هل اشترى حزب الله شحنة الأمونيوم من الحرس الثوري الإيراني؟

هل اشترى حزب الله شحنة الأمونيوم من الحرس الثوري الإيراني؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
26/10/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

عارض الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، تولي القاضي طارق بيطار مهمة التحقيق في كارثة مرفأ بيروت، على اعتبار أنّه متحيز، مطالباً إيّاه بالاستقالة من المهمة، كما أقيل سلفه فادي صوان بعد ضغوط سياسية، ومن هنا يخشى حزب الله توجيه قاضي التحقيق بيطار أصابع الاتهام بانفجار مرفأ بيروت إليه، فالمعلومات لدى القضاء تشير إلى أنّ الحزب هو الذي اشترى شحنة الأمونيوم من الحرس الثوري الإيراني، ورجاله هم الذين جعلوا أجزاء من المرفأ مناطق خارجة عن النفوذ الإقليمي وتحت سيطرتهم، في المقابل خرجت عناصر حزب الله وحركة أمل قبل أسبوع  للتظاهر والمطالبة بإقالة قاضي التحقيق في قضية انفجار مخزن الأمونيوم.

 في السابق كان حزب الله لا يخشى سلطات القضاء في لبنان، فقبل بضع سنوات قضت محكمة دولية بأن حزب الله هو الذي يقف خلف اغتيال الراحل رفيق الحريري، وتجاهل التنظيم قرار المحكمة ولم يحصل شيء، لكنّ الوضع اليوم أكثر حساسية من ناحية حزب الله، فلبنان يعيش أزمة سياسية واقتصادية متواصلة، وتوريد الكهرباء والماء شبه مقطوع، وفي محطات الوقود نفد المازوت وفي الصيدليات نفدت الأدوية، في مثل هذا الوضع يوجه الجميع سبب الأزمة إلى حزب الله، وحتى الطائفة الشيعية ترى أنّ حزب الله مسؤولاً عن الأزمة التي يواجهها لبنان، ولا يساعد في أيّ خطوة نحو الحلّ.

مشكلة حقيقية

ثمة مشكلة حقيقية يعاني منها حزب الله اليوم في لبنان، لكنّ الأمر لن يحجب نظره عن إسرائيل، مثلما في الماضي، هو غير معنيّ بالمواجهة، لكنّه مصمم على الإبقاء على معادلة الردع وعدم السماح لإسرائيل باستغلال ضعفه، وبعد كلّ شيء لا يوجد في نظره أيّ تضارب بين المواجهات في شوارع بيروت وحفظ قدرة إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، نصر الله دعا لإجراء مظاهرات احتجاج للمطالبة بإقالة القاضي طارق بيطار، المتظاهرون الذين هم من رجال حزب الله وحركة أمل، الذين لم ينجحوا في تجنيد نشطاء من حركات سياسية أخرى، تجمعوا في حي تونيا في بيروت، في منطقة توصف بأنّها الخط الفاصل بين الأحياء الشيعية والأحياء المسيحية، ليس من الواضح من الذي بدأ بإطلاق النار أولاً.

 بحسب البيان الأول الذي نشره الجيش اللبناني، المتظاهرون هم من وجهوا نار القناصة التي أصابتهم، وقتل نتيجة ذلك سبعة أشخاص، لكن بعد فترة قصيرة نشر الجيش بياناً آخر معدّلاً، يقول إنّ تبادل إطلاق النار حدث بين الطرفين دون الإشارة إلى الطرف الذي بدأ بإطلاق النار، في المجمل الاشتباكات النارية في الشوارع بين العصابات أو الميليشيات باتت تعدّ أمراً اعتيادياً، لبنان دولة فاشلة، وحكومتها غير قادرة على اتخاذ قرارات دون موافقة حزب الله، الأجواء في لبنان ليست مشابهة لتلك التي سادت عشية الحرب الأهلية، لكن من السهل إيقاظ الذاكرة الجماعية للحرب الأهلية ففي كل مرة تحدث فيها مواجهة عنيفة بين الميليشيات والمواطنين، يستيقظ على الفور الخوف من اندلاع حرب أهلية جديدة، هذا ما حدث بالفعل بعد قتل رئيس الحكومة رفيق الحريري في عام 2005، الذي أخرج إلى الشوارع مئات آلاف الأشخاص.

لم يرغب القاضي المحقق طارق بيطار، أبداً في هذه المهمة المستحيلة؛ فقد كان ينوي التحقيق بنزاهة، ودون اعتبار لوضع أو منصب من هم مسؤولون عن الكارثة

 وهذا ما حدث أيضاً في المظاهرات الكبيرة في 2019، التي خلالها واجه رجال حزب الله المواطنين الذين طالبوا بإبعاد الحكومة بسبب الأزمة الاقتصادية، إلى جانب المواجهة التي حدثت بمثل هذه الطريقة وكانت عام 2008، عندما هاجم الشيعة السنة في بيروت، وذلك بعد قرار الحكومة سحب مرسوم للسيطرة على شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله، هذه المواجهات كانت دائماً موجودة في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية مطلع التسعينيات، ولكن يبدو أن رعب الحرب الأهلية التي استمرت 15 سنة التي مزقت الدولة إلى أشلاء، نجح دائماً في التغلب ووقف التحطم، لا أحد الآن معنياً بالحرب كما أنّ لا أحد قادر على أن يصطدم بحزب الله عسكرياً، معظم الجمهور المسيحي يقيم علاقات مريحة مع التنظيم، بينما يفتقد السنة للقوة العسكرية من رجال القوات اللبنانية.

الحزب يحتاج الشرعية

 في الماضي كان هناك جناح مسيحي ماروني متطرف من حلفاء إسرائيل في حرب لبنان الأولى، ومع ذلك الآن يحتاج حزب الله إلى الشرعية وإلى التأييد الجماهيري، غير أنه كما تفيد الانتخابات في العراق، التي أوقعت هزيمة شديدة بالميليشيات المؤيدة لإيران في الدولة بما فيها حزب الله العراق، يتبين أنه حتى في أوساط الشيعة يتعاظم النقد على أولئك الذين يعلقون آمالهم بطهران، فالمعارك في وسط العاصمة بيروت كانت حدثاً عابراً ليس بالذات بسبب استخدام الرشاشات، بل لأن النار صوبت نحو حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الهامة والقوية في الدولة اليوم، أسباب هذه المواجهات الدامية كانت من مخرجات قرار طارق بيطار، القاضي الذي يحقق في قضية الانفجار في ميناء بيروت في آب (أغسطس) 2020، حيث تم استدعاء وزراء سابقين للتحقيق، من بينهم وزير المالية السابق علي حسن خليل، ووزير المواصلات السابق غازي زعيتر، فهذه الاستدعاءات كانت بداية انطلاق الشرارة التي أشعلت الشارع اللبناني، عناصر الأمن اللبنانية تفتقد للسيطرة والتأثير على مراكز القوة العاملة في الدولة، فبعد كلّ شيء السياسيون اللبنانيون، بمن فيهم وزراء الحكومة، هم الذين يقفون على رأس الميليشيات التي تعربد في الشوارع، فغياب قدرة الحكم تخدم مصالحهم السياسية والتجارية، بالتالي، لا يوجد احتمال لأن يعملوا بجدّية على تغيير هذا الواقع.

لقد نجح رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، في الضغط على الرئيس، ميشيل عون، لدعم القاضي بيطار، أما جبران باسيل، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات، فقد هاجم جعجع والقوات اللبنانية ووصفهم بالمجرمين، في حين يسرّع النزاع المتواصل حول التحقيق في المرفأ، من انهيار البلد الذي يتجه أصلاً نحو وضع الدولة الفاشلة، حيث اتخذت الأحداث في لبنان مؤخراً اتجاهاً لا يبشر بالخير، فقد أزاح اغتيال الحريري الزعيم السني الذي أعاد بناء لبنان في مرحلة ما بعد الحرب، العقبة أمام الممر الشيعي الذي خطته إيران مع جماعاتها عبر العراق وسوريا إلى لبنان حزب الله، الذي حقق لنفسه مؤخراً تأييداً سياسياً مهما، عندما فتح مسار النفط من إيران إلى لبنان عبر سوريا، وطرح نفسه كمن ينقذ بذلك اقتصاد الدولة، أعتقد أنّه يمكنه بذلك إملاء طبيعة التحقيق في الانفجار، وتحديد من هو القاضي المحقق في القضية، لكنّ هذه مهمة كبيرة من ناحية حزب الله، لأنّه إذا تبين أنّه شريك في المسؤولية عن الانفجار، فإنّه سيكون عليه التصادم مع معظم الجمهور في لبنان الذي يكن غضباً شديداً تجاه الحكومة.

100 ألف مقاتل

 حزب الله يحذر الآن كي لا يصل إلى مواجهة عنيفة في الشوارع، هذا الأمر لا يمسّ فقط بقدرته على المناورة أمام الحكومة، بل أيضاً بقدرة إيران على مواصلة عملها كونها عاملاً مؤثراً في لبنان. الأسبوع الماضي ألقى نصر الله خطاباً أظهر فيه قوة حزبه، من خلال زعمه أنّ لديه 100 ألف مقاتل وقواته لديها تجربة سنين في الحرب، قد يكون هذا مجرد تفاخر، لكنّ ما يثير الخوف، هو تحذيره المبطن للمسيحيين أنّهم قد يخاطرون بوجودهم، الخطر الأكبر على المسيحيين ووجودهم في لبنان هي القوات اللبنانية وزعيمها، بحسب قول نصر الله، في مجريات أحداث القتل، قبل أيام، ما تزال الصورة غير واضحة، شهود عيان قالوا إنّ الناشطين الشيعة تدفقوا إلى الجانب المسيحي وهم يهتفون "شيعة"، باعتبار أنّ هذه المنطقة أصبحت تابعة لهم، ثم قاموا بعمليات تخريب للسيارات والمحلات ثم ظهر المقاتلون الشيعة وهم يحملون البنادق والقذائف الصاروخية، في المقابل حزب الله وحركة أمل يتهمان القوات اللبنانية بالبدء بإطلاق النار، وهي الميليشيا المسيحية وخصم قديم لحزب الله، بينما رفض الاتهامات الموجه له بشكل مطلق.

 وفي الوقت نفسه غضب حزب الله من بيان الجيش الذي قال إنّ حزب الله هو من أشعل الفتنة، لكنّ حزب الله ردّ قائلاً إنّ المتظاهرين كانوا ضحية هجوم مخطط له من قبل مسلحين، ورأى أنّ بيان الجيش تحريضاً على حزب الله، ومن هنا يواجه القضاء في لبنان صعوبة كبيرة خلال التحقيق في مجريات انفجار المرفأ، فهذه ليست المرة الأولى التي يشعل التحقيق النسيج السياسي؛ ففي شباط (فبراير) الماضي، تمت إقالة القاضي المحقق السابق، فادي صوان، من مهمة التحقيق، بعد أن قدم وزراء سابقون تم استدعاؤهم للتحقيق دعوى للمحكمة ضدّه، بسبب ما رأوه تجاوزاً لصلاحياته. صوان تمّ تعيينه من قبل مجلس القضاء الأعلى الذي تقوم الحكومة بتعيينه، مجلس القضاء قدّر أنّه سيتصرف بحسب قواعد اللعب السياسية المعروفة، وأن يبحث عن ضحية صغيرة، لكنّ صوان استدعى إلى التحقيق أيضاً رئيس الحكومة السابق حسن ذياب، وسلفه سعد الحريري، بسبب ذلك تعرّض للانتقاد الشديد منهما، على غرار ما فعله وزراء آخرين تجاهلوا الاستدعاء بذريعة أنّهم يتمتعون بالحصانة.

قبل بضع سنوات قضت محكمة دولية بأن حزب الله هو الذي يقف خلف اغتيال الراحل رفيق الحريري، وتجاهل التنظيم قرار المحكمة ولم يحصل شيء

 والآن، بعدما حصل من احتجاجات عنيفة، لم يرغب القاضي المحقق، طارق بيطار، أبداً في هذه المهمة المستحيلة؛ فقد كان ينوي التحقيق بنزاهة، ودون اعتبار لوضع أو منصب من هم مسؤولون عن الكارثة، لكنّ ذلك لم ينجح؛ فمنذ اللحظة التي تمّ تعيينه فيها، بدأت تنشر مقالات انتقاد ضدّه، وأبناء عائلته حصلوا على تهديدات هاتفية ورافقته حراسة مشددة، حزب الله هدّد بأنّه إذا لم تتم إقالة بيطار فإنه سيقف عائقاً أمام نشاط الحكومة، الرئيس ميشيل عون قدّم دعماً علنياً للقاضي بيطار لاستكمال مهمته، وذلك بعد أن صرّح عون بأنّ الشارع ليس هو المكان المناسب للمواجهة، وطالب الجميع بالهدوء، وفي الخلفية قرر بيطار السير حتى نهاية التحقيق، أو حتى نهاية حياته المهنية، أو ربما أيضاً حتى نهاية حياته، وربما ذلك يأتي بعد الجهود التي تبذلها أمريكا وفرنسا لحمايته، على اعتبار أنّ بيطار شخص لطيف وذكي، بل واستثنائي، في محيط بيئة محلية فاسدة، لكن ليس مؤكداً أن يتمكّن من إنهاء مهامه، فمحاولات تدخل فرنسا والولايات المتحدة في ذلك، واجهت إدانة واسعة من قبل حزب الله، الذي رأى في ذلك محاولة من جانب الرئيس لتقييد حرية التعبير، كما أنّ محاولات تدخل أمريكا وفرنسا، التي أغضبته بشدة، ربما تدفعه إلى توجيه الاتهامات ضدّ إسرائيل في انفجار المرفأ، وكأنّ إسرائيل والولايات المتحدة هما من تقفان خلف الانفجار الكبير الذي دمّر مرفأ بيروت.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/opinions/article/5099375/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية