معركة كسر عظم في ليبيا

معركة كسر عظم في ليبيا


06/09/2020

صادق ناشر

الخلافات التي عصفت، ولا تزال، بحكومة الوفاق الوطني التي تحكم قبضتها على العاصمة الليبية طرابلس، بالذات بين رئيس الحكومة، ووزير داخليتها، مؤشر على وضع غير طبيعي في إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرة هذه الحكومة. ذلك أن الارتباطات الخارجية هي من تتحكم في هذه العلاقة غير السوية بين أطراف الحكم، خاصة إذا ما أدركنا أن الخطوة التي أقدم عليها رئيس الحكومة فايز السراج، المتمثلة في إقالة الوزير فتحي باشاغا، وإحالته إلى التحقيق، جاءت أثناء تواجد الأخير في العاصمة التركية أنقرة.
لم تعرف الحقيقة الكاملة وراء تصاعد الخلافات بين الرئيس، ووزير داخليته، لكن الحيثيات التي أصدرها السراج للمطالبة بإيقاف الوزير النافذ باشاغا والتحقيق معه، تأتي على خلفية التصاريح والأذونات الممنوحة للعناصر المتطرفة بحرية التحرك في البلاد، إضافة إلى عدم توفير الحماية اللازمة للمتظاهرين في العاصمة طرابلس، والتجاوزات التي ارتكبت في حقهم، بعدما خرجوا إلى شوارع العاصمة احتجاجاً على تفشي الفساد، ومحاسبة المسؤولين عن غياب الخدمات.
وبعد صدور قرار إقالة الوزير نزلت إلى الشوارع عناصر الميليشيات التابعة للمجلس الرئاسي للحكومة احتفاء بقرار الإيقاف، بل إنها أطلقت الرصاص في الهواء فرحاً وابتهاجاً بالخطوة، ما يشير إلى أن الصراعات بين أعضاء الجماعة بدأت تأخذ في الفترة الأخيرة أبعاداً خطرة.
معظم المؤشرات تؤكد أن السراج كان يرغب في التضحية بالوزير باشاغا، وتحميله المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات في حق المتظاهرين، إلا أن الأخير تمكن من احتواء القرار بفعل علاقاته الجيدة مع أنقرة، ما يؤكد أن معركة كسر عظم بدأت ملامحها بين الرجلين، وكانت عودته إلى العاصمة طرابلس، وحديثه عن رغبة في إجراء تحقيق علني وشفاف، دليل على أنه صار في موقف أقوى من السراج، الذي توارى عن المشهد لاحقاً، بل وأصدر قراراً يلغي قراره القاضي بإيقاف الوزير المتمرد.
ومع أن الكثيرين كانوا يتوقعون تماسكاً في جبهة السراج، خاصة في ظل الدعم الذي تحصل عليه من الحكومة التركية، إلا أن انفراط عقدها كان أسرع نظراً للأجندات التي تتحكم في المشهد الليبي، بالذات بعد أن امتلأت العاصمة طرابلس بالعناصر المتشددة القادمة من سوريا، وبعض الدول الداعمة لجماعات الإسلام السياسي.
وعلى الرغم من أجواء التهدئة التي أعلنتها حكومة الوفاق، بعد الزوبعة التي أحدثها قرار السراج بإقالة الوزير باشاغا، إلا أن العديد من المراقبين يتوقعون عودة الصدامات السياسية بين الرجلين من جديد. وإذا كانت أنقرة تمكنت من احتواء الخلافات لفترة مؤقتة، فإنها لن تكون قادرة على وقف معركة كسر العظم، التي بدأت ولن تنتهي إلا بهيمنة طرف واحد على صناعة القرار داخل الحكومة التي تتشظى مع مرور الوقت. 

عن "الخليج" الإماراتية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية