ميليشيا "رَبع الله" تتخذ شعار "الولاعة" لإرهاب المجتمع العراقي ودعشنته

ميليشيا "رَبع الله" تتخذ شعار "الولاعة" لإرهاب المجتمع العراقي ودعشنته


13/12/2020

مثّل الظّهور المباغت واللّافت لميليشيات "ربع الله" أحد التنظيمات المسلحة، المدعومة من طهران، والتي تعدّدت ممارساتها العدوانية، مؤخراً، في العراق، ضدّ المدنيين، حالة من الخوف والارتباك داخل المجتمع، وذلك على خلفيّة اعتداءاتهم البالغة بحقّ المواطنين، خاصّة النساء؛ إذ بعثت في الذاكرة المحلّية وحشيّة عناصر وأفراد جهاز ما يعرف بـ "الحسبة"، التابع لتنظيم داعش الإرهابيّ، والذي كان يتولّى تنفيذ العقوبات الشرعيّة ضدّ المخالفين لقيمهم وسلوكياتهم، بحسب أدبياتهم وتصنيفاتهم الخاصة.

الميليشيات الولائيّة بين الأدوار الوظيفيّة

بيد أنّ الميليشيات الطائفيّة العراقيّة، التي كثّفت من نشاطها الميدانيّ، مؤخراً، كشفت عن تساؤلات عديدة بخصوص الأدوار الوظيفية المتباينة التي تقوم بها المنظمات، المدعومة من إيران في العراق، لا سيما في ظلّ المواجهات المحتدمة مع المظاهرات الشعبية الواسعة، منذ اندلاع احتجاجات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وقد تصدّت لها أطراف عديدة من مواقع متفاوتة، بهدف إحباطها، بواسطة عناصر ميليشياوية متنوعة، بينما ظلّت الأهداف والمصالح مشتركة؛ وهي تأميم الصراع القائم، وكذا تصفية الناشطين، واستهداف المعارضة.

وإثر حالة السيولة الأمنية التي تعيش تحت وطأتها بغداد، بسبب نشاط الميليشيات الولائيّة، في مقابل ضعف وتراخي المؤسسات الأمنية والعسكرية الوطنية؛ برزت الجماعة الطائفية المسلحة الجديدة، والتي تُعنى بتعقّب "المخالفات الشرعية"، بحسب تصنيفاتهم الأيديولوجية؛ حيث قامت بالاعتداء، أكثر من مرة، على الفنادق والمراكز التجارية، إضافة إلى محال المشروبات الكحولية، كما أنّها تبدو بمثابة ذراع أمني وعسكري لميليشيات الحشد الشعبي، فتتولى قمع الناشطين والمعارضين لسياسات الأخيرة.

الميليشيات الولائية الإلكترونية تشكّلت على هيئة مجموعات موجودة على تطبيق "الواتساب"، و"تلغرام"؛ حيث تتواصل فيما بينها عبر تبادل المعلومات والأخبار، بشأن التظاهرات والصحفيين المعارضين

إبان مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، مطلع العام الحالي، ظهر التشكيل الطائفي المسلح الجديد، بصورة تبدو منظمة وعلنية، وذلك عبر مقاطع فيديو مصوّرة، هدّدت من خلالها بتنفيذ هجمات ضدّ المصالح الأمريكية في بغداد، والثأر من قتل سليماني.

اقرأ أيضاً: ميليشيات "ربع اللـه" قناع الفصائل المسلحة في العراق

لكن سبق ظهور ميليشيا "ربع الله" الأول، انتشار اسمها على جدران السفارة الأمريكية، نهاية العام الماضي، بعد القصف الأمريكي الذي استهدف كتائب وميليشيات حزب الله العراقي، في غرب بغداد، ما نجم عنه سقوط عشرات الجرحى، ونحو 25 قتيلاً.

استهداف المعارضين لسياسات الحشد

ويرى مراقبون؛ أنّ السياق الاحتجاجي الذي شهده العراق، مؤخراً، وتداعياته، السياسية والأمنية، التي زلزلت الأرض تحت أقدام وكلاء إيران المحليين، يعدّ المسؤول، بشكل مباشر عن ظهور هذه الميليشيا الطائفية المسلحة الجديدة؛ خاصة في ظلّ الهجمات المتعددة التي قام بها الناشطون والمحتجون، ضدّ مقرّات الحشد الشعبي، والفصائل المدعومة من طهران.

وفي المقابل؛ قامت العناصر الميليشياوية التابعة لما يعرف بـ "ربع الله" باعتداءات مضادّة على الساحات والميادين التي تنتشر فيها المظاهرات، بل وحرق المنصات الإعلامية التي تنتقد سياسات الحشد الشعبي، مثل قناة "إم بي سي" الفضائية العراقية. 

ومن بين أبرز العمليات المسلحة التي نفّذتها ميليشيا "ربع الله"، حرق مقرّ الحزب الديمقراطيّ الكردستاني، بعد انتقادات عنيفة، صرّح بها القياديّ بالحزب، هوشيار زيباري، ضدّ الحشد الشعبي.

الحقوقي العراقي علي فضل الله لـ "حفريات": ميليشيا "ربع الله" جاءت كردّ فعل على التصعيد الحكوميّ والأمريكيّ ضدّ الجماعات المرتبطة بإيران وتنامي التظاهرات الشعبيّة

وفي تصريح لموقع "الحرة" الأمريكي، طالب القيادي بالحزب الديمقراطي الكردستاني بضرورة "تنظيف المنطقة الخضراء الحكومية، في بغداد، من التواجد الميليشياوي الحشدي، لضمان أمن المؤسسات الحكومية والدولية الموجودة في المنطقة"، كما اتّهم "الحشد" بإطلاق صواريخ على مطار أربيل.

اقرأ أيضاً: غسيل الأموال وتهريب النقد في العراق.. فساد الساسة والأحزاب وإيران

وعليه، فإنّ ميليشيا "ربع الله" التي تعني في اللهجة العراقية (جماعة الله)، تمثل تشكيلاً شيعياً، يتكون من جمهور الحشد والمتعاطفين مع سياساته وأفكاره من عامة الناس من الشعب العراقي، بحسب الحقوقي العراقي، علي فضل الله، الذي أبلغ "حفريات" بأنّ تلك الميليشيا جاءت "كردّ فعل على التصعيد الحكوميّ والأمريكيّ ضدّ الجماعات المرتبطة بإيران، من جهة، وتنامي التظاهرات الشعبيّة من جهة أخرى، ناهيك عن حرق مقرّات الحشد، وهذه الجموع في الغالب تتحرك وفق دوافع عديدة، تحمل خليطاً ما بين العقيدة الدينية، والعاطفة السياسية المؤدلجة والعقائدية، الأمر الذي تأكّد مع وقائع متباينة، كما هو الحال مع حرق مقرّ الحزب الكرديّ، عقب تصريحات القيادي بالحزب، وزير الخارجية العراقيّ السابق، هوشيار زيباري، الذي قال بوجوب تطهير المنطقة الخضراء من فصائل الحشد".

الحقوقي العراقي علي فضل الله

"الباسيج" العراقي

يتفق والرأي ذاته، الباحث العراقي، أحمد الجبوري، الذي يرى أنّ ميليشيا "ربع الله" تمارس نشاطها على أسس عقائدية مباشرة، تماثل الأدوار التي تقوم بها اللجان الشعبية الأمنية في طهران، والتابعة لـ"الباسيج"؛ وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين ذكوراً وإناثاً، أُسّست بأمر من القائد السابق للثورة الإسلامية الخميني في تشرين الثاني (نوفمبر) 1979، وتتبع "الباسيج" الحرس الثوري الإيراني (الباسدران).

اقرأ أيضاً: لعبة الاغتيالات السياسية في العراق ترتدّ على إيران

وأضاف الجبوري لـ "حفريات": "عمدت الميليشات الجديدة إلى الاعتداء على النساء في مراكز تجميل، كما طاولت تجاوزاتها وانتهاكاتها الحقوقية العاملات في الفنادق، وجاء حرق بعض القنوات التلفزيونية، مثل قناة دجلة العراقية، على خلفية إذاعة حفلات غنائية مع ذكرى إحدى المناسبات الدينية لدى الطائفة الشيعية".

ويضيف الباحث العراقي: "ميليشيا ربع الله تحوز منصات إعلامية كبيرة وضخمة، تستطيع من خلالها التأثير على الرأي العام المحلي، والضغط على مشاعره الدينية، وإثارة حساسيته الطائفية، وكذا تجنيد وتعبئة أفراد ضمن تنظيمها الطائفي المسلح، ومن بين تلك المواقع المتوفرة على منصات التواصل الاجتماعي؛ موقع "صابرين نيوز"، و"ربع الله سهل نينوى"، و"أبو جداحة في بغداد"، كما تتخذ من صورة الـ "ولاعة" شعاراً لها، للتعبير عن الأداة أو الوسيلة التي سوف تستخدمها ضدّ خصومها، أو الجهات المعادية، وهي الحرق.

اقرأ أيضاً: أمريكا تسحب نصف دبلوماسييها من العراق... لماذا؟

وفي دراسته المنشورة، يقول الباحث العراقي، الدكتور فراس إلياس: إنّ "الميليشيات الولائية الإلكترونية، تشكلت في البدء على هيئة مجموعات موجودة على تطبيق "الواتساب"، و"تلغرام"؛ حيث تتواصل فيما بينها عبر تبادل المعلومات والأخبار بشأن التظاهرات والصحفيين المعارضين للفصائل الولائية والنفوذ الإيراني في العراق، كما تطوّر عمل هذه المجموعات لتقتحم مجال مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "تويتر" و"فيسبوك"، ومن أبرز الحسابات التي تديرها هذه الميليشيات: "المستشار"، و"السيدة الأولى"، و"صبيان السفارة"، و"الحجي والخال"، و"الجوكرية"، وهي جميعها حسابات وهمية، تبعث رسائل تهديد مباشرة للمعارضين".

الجيوش الإلكترونيّة

ويلفت الباحث العراقي إلى أنّ عمل هذه المنصات تطوّر "بفعل الدعم والتمويل الإيراني؛ إذ توسّعت الشبكات الإعلامية الداعمة لعمل هذه الميليشيات، واستعانت الشبكة بموظفين لإدارة حساباتها، بمرتبات تصل إلى ألفي دولار شهرياً، وأغلب المنصات الإعلامية الداعمة لها، تضم أشخاصاً ينتمون لكتائب حزب الله، وعصائب أهل الحقّ، وآخرين مقربين من شخصيات تابعة لرئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، وهناك حملة إلكترونية متزامنة وواسعة تقوم بها "صابرين نيوز" بالتنسيق مع قناة "العالم" الإيرانية، لتحشيد الشارع بالاتجاه الذي تقتضيه المصلحة الإيرانية في العراق".

وإلى ذلك، يعدّ تفجير المعهد الأمريكي لتدريس اللغة الإنجليزية، في النجف، في 18 أيلول (سبتمبر) العام الحالي، آخر العمليات العسكرية التي نفذتها ميليشيات "ربع الله".

ورغم أنّ الجرائم والانتهاكات التي تورطت فيها هذه الميليشيات خضعت للجان تحقيقية عديدة من قبل الحكومة العراقية، لكن لم تخرج بنتائج واضحة؛ "بسبب طبيعة الغطاء السياسي والفصائلي الذي تحظى به هذه الميليشيات، ممّا عرقل الجهود الحكومية في كبح جماحها أو الحدّ من تأثيراتها"، بحسب الباحث العراقي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية