هل أصبحت تونس قاب قوسين من السيناريو اللبناني؟

هل أصبحت تونس قاب قوسين من السيناريو اللبناني؟


25/04/2021

بالنّظر إلى تحذيرات مسؤولين وخبراء الاقتصاد المتصاعدة، لا يبدو سيناريو الديون اللبنانية بعيداً عن تونس، التي قد تضطر، إلى طلب جدولة ديونها الخارجية، بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها، والتي يُتوقع أن تزداد حدّةً مع تداعيات فيروس كورونا على قطاعات حيوية مثل السياحة وتصدير الفسفاط، فضلاً عن تعقّد الوضع السياسي وتعطّل قنوات الحوار بين رأسيْ السلطة.

المؤشرات الراهنة تؤكد أنّ تونس تتجه تدريجياً إلى صيفٍ اقتصادي واجتماعي صعب وساخن، خاصة أنّ الأحزاب السياسية تتعامل مع الملف الاقتصادي من منطلق الحسابات الذاتية

يأتي ذلك في وقتٍ تعيش فيه البلاد منذ انتخابات، تشرين الأول (أكتوبر) 2019، أزمةً سياسيةً طاحنة تعطّل بمفاعيلها أداء مؤسسات صنع القرار السياسيّ؛ حيث سقطت ثلاث حكومات خلال أقل من عام، فيما تواجه الحكومة الحالية عقبات كثيرة للعمل.

 تبعاً لذلك دخلت تونس أزمةً اقتصادية غير مسبوقة، في ظلّ انكماش اقتصادي بلغ 8.8%، وعجز مالي قدره 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي، عام 2020، بحسب البنك الدولي، وهو ما أثّر في وضعها الاجتماعي المحتقن، الذي ما يفتأ يتفجر على شكل احتجاجات تأخذ أحياناً طابعاً عنيفاً، مع انتشار جائحة كورونا وما خلّفته من أضرار اقتصادية واجتماعية.

السيناريو اللبناني يخيّم على المشهد

هذا وتتوقع مع موازنة تونس 2021؛ أن تصل نسبة الدين العمومي من إجمالي الناتج المحلّي إلى 92.7%، نهاية عام 2021، مقارنة بـ 90% متوقعة في 2020، و72.5% في 2019، وهي نسبٌ يعدّها البنك الدولي "أعلى بكثير من عبء ديون الأسواق الناشئة القياسي البالغ 70% من الناتج المحلي الإجمالي".

تونس على حافة الإفلاس وتحذيرات من تكرر السيناريو اللبناني

ومن المرتقب أيضاً أن يصل حجم الاقتراض الإجمالي إلى 7.2 مليار دولار في 2021، منها نحو 5 مليارات دولار قروض خارجية، ويقدّر سداد الديون المستحقة هذا العام 16 مليار دينار (أكثر من 5.8 مليار دولار).

أرقام أجمع خبراء الاقتصاد وسياسيون على أنّها كارثية، وقد تنزلق بالبلاد نحو السيناريو اللبنانيّ؛ إذ شدّد السياسي المعروف، أحمد نجيب الشابي، الخميس 22 نيسان (أبريل)، على ضرورة إيقاف ما وصفه بالمنحدر اللبناني، والارتقاء إلى مستوى اللّحظة، محذّراً من انجرار تونس إلى مربع الطائفية والإمعان في الفقر.

من جانبه، رأى وزير التجارة الأسبق، محسن حسن، أنّ تونس تمر بأزمة اقتصادية أقلّ ما يقال عنها أنّها كارثية، لافتاً إلى أنّ السياسيين هم سبب البلاء والوضع الإقتصادي، مشدّداً على أنّ "البلاد على أبواب الكارثة ومهددون فعلياً بالسيناريو اللبناني واليوناني".

اقرأ أيضاً: تركيا تعزز نفوذها في تونس عبر المساعدات الاجتماعية

وكان نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بالحاج، قد حذّر، نهاية الشهر الماضي، من تأزم الوضع الاقتصادي في تونس الذي يكاد يكون كارثياً، مرجحاً أنّه قد يتّجه بالبلاد إلى السيناريو اللبناني.

وأضاف بالحاج، أنّ المشاكل السياسية في تونس، ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي الذي تُرجم في الواقع المعيشي اليومي للتونسيين، مفيدًا بأنّ الأرقام الخاصة بتونس مقلقة جداً، وأنّ نسبة الفقر بلغت 21% وهي نسبة لم يسبق لتونس أن وصلت إليها، على حدّ قوله.

ويعتقد الخبير الاقتصادي، صادق جبنون، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ تونس دخلت فعلياً مرحلة "الكوفيد الاقتصادي"، وأنّ وضع البلاد صار صعباً للغاية، وأخطر حتى من الوضع اللبناني، في ظلّ أزمة كورونا، وما خلّفته من تراجع كبير في نسب النمو التي ناهزت 9- بالمئة، وإغلاق حوالي 11 بالمئة من المؤسسات الصغرى والمتوسطة نهائياً، فضلاً عن تعطّل قطاع الخدمات وصناعات الطاقة والفلاحة.

الخبير الاقتصادي، صادق جبنون

جبنون لفت أيضاً إلى تفاقم مصاعب المالية العمومية، وارتفاع الدين العمومي الذي بلغ 100 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، إلى جانب انزلاق الدينار.

ورجّح الخبير الاقتصادي أن يمنح صندوق النقد الدولي، مع ذلك، قرضاً لتونس نهاية الشهر الحالي، نظراً إلى أنّها تحظى بمساندة كبار المانحين الدوليين، خصوصاً أنّ النقد الدولي يحاول تجنّب الأزمات الهيكلية المشابهة للسيناريو اللبناني، ويعدّ تونس من الدول المتعثرة اقتصادياً.

المؤشرات الاجتماعية في ارتفاع

ارتفع عدد العاطلين عن العمل في تونس إلى 725 ألفاً، بعد فقدان 78.3 ألف وظيفة خلال النصف الثاني من عام 2020، أو ما يعادل زيادةً بنسبة 17.4% خلال هذه الفترة، بحسب معهد الإحصاء التونسي (حكومي).

كما تؤكد البيانات الرسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية أنّ نسبة الفقر تُقدر حالياً بـ 15.2 في المئة، فيما يكشف المعهد الوطني للإحصاء، أنّ عدد التونسيين تحت عتبة الفقر يقدّر بنحو 1.7 مليون تونسي من جملة 11 مليون نسمة، وأنّ نسبة الفقر في تونس متغيرة بحسب المنطقة أو الجهة، وتتراوح بين 0.2 في المئة و53.5 في المئة.

الخبير الاقتصادي صادق جبنون لـ "حفريات": تونس دخلت فعلياً مرحلة "الكوفيد الاقتصادي"، ووضع البلاد صار صعباً للغاية، وأخطر حتى من الوضع اللبناني

هذا ويتوقّع البنك الدولي أن ترتفع نسبة الفقراء في تونس من 16.6 إلى 22% من إجمالي السكان، البالغ عددهم نحو 12 مليوناً.

وفي سياقٍ متصل، ألقت أزمة كورونا على الاقتصاد وتسبّبت في غلق مئات المؤسسات وخسارة 161 ألف منصب شغل، وفق أرقام غير محينة للمعهد التونسي للإحصاء، وهو ما خلق مشهداً اجتماعياً محتقناً وعلى فوهة بركان.

من جانبه، يرى الناطق باسم المنتدى التونسيّ للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ الأرقام المتداولة، إلى الآن، تثبت أنّ الأزمة مستمرة، بل ومتفاقمة، وهو ما سينعكس على وضع التونسيين، وسيمسّ معيشهم اليومي من حيث ارتفاع الأسعار بشكل خاص.

الناطق باسم المنتدى التونسيّ للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر

وأبدى بن عمر تخوّفه من أن تتعمّق أزمة البطالة، ومن ارتفاع نسب الفقر أكثر، لأنّ سنتين من الأزمة ستؤثر حتماً على المهن الموسمية المرتبطة بالقطاع السياحي، والتي تؤمنها المقاهي والمطاعم والنزل السياحية في فصل الصيف، متوقعاً أن تشهد البلاد موجات جديدة من التحركات الاجتماعية والانفجار الشعبي حال تحسّن الظروف المناخية.

اقرأ أيضاً: محمد الظريف: الصبغة الفسيفسائية للبرلمان التونسي عرقلت المشهد السياسي

بن عمر رجّح أيضاً أن ترتفع نسب الهجرة غير النظامية، بعد تحسّن الوضع الصحي في البلاد، وهو ما قد يمهّد لأزمة اجتماعيةً جديدةً، تضاف لأزمات البلاد.

قانون طوارئ اقتصادي

كلّ هذه المؤشرات الراهنة تؤكد أنّ تونس تتجه تدريجياً إلى صيفٍ اقتصادي واجتماعي صعب وساخن، خاصة أنّ الأحزاب السياسية باختلافها تتعامل مع الملف الاقتصادي والحراك الاجتماعي من منطلق الحسابات السياسية برغم التحذيرات المتواصلة للمؤسسات المالية وللخبراء والمختصين، الذين دقّوا نواقيس الخطر في أكثر من مناسبة.

ويؤكد الخبير الاقتصادي، عبد الجليل بدوي، أنّ الوضع المتأزم الذي وصلته تونس كان منتظراً، لأنّ الأحزاب والمنظمات والمسؤولين، لم يقدّموا أيّة مبادرة لإنقاذ اقتصاد البلاد، منذ بداية التدهور، كما لم يتم اتخاذ أية إجراءات لتفادي هذا الانزلاق الخطير، معتبراً أنّ الطبقة السياسية لها مشاغل أخرى بعيدة عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

الخبير الاقتصادي، عبد الجليل بدوي

بدوي يرى أنّ الوضع استثنائي، ولا يجب اعتماد الحلول التقليدية، التي ستزيد تأزيم الأوضاع الاجتماعية كالتقليص من كتلة الأجور، وتخفيض عدد الموظفين، فضلاً عن خصخصة المنشآت العمومية التي يعدّها الاتحاد العام التونسي للشغل خطاً أحمر لا يمكن الاقتراب منه، بل يشدّد على ضرورة البحث عن حلول استثنائية، كإصدار قانون طوارئ اقتصادي، يلزم كبار المحتكرين المتهربين من الجباية بدفع الجباية لزيادة الموارد العمومية الذاتية للدولة، ومصادرة أملاكهم في حال الامتناع عن ذلك.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة الإخوانية تهاجم مجدداً الرئيس التونسي.. لماذا؟

كما يؤكد بدوي على ضرورة مقاومة التهريب، وخصوصاً تهريب الأموال خارج البلاد، والتي قدّرت وفق آخر الإحصائيات بـ 60 مليار دولار، إلى جانب مقاومة التهرّب الجبائي التقليدي، الذي يمثّل حوالي 3000 مليار دينار، فضلاً عن مراجعة الاتفاقيات التجارية التي باتت تمثل نزيفاً للأموال خاصة منها المتعلقة بالتوريد.

الخبير الاقتصادي يقترح أيضاً أن يتم تغيير العملة الحالية،؛لأنّ نسبة كبيرة من الثروات مودعة نقداً بالبنوك، ويجب الكشف عنها وعن أصحابها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية