مرتزقة تركيا في ليبيا عقبة أمام الحلّ السياسيّ

مرتزقة تركيا في ليبيا عقبة أمام الحلّ السياسيّ


26/08/2020

يتجه الفرقاء في ليبيا إلى الجلوس على طاولة المفاوضات بشكل رسمي، عقب طرح رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، مبادرة سياسة، وإعلان وقف إطلاق النار من الجانبين، والاتفاق على مسألة الثروة النفطية؛ عبر إعادة تصدير النفط، وإيداع الإيرادات في بنك ليبيا في الخارج، على أن تظلّ مجمَّدة إلى حين تطبيق الاتفاق السياسي الجديد.

ولم يتطرق بيان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق إلى وضع تركيا العسكري، أو الاتفاقيات الموقَّعة بين الوفاق وتركيا وقطر، خصوصاً اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، والتعاون الأمني، رغم حديثه عن إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة.

وتطرّق بيان مجلس النواب في طبرق إلى قضية إخراج المرتزقة وتفكيك الميليشيات والتواجد الأجنبي، في إشارة إلى تركيا، ومن غير المرجح الوصول إلى تفاهم حول هذه النقاط؛ في ظلّ تعزيز تركيا لوجودها العسكري الرسمي، ووجود أكثر من 17 ألفاً من المرتزقة، لن تتخلى تركيا عنهم كأداة نفوذ، لارتباطهم بمخططات تركيا في أفريقيا وشرق المتوسط.

حلّ سياسي أم تقسيم؟

ووفق البيانين السابقين؛ يبدو أنّ إعادة العمل في الحقول والموانئ النفطية هي النقطة الأساسية التي حكمت الطرفين، وشغلت الوسيط الدولي، الذي من المرجَّح أنّ يكون الولايات المتحدة، التي تملك قدرة على التأثير على الوفاق وتركيا، ولها ثقل أيضاً في مجلس النواب، وبين حلفائه، خصوصاً القاهرة.

والأمر الثاني؛ أنّ تكون مدينة سرت مقراً للحكم، والمجلس الرئاسي الجديد، الذي سيتمّ تشكيله لاحقاً، على أنّ تتولى قوة شرطة رسمية، تتشكل من الجانبين، مسؤولية الأمن فيها.

واختلف نصّا البيانين في الآتي؛ تحدّث بيان الوفاق عن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، في آذار (مارس)المقبل، وذكر أنّ منطقة الجفرة ستكون منزوعة السلاح، واقتصر في ذكر مخرجات مؤتمر برلين على المسار السياسي دون الأمني.

رئيس رابطة ضحايا الإرهاب في ليبيا، عبد الله الغرياني لـ"حفريات": طرح عقيلة صالح أتى لعدم وجود بديل، بعد أن تعقّدت مسألة الحسم العسكري على يد الجيش الوطني، بسبب التدخل التركي

وفي الطرف الآخر؛ لم يشر بيان مجلس النواب إلى مسألة الانتخابات، أو نزع سلاح الجفرة، وذكر العودة إلى مخرجات مؤتمر برلين العسكرية، وهي مفاوضات (5+5) دون الإشارة إلى مخرجات المؤتمر السياسية.

ويبدو من ذلك؛ أنّ الطرفين تعرّضا لضغوط من أجل القبول بتسوية مؤقتة، على أمل خلخلة الوضع لاحقاً، ما دفع كلّاً منهما إلى إصدار بيان يؤكد فيه على مواقف حلفائه؛ الجيش الوطني بالنسبة إلى مجلس النواب، وتركيا والميليشيات بالنسبة إلى الوفاق.

وإضافة إلى ذلك؛ هناك خلاف على تفسير الطرفين لمصطلح "المرتزقة"، اللذين أكّدا على إخراجهم من ليبيا؛ فمجلس النواب كان يقصد بهم المرتزقة السوريين الذين جلبتهم تركيا، بينما حكومة الوفاق تقصد المرتزقة التشاديين، ومرتزقة فاجنر، التي تتهم الجيش الوطني بجلبهم، وفق الاتهامات المتبادلة بين الطرفين عن جلب المرتزقة.

اقرأ أيضاً: يد الخمينية السوداء في ليبيا... لا جديد

وتعليقاً على المبادرة؛ يقول الصحفي الليبي، رئيس تحرير صحيفة "اليوم الخامس" الإلكترونية، محمد الجالي: "الاتّفاق، وفق ما أُعلن عنه، ليس في صالح الطرفين بشكل كامل، خصوصاً حكومة الوفاق وتركيا، والطرفان في العلن يؤيدان المبادرة، لكنّهما في الواقع يرفضونها، ويوم السبت الماضي؛ شنّت قوات الوفاق حملة حملة اعتقالات على منتسبي الجيش الوطني في مدينة الرجبان، رغم إعلان وقف القتال".

ويردف الجالي، لـ "حفريات": "ما لم توجد ضغوط أممية وأمريكية جادة على تركيا لسحب المرتزقة، فلن تسحبهم من ليبيا، والأمر ليس يسيراً؛ خصوصاً أنّ احتمالية تجدّد الحرب ما تزال قائمة، في أيّة لحظة".

ووفق التصريحات الإعلامية التي صدرت عن المجلس الأعلى للدولة في ليبيا؛ فقد شدّد المجلس على رفض وجود المشير خليفة حفتر في المشهد، ووجه شكره لقطر وتركيا، وهو الشكر الذي كرّره اجتماع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، السبت الماضي.

ويرى الناشط المدني، ورئيس رابطة ضحايا الإرهاب في ليبيا، عبد الله الغرياني؛ أنّ طرح عقيلة صالح أتى لعدم وجود بديل، بعد أن تعقّدت مسألة الحسم العسكري على يد الجيش الوطني، بسبب التدخل التركي الكبير.

ويضيف الغرياني، لـ "حفريات": "هو حلّ لتجنب صدام أكبر، يجعل ليبيا تدخل في حرب إقليمية ودولية، لكنّ أيّ اتفاق يجب أن يكون واضح المعالم، وأن يوضح معالم ما بعده، ولا يجعل من الوضع الحالي نقطة نهاية".

عقبة المرتزقة الأتراك

وتواجه المبادرة تحديات كبرى، منها؛ الشقاق الداخلي الكبير بين الليبيين أنفسهم، وكيفية التعامل مع وجود جماعة الإخوان، التي ترتبط بمخططات التنظيم الدولي وحلفائه، ومستقبل الوجود العسكري التركي، والمرتزقة الذين جلبتهم تركيا، والبالغ عددهم حوالي 17 ألفاً، من بينهم متهمون بالإرهاب، ومستقبل الاتفاقيات غير الشرعية التي وقعتها حكومة الوفاق مع تركيا؛ خاصة ترسيم الحدود البحرية، والمشروعات الاقتصادية، والودائع الليبية في البنك المركزي التركي، ورسم الخطوط العامة للسياسة الخارجية الليبية بعد الاتفاق.

يشكّك كلٌّ من الصحفي الليبي محمد الجالي، والمتحدث الرسمي باسم القوات الخاصة الليبية، أحمد الزوي، في قدرة السراج، على تفكيك الميليشيات، وإخراج المرتزقة السوريين، أو الالتزام بما يتفق عليه.

ورغم الإشارة إلى مسألة المرتزقة في بياني الوفاق والنواب، إلا أنّ تحقيق ذلك لا يبدو مرجحاً، وحول ذلك، يقول الناطق الرسمي باسم القوات الخاصة الليبية، أحمد الزوي: "من الصعب إخراج المرتزقة من ليبيا، ورغم المبادرات المطروحة، فالواقع مختلف تماماً؛ فكيف ستجلي الوفاق 17 ألف مقاتل، يفوقونها قوةً، إلى جانب أنّ ذلك يتطلب موافقة من تركيا، وهي لن تقبل بذلك".

ويردف الزويّ، لـ "حفريات": "من جانبنا، في الجيش الوطني ومجلس النواب، نشترط أولاً؛ إخراج مرتزقة تركيا، ووجودها العسكري، غير ذلك ستظلّ احتمالية الحرب قائمة، خصوصاً أنّ معسكر الوفاق منقسم، وهناك تحشيدات عسكرية تجري على الأرض، دون الالتزام بإعلان وقف إطلاق النار".

وبالنسبة إلى الطرف الآخر في الوفاق؛ فمن المستحيل القبول بطلبهم بإخلاء قاعدة الجفرة العسكرية، تحسباً من الجيش الوطني لأيّ غدر من مؤيدي الوفاق، الذين إنّ تمكنوا من الجفرة، ينفتح أمامهم الجنوب، وتتاح لهم السيطرة على سرت، والهلال النفطي.

ويوضح ذلك، أحمد الزوي، بقوله: "أظنّ أنّ حكومة الوفاق تمارس خدعة، تتمحور حول تفريغ سرت والجفرة من القوات المسلحة، للهجوم عليهما في أيّ وقت، وبذلك يفرضون إرادتهم على الجيش الوطني ومجلس النواب".

اقرأ أيضاً: تظاهرات طرابلس: بهذه الطريقة رد الليبيون على السراج... فهل تقمع ميليشيات الوفاق الاحتجاجات؟

ويؤكد الزوي على؛ رفض الجيش القاطع لإخلاء قاعدة الجفرة، وربما ينسحب من سرت، لكن سيبقى على بعد مسافة قريبة منها، لصدّ أيّ هجوم من ميليشيات الوفاق، المستمرة في تحشيد قواتها قرب المدينة.

مبادرة فكّ اشتباك

وبناءً على ما سبق؛ من الممكن وصف المبادرة بأنّها فكّ اشتباك، بهدف إعادة تسيير الحياة الطبيعية، التي توقفت نتيجة تعطل إنتاج وتصدير النفط، على أمل الانتقال لاحقاً إلى خلخلة الأزمة السياسية، والقضايا العسكرية، والتأكيد على تجاوز مرحلة الحسم العسكري للطرفين.

وجاءت مبادرة عقيلة صالح عقب لقاءات جمعته بالسفير الأمريكي في ليبيا، في القاهرة، وعقب زيارة من مدير المخابرات المصرية إلى مقرّ القيادة العامة للجيش الوطني، التقى خلالها المشير حفتر، وسلمه رسالة من الرئيس السيسي.

ويرى رئيس رابطة ضحايا الإرهاب في ليبيا، عبد الله الغرياني؛ أنّ أمريكا هي اللاعب الأساسي، الذي بيده قرار الفصل، ويبدو أنّ هدفهم الخروج باتفاق سياسي، يضمن عدم اللجوء للصدام العسكري، واستئناف المفاوضات".

ويشكّك كلٌّ من الصحفي الليبي محمد الجالي، والمتحدث الرسمي باسم القوات الخاصة الليبية، أحمد الزوي، في قدرة رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، على تفكيك الميليشيات، وإخراج المرتزقة السوريين، أو الالتزام بما يتفق عليه.

ويبقى الرهان على نجاح المبادرة على الإرادة الليبية أولاً، ثم الدور الأمريكي، الذي بإمكانه جمع الفرقاء على طاولة واحدة، والضغط على تركيا لسحب المرتزقة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية