هل تعود سوريا إلى الجامعة العربية من البوابة الخليجية؟

هل تعود سوريا إلى الجامعة العربية من البوابة الخليجية؟


15/03/2021

مصطفى رستم

توج المسعى الروسي زيارته الدبلوماسية للخليج العربي بنتائج نالت أصداءً وصفت بالمبشرة لدى الشارع السوري مع حديث عن قرب تسوية ومفاجآت سياسية، ستضع حداً للحرب السورية بعد انصرام عقد من الزمن على اندلاعها.

وللمصادفة، فإن التفاهمات التي تتبلور صورتها هذه الأيام تتزامن مع إحياء المعارضة السورية الذكرى العاشرة من الحراك الشعبي بالبلاد، الذي انطلق في الـ15 من مارس (آذار) عام 2011 من مدينة درعا، جنوب سوريا، وامتد إلى بقية المحافظات السورية، وتكبدت كل الأطراف المنخرطة بالنزاع المسلح خسائر فادحة.

غير أن آمال عودة دمشق إلى مقعدها في الجامعة العربية مع وقف الحرب بعيدة المنال ما لم يتوصل فريقا النزاع إلى اتفاق، يسبقه تفاهمات لأطراف دولية لاعبة ومتنازعة في وقائع الميدان، وبالنتيجة فإن الشارع يترقب الوصول إلى تلك التفاهمات بفارغ الصبر، وهي بالتالي ستفضي إلى حلول سلمية نهاية المطاف، وتنهي معركة عض الأصابع التي تعيشها اليوم المعارضة والموالاة.

الحراك الروسي في الخليج

وسبق إطلالة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في لقاء ثلاثي جمعه بنظيريه القطري والتركي، سلسلة اجتماعات عالية المستوى في السعودية والإمارات، دفعت الذراع الدبلوماسية لتلك الدول ومنذ التاسع من مارس الحالي إلى تحريك العثرات أمام الحل السلمي والسياسي.

ومن اللافت توجه الكرملين إلى دول الخليج العربي لبحث قضايا المنطقة، وبخاصة الملف السوري، ما أوحى باتفاق دولي، سيمر حكماً من بوابة الخليج العربي، لا سيما أن القرار الخليجي اليوم بات شبه موحد بعد مصالحة "العلا" في الخامس من يناير (كانون الثاني).

بنود الاتفاق الثلاثي بين وزراء الخارجية الروسي والتركي والقطري بالدوحة في الـ11 من مارس، لم تكن جديدة في مطالبها، لكن اللافت تأكيدها، والحث الروسي بمبادرتها للأفرقاء الخليجيين، ومعهم الأتراك على السعي لإجراء تفاهمات تسبق الانتخابات الرئاسية القريبة في أبريل (نيسان) المقبل، وهي الانتخابات الثانية بعد إقرار دستور 2012 الجديد.

غير أن ما يحدث سباق روسي لكسب الوقت، وهذا ما دفعها لجولة خليجية استهلتها بلقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عبر استقباله بالرياض المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرينتيف.

في هذا السياق، أفضى بيان الدوحة الثلاثي إلى جملة من البنود تتلخص في الحفاظ على السيادة السورية، وتوقف العملية العسكرية، وتحريك الحل السياسي، والدفع قدماً بعمل اللجنة الدستورية، إلا أن كل ذلك لا يجدي نفعاً إذا ما غابت الإرادة لفعل ذلك، بحسب مراقبين.

ولهذا، لم يغب عن البيان المشترك أن يضيف بنداً يتعلق "بدعم مبادرات بناء الثقة بين الأطراف السياسية في ما يتعلق بإطلاق سراح المحتجزين، خصوصاً النساء والأطفال وكبار السن، الأمر الذي سيسهم في تعزيز العملية السياسية من خلال خلق مناخ إيجابي بين الأطراف".

جهود المصالحة السورية

وتتابع الإمارات والسعودية وقطر، الملف السوري، مع الحرص على صياغة موقف موحد بعد عودة الدوحة إلى الحضن الخليجي، وتأثيرها الكبير على التركي، بالتالي فإن القرار الخليجي بات واضح المعالم في ما يخص الأزمة السورية.

وأعرب الائتلاف الوطني السوري عن ارتياحه لبيان الدوحة الثلاثي، قائلاً "رؤيتنا للحل كانت وما زالت وستظل مرتكزة على الشرعية الدولية، وعلى أي مبادرة أو مسعى لإنقاذ الشعب السوري، والانتقال إلى نظام سياسي مدني وفق مقتضيات مقررات جينيف وقرار مجلس الأمن 2254"، وفق بيان صحافي صادر في الـ12 من مارس الحالي.

وفي المقابل، لا يخفي البرلماني ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب السوري بطرس مرجانة في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أصداء إيجابية تلقفها الشارع بعد الحديث عن تسوية،

لكن في الوقت ذاته يرغب السوريون أن تقترن الأقوال بالأفعال "هناك عملية مخاض تسوية سورية - سورية مع مراعاة المصالح الدولية التي ستأخذ وقتها بالتأكيد". ويعتقد في الوقت نفسه أن المصالح المتشابكة، سواء إقليمية أو دولية، تلعب دوراً في هذه التفاهمات أو التسويات، لا سيما أن المنطقة غنية بالثروات المعدنية والبترولية، كاشفاً عن إرادة سورية لحلول سياسية شريطة الحفاظ على سيادة ووحدة الأراضي.

معركة عض الأصابع

إزاء ذلك، تتابع الإمارات مشاوراتها الساعية، وهي الأقرب خليجياً إلى دمشق بسبب سفارتها التي افتتحتها في 2019، بعد قطيعة دامت سنين. ويشير وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى ضرورة بدء مشوار عودة سوريا إلى محيطها العربي، ملمحاً في مؤتمر صحافي جمعه مع نظيره الروسي عن وجود منغصات بين الأطراف المختلفة "التحدي الأكبر اليوم الذي يواجهه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون قيصر"، الذي يجعل الأمور في غاية الصعوبة.

من جانبه، أعلن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أهمية إيجاد مسار سياسي يكفل أمن الشعب السوري، ويحميه من المنظمات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي تعطل حلولاً حقيقية تخدمة، حسب قوله.

ويعتقد البرلماني السوري بطرس مرجانة، أن المساعي الروسية أتت بعد تنسيق مع دمشق ودعمها لتلك الجهود، وإلا لما حثت موسكو الخطى، ولم تكن تتخذ مبادرتها تلك للبدء بمشاورات "مساعٍ حميدة ومبنية على ثقة متبادلة منذ نشأة الاتحاد السوفياتي، وسوريا تنظر إلى الأمان مع الاستفادة بما مر بها، في حين لن تفرط ببسط سيادتها على الأراضي السورية وعلى كامل أراضيها".

التخلي عن العقوبات

وجاء الرد سريعاً من مفوض الاتحاد الأوروبي السامي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيف بوريل، مفاده بأن التكتل، بحسب وصفه "لن يدفع إلى التخلي عن تطبيق العقوبات المفروضة".

إلا أن بوريل، الذي سيتسلم الرئاسة المشتركة في الـ25 من مارس الحالي للمؤتمر الخامس حول مستقبل سوريا، أشار إلى أنه يمكننا تقديم مساعدة والتركيز على إعادة إعمار سوريا جديدة "نحن مستعدون لمنح دعمنا لكل العمل بطريقة عادية، وليس خيارنا. يجب إجراء التحقيقات في قضايا المفقودين باستخدام الآلية الدولية".

وردت خارجية النظام السوري عبر معاون وزيرها، أيمن سوسان، على التصريحات الأوروبية، متهمة السياسة التي تتبعها باستمرار الاستعمار لكن بشكل حديث، موضحاً أن كل ما قدمه الاتحاد الأوروبي لسوريا "لم يكن في يوم من الأيام منحاً أو عطاءات، بل كان قروضاً تسدد دورياً".

استمرار الحرب والتسوية المرتقبة

وتواجه التسوية تحديات كبيرة وخلافات تتعلق بالانتقال السياسي، إذ لا يرغب أي طرف من أطراف النزاع أن يخرج خاسراً من معركة طال أمدها، بينما يرجح مراقبون حدوث مقايضات لأجل تحقيق "تسوية" شاملة مقابل رفع العقوبات، التي تشتد اليوم على السوريين بعد تطبيق "قيصر" في منتصف يونيو (حزيران) العام الماضي، وترقب نسخة "قيصر 2" برعاية أميركية أوروبية.

في المقابل، تحدث مرجانة "عن تصعيد سيستمر من دون توقف، خصوصاً أننا مقبولون على انتخابات رئاسية، والدول الأوروبية لن تكون يوماً من الأيام بالحرب السورية طرف يتلقى إملاءات من الولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من الأصوات التي تخرج بضرورة عدم معاداة سوريا والشعب السوري".

وأردف "هذه التسوية السياسية ستترافق مع تسوية اقتصادية، والأخذ بعين الاعتبارات العوامل الاقتصادية التي أدت إلى اندلاع الحرب، ولا بد من شراكة واسعة لإعادة إعمار سوريا".

عن "الإندبندنت"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية