل على كل المؤسسات؟

مثل آخر: أكثر من صحيفة كنت شاغل صفحاتها الثقافية، أو حتى مديراً لتحرير صفحاتها الثقافية، تتعامل مع ما أرسله لها ككاتب هاوٍ لم ينشر إلا القليل من إبداعه، وربما ألقت بما أرسله إليها في سلة المهملات دون أن يرف لها جفن. هل تظن إنساناً مثلي لم يتسوّل النشر في بداية حياته الابداعية، يمكن أن يفكر بالنشر في مثل هذه الصحف؟

مثل ثالث: تلفزيون أنا الذي رسخت فيه برامج الأطفال، ومكتبته فيها مئات الحلقات، وآلاف القصائد الغنائية التي ألّفتها يريد أن يمتحنّي إن كنت أجيد الكتابة التلفزيونية للطفل، ولا يكلف نفسه أن يذهب لمكتبته البصرية ليعرف ذلك. بل أكثر من ذلك تجد من "يتفلسف" عليك ويدعوك للتعلم من المحطات الأخرى. دون أن يدرك أنّ الذي يجب أن يتعلم من المحطات الأخرى هو، وليس أنا، فتألق المحطات الأخرى أنها تمتلك الإمكانيات التي لا يمتلكها هو، أما في مجال الإبداع،  فإنّ ما أقدّمه له ولمحطته أفضل بكثير مما يوجد في المحطات الأخرى.

تتميز أنشطته الإبداعية باتساع حقولها وتنوّعها

مثل رابع: ناشر ربما يكون صديقاً، وربما يكون ممن يعرف من أنت، حين تريد نشر كتاب عنده، في مجال أدب الطفل، أو في مجال الترجمة، أو في أي مجال إبداعي آخر يتعامل معك كنكرة، ويطلب منك أن تدفع مبلغاً من المال قبل أن يفكر في نشر كتابك.

كل هذا التغيّر والتحوّل على المستوى الثقافي هو الذي جعلني أغيب عنه، ولا أشغله كثيراً، فأنا أعرف أن تكون كاتباً يعني أنك قد رزقت أشرف حرفة في العالم، ولذلك فمن العيب أن أتسوّل النشر لدى هؤلاء.

أما من ناحية الإبداع فأنا أبدع كل يوم وفي مختلف المجالات التي ذكرتها، وأحصد الجوائز سنوياً على هذه الإبداعات، لكنّ وسائل الإعلام تبخل حتى بمجرد عمل مقابلة معي بعد فوزي بهذه الجوائز.

تنقلتَ في تجارب وأشكال أدبية متعدّدة: أدب الطفل، الشعر، أناشيد الطفولة، الترجمة، الكتابة الصحفية. أين وجدت نفسك، وفي أي شكل كان تعبيرك ساطعاً؟

أمتع شيء عندي الكتابة للأطفال والترجمة، والكتابة للأطفال لم تتوقف عند الشعر فقط، بل تتعداها إلى الفنون الأخرى كالكتابة التلفزيونية والمسرحية والقصصية، أما الترجمة فتأتي في المرتبة الثانية من المتعة، فأنا أحبها كثيراً لأنها النافذة التي أطل منها على الآخر قارئاً ومترجماً ومثرياً تجربتي. وأنا لا أترجم إلا ما أجد أنه جدير بأن يترجم. وفي هذا المجال أضع نفسي في فئة المترجمين الخونة، فأنا لست أميناً للنص الأصلي بمترادفاته اللغوية، وإنما أسعى لأن أترجمه بأجمل صورة تعكس معناه بكل سلاسة ويسر للغة العربية، فلكل لغة ديالكتيها الخاص، والمترجم الأمين للنص الأصلي يخون ديالكتيك لغته.

منذ مجموعتك الشعرية الأولى المشتركة مع الشاعر غسان زقطان "عرض حال للوطن" انتقلت إلى فضاء تعبيري آخر. ماذا أضافت لك هذه التجربة، وكيف لشاعرين أن ينجزا عملاً مشتركاً؟

هذه التجربة كانت باكورة النشر في رابطة الكتاب الأردنيين، كانت العلاقة بيني وبين غسان علاقة محبة، وكنت أول من نشر له إنتاجه في الصحف، ذلك أنّ والده الشاعر الكبير خليل زقطان، لم يكن مؤمناً بتجربته. وقد دخلت معه في أكثر من حوار لأقنعه بأنّ غسان يمكن أن يكون شاعراً كبيراً. كان غسان لاعب كرة سلة مبدعاً، وكان يمكن أن يكون لاعباً مشهوراً لو لم ينتقل من مجال الرياضة إلى الشعر.

كتابي للأطفال "حُرّاس الذاكرة" امتد من غسان كنفاني حتى إميل حبيبي ومحمود درويش واشتمل على قصائد ولوحات كتبتها ورسمتها بنفسي للطفل، كي يظل هؤلاء الحرّاس في ذاكرة الطفل

ما أريد قوله، أننا كنا ننهل من معين واحد، لذلك لا يجد قارىء الديوان اختلافاً كبيراً في التجربتين، وكأنهما وجهان لعملة واحدة.

أنا فخور بهذه التحربة، حتى وإن تفرقت السبل بطرفيها، وشقّ كل منهما طريقاً مغايراً للآخر.

الشاعر غسان زقطان

بعد مشوار طويل مع الكتابة والأدب، هل ما تزال تحمل اليقين نفسه بمقدرة الكتابة على التغيير؟

أجل، أنا على يقين تام بقدرة الإبداع على التغيير، لذلك ترى الحملة المحمومة على الإبداع الحقيقي في ساحتنا العربية، لأنهم يعرفون قدرته على الفعل. وما تراه من حصار للأسماء المبدعة المؤثرة هو جزء من هذه الحملة الشرسة على الإبداع.

في ندوة تلفزيونية في التلفزيون الصهيوني، شارك فيها خمسة من الباحثين الصهاينة، أثناء  الانتفاضة الفلسطينية، وضعوني ضمن أكثر خمسة من الكتاب المؤثرين في تلك الانتفاضة، ليأتي لي في اليوم التالي من يعرف إسهاماتي متسائلاً باستغراب، هل رأيت الحلقة إنهم يضعونك ضمن الكتاب المؤثرين في الانتفاضة؟

نعم الإبداع هو الذي صنع التحولات الكبرى، لقد قال الروائي الايطالي الشهير ألبرتو مورافيا إنّ أمريكا على استعداد لأن تبيع مستقبلها بعمود من أعمدة روما القديمة. ولهذا ترى الحملة المسعورة حتى على التراث الإبداعي للشعوب.

أنت راصدٌ لتقلّبات المثقف العربي وانحيازات بعضهم إلى معسكر الطغيان، كيف للكاتب أن يجرؤ على ذلك؟

هذا الانحياز جزء من حملة الحصار على الثقافة، يريدون أشباه مثقفين ليملأوا مساحة الإبداع بهم، كي يكملوا دائرة الحصار على الابداع الحقيقي. أضرب لك مثلاً، المفكر الفلسطيني الكبير ناجي علوش الذي له دين كبير في عنق كل الكتاب الفلسطينيين، تنكر له هؤلاء الكتاب الذين حملهم على ظهره إلى عالم الإبداع، ولم يجد في نهاية حياته من ينشر له مقالة واحدة في مختلف أنحاء العالم العربي. ألا يدل هذا على أنّ الانحياز إلى معسكر الطغيان هو المطلوب؟

عملتَ ردحاً طويلاً من حياتك في سلك التدريس.. والآن يدور جدل حول تغيير المناهج المدرسية. هل تعتقد أنها تحتاج إلى تغيير، وما التغيير الذي يتعين أن تخضع له المناهج؟

مناهجنا أكل الدهر عليها وشرب، ومؤسساتنا التعليمية أسيرة الأغبياء والمدّعين. وإلا هل يمكن أن تفسر لي كيف يتفوق اليوتيوب وغوغل على كل المؤسسات التربوية ليصبح أهم مؤسسة تعليمية في العالم، دون أن يمتلك آلاف الجامعات والمدارس التي لا يؤمن بها أحد؟ نحن الآن في عصر جديد نبعد سنوات ضوئية عنه، لذلك لا تشغل نفسك به.

كان الظاهر قد عمل مديراً للتحرير في جريدة "الدستور" الأردنية

تميزت رحلتك الأدبية برفقة الكاتبة الراحلة مُنية سمارة. كنتما ثنائياً مثالياً للتعاون وإنتاج الأفكار المبدعة. كيف تقيّم تلك المرحلة؟

اسمح لي بأن أرد جزءاً من الفضل لهذه الإنسانة المتفانية التي كانت بمثابة المحرك الرئيسي لتجربتنا. كانت امرأة من طراز فريد، ولو أنها عاشت في بيئة غير بيئتنا لكان لها شأن آخر. إنها من الناس الذين لا يكلّون ولا يملّون في الوصول إلى ما يريدون الوصول اليه. لقد لعبت دوراً كبيراً في هذه التجربة التي لم أكن أنا سوى ضابط لإيقاعها.

هذه المرأة حُوربت في حياتها كثيراً. وأضرب لك مثلاً ما يزال شاهده حياً. حين منحت رابطة الكتاب الأردنيين جائزة عرار للشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف، أراد بعض الرموز في الرابطة تكريمه في جلسة، لم يجدوا فيها سوى لحم منية سمارة ليأكلوه، وهم لا يعرفون ماذا تعني منية سمارة بالنسبة لسعدي يوسف، وكيف استطاعت هذه المرأة أن تهرّبه عبر جبال كردستان إلى بيروت، لتبعد شبح السجن والموت عنه. سعدي يوسف لم يحتمل سماع تلك الإهانات، فترك الجلسة معتذراً، وجاء إلى بيت منية في الساعة الحادية عشرة ليلاً وهو في أقصى حالات التوتر، فاتصلت بي كي نخرجه من تلك الحالة. وذهبنا معاً إلى البحر الميت، لأكتشف أنا القريب جداً من منية سمارة، أشياء كثيرة لم أكن أعرف عنها شيئاً.

نقلتَ أدب الأطفال الذي يتحدث عن فلسطين إلى الإنجليزية، كأنك كنت ترغب في إيصال الصوت الوطني إلى أقصى أمدائه. هل لفلسطين موقع الآن في وجدان الضمير العالمي؟

فلسطين هي الأرض الوحيدة التي لا يمكن لأي أرض احتلال ولو جزء يسير من مكانتها، وأنت تعرف أنني قد قلت عنها في إحدى قصائدي: "فلسطين ليست كوكباً متحولاً. هي الثابت المكنون في سُرّة الأرض". إنّ كل ما يحدث الآن ما هو إلا محاولة لزحزحتها من وجدان العالم، ولكن هيهات هيهات، إنه الزبد الذي يذهب جفاء، أما فلسطين فهي باقية إلى الأبد في ضمير العالم.

في شهادة إبداعية لك تسرد كيف كانت نشأتك صعبة ومحفوفة بالآلام، لكنك تمرّدت على ذلك الواقع مبكّراً. هل ما تزال متمرداً. وماذا تفعل الآن؟

أعتقد أنني ما أزال متمرداً، ولكنه تمرد بوقار الكبار. آخر كتاب لي للأطفال بعنوان "حُرّاس الذاكرة" استرجعت فيه أهم الأسماء البارزة في الإبداع الفلسطيني، من غسان كنفاني حتى إميل حبيبي ومحمود درويش بقصائد ولوحات كتبتها ورسمتها بنفسي للطفل، كي يظل هؤلاء الحرّاس في ذاكرة الطفل الفلسطيني والعربي.

يقول الكاتب يوسف حمدان إنك عشت برفقة كلاب حقيقية هي أرحم من الكلاب البشرية "التي لم تسلم من نباحها، ولا من نهشها". هل كان في ذلك يعبّر عن حادثة ما، أم هو الكلام المرسل عن خيانات البشر؟

أحب أن أقول لك إنّ كلاب الحكومات كانت أرحم عليّ من كلاب الأحزاب التي أعتبرها "ممسحة زفر" للأعمال القذرة التي لا تستطيع الحكومات تنفيذها. لقد عانيت الكثير، لأنني حاولت فقط ألا أضع نفسي في جُبّة أحد. لقد نبحت عليّ كلابٌ كثيرة، وكان بعضها للأسف ممن خدعت به، وعلّمته الرماية في ميدان الثقافة والصحافة، فلمّا تمكنوا من الحرف لم يجدوا أحداً سواي كي ينبحوا عليه.

تروي في شهادتك الإبداعية كيف أصبتَ بالتهاب في كل جسمك حتى عجز الأطباء عن شفائه، وأسلموك إلى مشيئة الأقدار، إلى أن جاءت امرأة عجوز وقدّمت لك وصفة النجاة والحياة. كيف أثّرت هذه الحادثة على كتابتك وأين تجلّت؟

هذه الحادثة لم تترك أثراً كبيراً على ابداعي، ولكنها تركت الأثر الأكبر على حياتي الإبداعية، لقد علمتني عدم الاستسلام؛ ذلك أنها منحنتي حياة إضافية تزيد على ستين عاماً، إذ كان يجب أن أموت وأنا في الرابعة من العمر، بعد أن عجز الأطباء النطاسيون، وسلموني للموت. حتى في الوقت الذي يظن الكثيرون فيه أنني قد غادرت ساحة الإبداع واستسلمت للحصار، سيفاجأون ولو بعد حين بأنني سأعود لأملأ الساحة من جديد. لكن ليس عن طريق الاستجداء، وإنما عن طريق فرض نفسي عليهم بالقوة.

نلتَ جوائز عدة، وجرى تكريمك في غيرما مطرح في الأردن والعالم العربي. هل تعتقد أنّ المؤسسة الرسمية وفية للمثقف العربي؟

للأسف سأقول كلاماً مغايراً للمألوف. المؤسسات الرسمية العربية أكثر وفاء للمثقف العربي من المؤسسات الحزبية والسياسية والاجتماعية، قد تستغرب أنّ المؤسسات التي خدمتها بروحي ودمي، وكنت جنديّها الوفي في ساعة العسرة، وكنت عرضة للسجن والموت بسبب انتمائي لها، بخلت علي حتى بزيارة لوطني، في حين أنّ المؤسسات التي حملت السلاح في وجهها هي المؤسسات التي كانت المؤسسات الأكثر تكريماً لي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية