منصور عباس الإخواني الأكثر وضوحاً

منصور عباس الإخواني الأكثر وضوحاً


22/06/2021

عدلي صادق

حمل منصور عباس، العربي الفلسطيني، عضو الكنيست، تراث جماعة “الإخوان” التي انتمى إليها مبكرا والتحق بحكومة نفتالي بينيت، الصهيونية المتطرفة وشديدة العداء لشعبه. وفي أولى المفارقات، أن الكثيرين استهجنوا على الرجل خطوته، وكأن ما فعله جديد على “الإخوان” من حيث المضمون أو أن التحاقه بحكومة بينيت، هو الذي فض عذرية الطهارة السياسية للجماعة، ذلك علما وأن هذه الجماعة منذ تأسيسها، لم تتحالف إلا مع أحزاب وقوى وشخصيات ودول، إما أنها موالية حتى العظم لبريطانيا الاستعمارية أو أنها معادية للنخب الساعية إلى الاستقلال الوطني.

ففي مصر الملكية، كان تحالفها مع الذين وصفوا في الأدبيات السياسية بأحزاب الأقلية، التي استعانت بهم بريطانيا لتأمين موالاة الحكومات المصرية المتعاقبة. وبعد تأسيس الجمهورية في مصر، تحالفت الجماعة مع أنظمة عربية متحالفة مع البريطانيين. وكل هذا، من حيث المضمون، لا ينمّ عن عداء جذري لإسرائيل، لأن من يحالفون أصدقاءها الذين ساعدوا على قيامها، ويخاصمون دعاة التصدي لها، لن يكونوا بأي مقياس ذوي موقف جذري ضدي من إسرائيل، ولا معنى للأخذ بجدية تفوّهات الجماعة بشأن القضية الفلسطينية، لأن الخطابة غير محظورة عليها، ولو أن الغرب يرى خطرا من الخطابة ومن وسائل التحشيد الحزبية ولغتها، لكان قد بادر إلى قطع رأس من يُرعدون من فوق المنابر!

كان استغراب واستهجان الكثيرين من خطوة منصور عباس، عرضيا ومقطوعا عن سياق قديم ـ جديد، ومتجاوزا لحقائق التاريخ المعاصر. منصور عباس هو نائب رئيس “الشق الجنوبي” مما يسمى “الحركة الإسلامية” في إسرائيل، وهي محسوبة على جماعة “الإخوان” وتُعد أحد شقي الحلقة الإسرائيلية من الجماعة. والشِقان اقتصر خطابهما أصلا، على الجوانب المطلبية وتأطير الهوية الثقافية للمواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل. وعندما يتحدث منصور عباس عن أسباب ومغزى التحاقه بالحكومة الإسرائيلية المتطرفة، فإنه يُعلّل خطوته على أساس هذه الأهداف، وبالتالي يكون، موضوعيا، لم يخرج، من جهة، عن السياق السياسي للجماعة منذ تأسيسها، ومن جهة أخرى لا يزيد ولا ينقص من أهداف “الإخوان” ومؤسسها حسن البنا، الذي استهل التأسيس بإطلاق اسم “جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” بالمعنى الاجتماعي.

نحن هنا، بالطبع، لا نبرّر للرجل، لكننا نتقصّى أصل الإثم السياسي في خطوته. فمنصور واجه احتجاجات العرب الفلسطينيين، بالإفصاح عن المبتغى الذي يقع في نطاق عمل حزبه الإسلاموي وتحت سقفه. فأعلن عن التوصل إلى تفاهمات وصفها بكونها “هامة وضرورية للمجتمع العربي داخل إسرائيل لاسيما في منطقة النقب التي يعاني سكانها العرب فيها تهميشا كبيرا من قبل سلطات الدولة العبرية، مقارنة باليهود”. وقد أعلن صراحة عن استعداده للتفاوض مع الأحزاب الإسرائيلية الكبيرة، بذريعة إيجاد حلول لمشاكل العرب الكبيرة “القانونية والمعيشية” وكأنما هو، في هذا التعليل، على قناعة بأن تفاوضه مع هذه الأحزاب، سيؤدي إلى نتائج أفضل من تلك التي حصل عليها عباس الآخر، رئيس السلطة، عندما فاوض حكومات أقل تطرفا، وعلى مسائل بديهية يؤيده في شأنها المجتمع الدولي.

وأشار منصور عباس بفخر إلى  أن “هذه هي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل التي يشارك فيها حزب عربي في تشكيل الحكومة”. لكن حقيقة الأمر، في التقييم الموضوعي، أن حكومة بينيت لن تجعل مشاركة منصور عباس سببا للتخفيف من تطرفها، ما يعني أن الرجل لم يفعل شيئا سوى مساعدة هذه التوليفة على الإمساك بمقاليد الحكم، والتخلص من خصمها السلطوي، وليس المبدئي، بنيامين نتنياهو!

الآن، وبعد أن حقق الإخواني للأحزاب الصهيونية اليمينية والدينية المتطرفة أغلبية بسيطة ساعدتها على الإطاحة بأكثر رؤساء حكومات إسرائيل استحواذا على المنصب؛ لن تساعده الممارسات اليومية لهذه الحكومة على الاستمرار في التبرير كذبا، وربما يجد نفسه، في حال التبرّم والتطيّر من الإهمال وانعدام الوزن؛ مضطرا إلى مساعدة نتنياهو الذي توعد بإسقاط الحكومة سريعا. وبالمناسبة، كان نتنياهو يراهن على منصور عباس لكي يشكل هو الحكومة، لكن الأخير خذله لصالح من هم أسوأ منه!

كان طبيب الأسنان منصور عباس قد التحق بما يُسمى “الحركة الإسلامية” في إسرائيل التي تأسست في العام 1971 وعندما انشقت هذه الحركة إلى شطرين في العام 1996، نشأت ظاهرة الإخوانيين المستعدين للعمل داخل المؤسسات السياسية الإسرائيلية، في مرحلة تطرفها غير المسبوق في تاريخ الدولة. وكان سبب نشأة هذه الظاهرة، الخلاف على مشاركة أحد مؤسسيها، وهو عبدالله نمر درويش، في انتخابات “الكنيست”، إذ رفض الشق الشمالي بزعامة رائد صلاح مثل هذه المشاركة، وأيّدها الشق الجنوبي بزعامة حماد أبودعابس، وحل منصور عباس في موقع نائب رئيس الحركة الذي لم ير هو وشيخه غضاضة في المشاركة. وحتى ذلك الوقت لم تكن المشاركة تعني الاندماج مع أقصى اليمين الإسرائيلي المعادي حتى النخاع للعرب، ديانة وثقافة وجنسا.

وعندما يكون اندماج طيف سياسي كان الانتماء الإخواني هو أصل وعلّة تشكيله مع طرف موصوف في الخطاب الإخواني بأنه محتل ويقتل الأبرياء وأشدّ تصميما على تهويد القدس، وعلى الاستيطان وسلب أراضي الفلسطينيين، يصبح من الطبيعي التساؤل مرة أخرى، عن صدقية هذه الجماعة التي امتهنت المزاودة على الآخرين، ولم تجد تبريرا لعنفها وتسميمها لوعي الأجيال، سوى القول إن الآخرين مفرطون وكافرون خائنون. فهل تبادر الجماعة مثلا، إلى الإعلان عن منصور عباس كخارج عن الملة، مثلما كان يعلن علماء المسلمين في الثلاثينات عن كل من يبيع أرضا للاستيطان اليهودي؟ لكنّ أغلب الظن أن الجماعة لن تعلن، لاسيما وأن منصور عباس، بخطوته الأخيرة عبّر عن براغماتية إخوانية، لا تُمارس لصالح السلم الأهلي في الأقطار العربية، وإنما لصالح إسناد قوى إما إرهابية داخل هذه الأقطار أو سياسية معادية لطموحات الشعوب في التحرر من النفوذ الأجنبي. فالمذمومون في الخطاب الإخواني، هم الراحلون من زعماء الاستقلال الوطني، ومعظمهم مر على رحيله أكثر من نصف قرن.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية