هل تحدّد المواجهة بين واشنطن وطهران مستقبل الانتخابات العراقية؟

هل تحدّد المواجهة بين واشنطن وطهران مستقبل الانتخابات العراقية؟


14/07/2021

في ظلّ التصعيد الهائل والمحموم، مؤخراً، بين الفصائل العراقية المدعومة من إيران وقوات التحالف، واستهداف المصالح الأمريكية ببغداد وأربيل بشكل متواصل، يبدو المشهد الانتخابي في العراق، في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، مأزوماً، ويقع تحت وطأة تعقيدات جمّة؛ إذ تتسلل المخاوف لدى ثلاثة آلاف مرشح من عدم إجراء الاستحقاق الانتخابي، الذي لا تتوافر له بيئة آمنة على خلفية انتشار "السلاح المنفلت"، واحتدام المواجهات بين واشنطن وطهران على الساحة العراقية.

قائد فيلق القدس.. ما القصة؟

هناك تسريبات صحفية ألمحت إلى وجود تململ من بعض المجموعات الولائية بخصوص مطلب قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، الذي التقى قيادات شيعية، في مطار بغداد، الأسبوع الماضي، بهدف خفض الصراع، وبحث سبل التهدئة، بيد أنّ كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء رفضتا مطالب القائد العسكري الإيراني.

اقرأ أيضاً: العراق: حصيلة ضحايا مستشفى الحسين بالناصرية... والكشف عن المسببات

وفي اللقاء الذي جمع قائد فيلق القدس بقيادات الميليشيات العسكرية في مطار بغداد، والذي جاء في أعقاب استهداف مطار أربيل وقاعدة "عين الأسد" الجوية، أوضحت جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية؛ أنّ "زعيمَي تحالف فتح وعصائب أهل الحق أيدا قرار التهدئة، خلال اجتماعهما الأخير بممثلي الحرس الثوري"، غير أنّ كاظم الفرطوسي، الناطق بلسان "كتائب سيد الشهداء"، أعلن أنّ "المقاومة الإسلامية العراقية رفضت بشدّة أيّة وساطات بما يخصّ إيقاف العمليات العسكرية ضدّ القوات الأمريكية".

 وشدّد الناطق بلسان "كتائب سيد الشهداء" على أنّ "التصعيد العسكري ضدّ القوات الأمريكية جاء من أجل إخراج كامل للقوات الأمريكية القتالية من الأراضي العراقية كافة، وبخلاف ذلك لن تكون هناك أيّة تهدئة، ولن يتم إيقاف التصعيد مهما كانت الضغوطات على الفصائل".

الانتخابات والفصائل الإيرانية

ويشير قيادي في تحالف "فتح"، إلى أنّ "الفصائل الشيعية الكبرى اتفقت على تثبيت الحد الأدنى من الهدنة إلى حين الانتخابات العراقية، لكنّ الأزمة تزداد تعقيداً بسبب الطريقة اللامركزية التي تعمل بها الفصائل".

لا يبدو أنّ تأجيل الانتخابات يزعج رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الذي خسر علاقته بالشارع من خلال جملة من القرارات غير المحسوبة؛ مثل رفع سعر صرف الدولار

ويلفت ظافر العاني النائب عن تحالف "تقدم" إلى أنّ "انتشار السلاح المنفلت وتزايد نفوذ الميليشيات لا يتيحان بيئة آمنة لانتخابات نزيهة وعادلة، كما يهدّد السلاح الجديد عبر الطائرات المسيّرة التي استخدمتها الفصائل في حربها ضدّ الوجود الأمريكي في العراق بوضع الانتخابات رهن تلك المواجهة".

 ويضيف: "ضعف إجراءات الحكومة في وضع حدّ لهذه الممارسات ربما يساعد في تدنّي نسب المشاركة الجماهيرية، كما أنّ بقاء القوات الأمريكية أو خروجها قرار تتخذه الحكومة وفق حاجتها الفعلية للمساعدة الدولية في مكافحة الإرهاب، أما استهدافها من قبل الميليشيات، فإنّه يغرق العراق في مشكلات أمنية كما يضعف الدولة العراقية".

ويختتم النائب العراقي: "هذه الأعمال العدائية لا تلبي مصالح وطنية، وإنّما تعكس الرغبات الإيرانية التي ترتبط بها هذه الميليشيات، لاستخدامها ورقة في مفاوضاتها مع واشنطن حول الملف النووي".

إذاً، مع تصاعد وتيرة الهجمات المتبادلة بين الميليشيات الشيعية الموالية لإيران والقوات الأمريكية، وتوسّعها لتشمل إقليم كردستان وشرق سوريا، مما يهدّد بتطور المناوشات الصاروخية إلى مواجهة شاملة بين الطرفين، بدأت الشكوك تدور حول إمكانية عقد الانتخابات البرلمانية المبكرة في موعدها المقرر، في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، حسبما يوضح الباحث العراقي المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية، منتظر القيسي، خاصة في ظلّ "التنافس الشرس" بين التيار الصدري، من جهة، وحلفاء إيران من جهة أخرى، على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر التي يحقّ لها تسمية المرشح لرئاسة الحكومة.

هل يصل الصراع لمواجهة شاملة؟

ويضيف القيسي لـ "حفريات: "يبدو أنّ التيار الصدري يحقق في هذا الأمر أفضلية واضحة، من خلال التفاهمات المتقدمة التي توصّل إليها مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأهمها اعتراف الطرفين بالآخر، وذلك باعتبار كلّ منهما الممثل الوحيد لمكونه الاجتماعي في عملية تقاسم السلطة في المرحلة القادمة، كما أنّ الحزبَين لهما الكتلة البرلمانية الأكبر، وذلك بنحو ٥٦ للتيار و٢٥ للديمقراطي، ومن ثم، فالتيار الصدري سيكون من أكبر المستفيدين من نظام الدوائر الصغيرة المتعددة، التي نصّ عليها قانون الانتخابات في نسخته الأخيرة".

ويلفت الباحث العراقي المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية إلى "تآكل شعبية تحالف الولائيين الممثلين في تحالف الفتح بين صفوف الفئات الشيعية المتشددة؛ حيث تُتَّهم هذه المجموعة بالرضوخ لأجندة مقتدى الصدر في مسألة اختيار مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء، والتنازل عن حقّ كتلة "البناء" في تسمية رئيس الحكومة باعتبارها الكتلة الأكبر، وهو ما تسبّب في حدوث عداء من الفئات المعتدلة نتيجة المواقف القمعية التي اتخذتها الفصائل الولائية تجاه حركة الاحتجاجات الشعبية، والناشطين المدنيين، المطالبين بالإصلاح السياسي".

اقرأ أيضاً: الكاظمي مطالباً أمريكا وإيران: صفوا حساباتكم بعيداً عن العراق

وفي ظلّ هذه الأوضاع عمدت المجموعات الولائية إلى استغلال تأجيل الانتخابات باعتباره أحد الدوافع الإضافية بالنسبة إليها لـ "تفجير المواجهة مع الولايات المتحدة خصوصاً إذا استمر الجمود في التخييم على مباحثات فيينا التي تهدف إلى إعادة تفعيل الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا"؛ يقول القيسي.

النائب في البرلمان العراقي ظافر العاني لـ"حفريات": انتشار السلاح المنفلت وتزايد نفوذ الميليشيات وضعف إجراءات الحكومة في وضع حدّ لهذه الممارسات لا يتيح بيئة آمنة للانتخابات

وهنا تبدو الإشارات القادمة من طهران متضاربة، لا سيما أنّ هناك من يرى بعدم وجود مصلحة لإيران في الخروج عن قواعد اللعبة المتفق عليها ضمنياً مع الولايات المتحدة على الساحة العراقية، بدليل الجهود التي يبذلها كبار قادة الحرس الثوري، وعلى رأسهم الجنرال إسماعيل قاآني، لضبط سلوك الفصائل الولائية، الأكثر تشدداً، ممثلة في كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء وحركة النجباء.

ويقول القيسي إنّ طهران، وفقاً لبعض التقديرات "لا تريد حقاً إنهاء علاقة تبادل المصالح مع واشنطن في العراق، نظراً لما تتيحه من فرص للتمدّد في الجغرافية السنّية العراقية، ومنع تكرار السيناريو التركي في شمال سوريا بالعراق، لا سيما مع تنامي النزعة التوسعية لحكومة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، واستعداد الأخير المفرط للتدخل عسكرياً في مناطق الصراع، من ليبيا وحتى أفغانستان".

ولذلك، يشير المصدر ذاته، إلى أنّ الحديث الإعلامي المكثف عن تمرّد بعض الفصائل الولائية على عرابها الإيراني، واتخاذها خطاً مستقلاً عن طهران في موضوع استهداف المصالح الأمريكية في العراق، ليست سوى جزء من لعبة توزيع الأدوار التي يتقنها الإيرانيون، للتنصّل من تبعات الضربات المحسوبة ضدّ المصالح الأمريكية، والهجمات على حلفائها في الخليج التي تظهر المؤشرات بأنّها ستأخذ خطاً تصاعدياً، في الفترة المقبلة، عبر تكثيف الغارات بالطائرات المسيرة، مثل تلك التي ضربت منشآت النفط شرق السعودية، قبل عامين.

وفي وسط هذه التقييمات المتضاربة، لا يبدو أنّ تأجيل الانتخابات يزعج رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الذي خسر علاقته بالشارع من خلال جملة من القرارات غير المحسوبة؛ مثل رفع سعر صرف الدولار الذي فاقم من معاناة فئات واسعة من محدودي الدخل والفقراء، كما فشل في نسج خيوط تحالف عابر للمكونات، حتى تدعم حظوظه في البقاء في رئاسة الوزراء ورئاسة المخابرات أيضاً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية