هل تعود طالبان إلى أحضان تركيا؟

هل تعود طالبان إلى أحضان تركيا؟


31/08/2021

تؤشر مغادرة القوات الأمريكية إلى تداعيات أمنية وسياسية جمة، لا سيما مع عمليات الإجلاء المستمرة، التي ترافقها تهديدات عديدة لا يمكن حسبانها، كما يقول لـ"حفريات" المحلل السياسي الأفغاني خالد شاه.

وبينما تتواصل عمليات الإجلاء، قبيل مغادرة القوات الأمريكية، شهد محيط مطار كابول، أول من أمس الأحد، انفجاراً مباغتاً، عقد الحسابات والمواقف الإقليمية والدولية وعكس اتجاهات متباينة، تحددها ارتباطات عديدة ومصالح وأهداف جيوسياسية غامضة.

وبالتزامن مع إعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مشروع قانون لجهة إيجاد منطقة آمنة في العاصمة الأفغانية، كشف مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك ساليفان، تواصل حركة طالبان معه، بخصوص الأمر ذاته، وأكّدت على السماح بإتاحة ممر آمن للأمريكيين وغيرهم.

محاولات أممية لتشكيل بيئة آمنة بكابول

وقال الرئيس الفرنسي: إنّ فرنسا وبريطانيا ستقدمان مشروع قانون في الجلسة الطارئة للأمم المتحدة بشأن أفغانستان، المزمع إجراؤها اليوم الإثنين، بغية إقامة "منطقة آمنة" في كابول للأفراد الراغبين في مغادرة البلاد؛ إذ يعقد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اجتماعاً مع الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن؛ بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والصين وروسيا.

الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون

وأوضح ماكرون؛ أنّ "مشروع القانون الذي نقترحه يهدف إلى تحديد منطقة آمنة في كابول، تحت سلطة الأمم المتحدة، تتيح استمرار العمليات الإنسانية".

لذا؛ تتحرى القوى المنخرطة في الأحداث السياسية والميدانية بأفغانستان، ضمان مصالحها، من جهة، وتشكيل روابط للضغط على حكام كابول الجدد من جهة أخرى، ومن بين هذه القوى تركيا، التي أعلنت إجلاء كافة جنودها باستثناء "مجموعة فنية" صغيرة، وفقاً لتصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والأخير أعلن إجراء محادثات مع قادة حركة طالبان في العاصمة الأفغانية، ولافتاً إلى أنّ أنقرة ما تزال "تجري تقييماً لاقتراح الحركة لإدارة مطار العاصمة الأفغانية غداة الانسحاب الأمريكي".

تدرك تركيا جيداً أنّ لكل من قطر وباكستان علاقات جيدة مع حركة طالبان؛ فالأولى كانت عرابة المفاوضات بين الحركة وواشنطن وباكستان كانت بمنزلة الحديقة الخلفية لطالبان

ويرى المحلل الأفغاني شاه بأنه قبل سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية، كابول، "كان هناك توافق بين واشنطن وأنقرة على تسليم مطار حامد كرزاي للأخيرة، الأمر الذي رفضه المتحدث الرسمي لحركة طالبان، لكن يبدو أنّ تركيا أقنعت الحركة بتمويلها مادياً، خاصّة أنّها تقع تحت وطأة ظروف اقتصادية حرجة، ما قد يمهّد لعودة، أو بالأحرى، استئناف الروابط والعلاقات بينهما".

تداعيات الانسحاب الأمريكي

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكد نهاية الأسبوع الماضي، في سراييفو، إلى جانب زعماء البوسنة والهرسك: "قمنا بما كنا مسؤولين عنه، واعتباراً من مساء اليوم تمّ سحب كلّ جنودنا"، وتابع: "ستبقى فقط مجموعة فنية صغيرة" في أفغانستان.

ولفت الرئيس التركي إلى أنّه من غير الواضح "طبيعة الصراع الذي ستخوضه طالبان وتنظيم داعش في أفغانستان، لكن "ما هو واضح هو أنّ هناك معركة منظمات إرهابية، والانسحاب من أفغانستان وتركها للتنظيمات الإرهابية سينتج عنه عواقب وخيمة".

وأردف: "أجرينا أولى محادثاتنا مع طالبان واستغرقت ثلاث ساعات ونصف، وإذا لزم الأمر ستتاح لنا الفرصة لإجراء مثل هذه المحادثات مرة أخرى"، كما  أشار إلى أنّ المحادثات جرت في جزء عسكري من مطار كابول، حيث تتواجد السفارة التركية، بشكل مؤقت، وأوضح أنّ طالبان تريد تولي ضمان الأمن في المطار، غير أنّها اقترحت على أنقرة تأمين الجانب اللوجستي.

 وتابع: "يقولون: سنضمن الأمن وأنتم تقومون بالتشغيل (المطار)، لم نتخذ أيّ قرار بشأن هذه المسألة بعد".

اقرأ أيضاً: كيف ساهمت جهات غربية في تمويل حركة طالبان؟

وبخصوص معارضة بعض الأطراف والقوى المحلية في تركيا لعلاقة أردوغان بحركة طالبان، قال الرئيس التركي: "لن نرضى بأن نقف مكتوفة الأيدي في هذه المنطقة المضطربة"، وتابع: "لا يمكن معرفة توقعاتهم، أو توقعاتنا، دون مناقشات، ما هي الدبلوماسية يا صديقي؟ هذه هي الدبلوماسية، لقد أعدنا مدنيينا، والآن ما يزال هناك عدد قليل جداً من الموظفين الفنيين، وبعيداً عن هذا كله، تم سحب جميع فرقنا من أفغانستان".

الدور التركي المحتمل وفرص التمدد

وبحسب بيان رسمي لوزارة الدفاع التركية؛ فإنّ الجنود الأتراك الذين يخدمون في أفغانستان، غادروا مطار كابول بعد "إنجاز المهمة الموكلة إليها بنجاح"؛ إذ أوضحت الوزارة أنّ القرار جاء في أعقاب لقاءات متفاوتة بعد "تقييم الوضع والظروف الراهنة".

 وأردف: "تمت السيطرة على الفوضى في مطار حامد كرزاي في كابول، وتم توفير الأمن، ونفّذت الأنشطة الضرورية الأخرى مع قوات من دول أخرى، وفي هذه العملية، تم إجلاء 1129 مدنياً بطائراتنا العسكرية".

اقرأ أيضاً: "طالبان المعتدلة" والتنظيمات المتطرفة

كما غرد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين؛ بأنّه "بعد أداء واجباتهم بطريقة ممتازة ومشرفة، عاد الجنود الأتراك في أفغانستان إلى ديارهم، ستواصل تركيا العمل من أجل السلام والأمن والازدهار لأشقائنا وأخواتنا الأفغان".

وتبقى طموحات أردوغان هي المحرك الأساسي له في الأزمات المستعرة بالمنطقة، فضلاً عن علاقاته القوية بالجماعات المسلحة والجهادية، كما هو الحال في سوريا وليبيا وأفغانستان، وفقاً للباحث المتخصص في العلوم السياسية، الدكتور محمد ربيع الديهي، الذي يضيف لـ "حفريات": "ثمة طموحات عديدة للنظام التركي، من خلال تواجد قواته في أفغانستان، ولعلّ أهم هذه الأهداف الظهور أمام شعبه، وكأنّه المنتصر الوحيد، وأنّ القوى الدولية هُزمت في حربها ضدّ طالبان، وأنّه لم يتكبد هزيمة مماثلة، وذلك في محاولة لتجديد صورته المشوهة محلياً، بفعل مغامراته الخارجية التي نجمت عنها أعباء اقتصادية جمّة، وحصار سياسي وإقليمي هائل".

الدكتور محمد ربيع الديهي

ويلفت الباحث المتخصص في العلوم السياسية، إلى أنّ تصريحات الرئيس التركي الأخيرة، بخصوص احتفاظ أنقرة بقوات فنية صغيرة، بالإضافة لبعض العاملين في السفارة بكابول، جميعها محاولة جديدة من النظام التركي للظهور بمظهر القوي في الأزمة الأفغانية، خاصة أنّ أردوغان، على مدار العقدين الماضيين، حاول أن يبرز صورة نمطية بأنّه "خليفة المسلمين" وإحياء مفاهيم "العثمانية الجديد".

محددات العلاقة بين أردوغان وطالبان

يتفق والرأي ذاته، التحليل الصادر عن مركز "المستقبل" للأبحاث والدراسات المستقدمة؛ حيث يرى أنّه على الرغم من إعلان وزارة الدفاع التركية، أنّها بدأت سحب قواتها من أفغانستان، إلا أنّ الوزارة تركت الباب مفتوحاً أيضاً لخيار القيام بدور أمني في كابول في مرحلة ما، وأفادت بأنّ "تركيا ستبقى مع الشعب الأفغاني طالما أراد ذلك"، ثم ما لبث أن كشف الرئيس التركي أنّ حركة طالبان عرضت على تركيا تشغيل مطار حامد كرزاي الدولي في كابول.

وبحسب مركز المستقبل؛ فإنّ تركيا "تدرك جيداً أنّ لكل من قطر وباكستان علاقات جيدة مع حركة طالبان؛ فالأولى كانت "عرابة المفاوضات بين الإدارة الأمريكية وطالبان في الدوحة طوال الفترة الماضية، كما أنّ باكستان كانت بمنزلة الحديقة الخلفية لطالبان ودعمتها عسكرياً ولوجستياً وتنظيمياً منذ هزيمتها على يد القوات الأمريكية قبل عقدين.

المحلل الأفغاني خالد شاه لـ"حفريات": تركيا أقنعت طالبان بتمويلها مادياً، خاصّة أنّها تقع تحت وطأة ظروف اقتصادية حرجة، ما قد يمهّد لعودة واستئناف الروابط والعلاقات بينهما

 لذا؛ فإنّ أنقرة، بحكم علاقتها الجيدة بكل من الدوحة وإسلام آباد، تراهن على هذه العلاقة في فتح منافذ وبوابات مع حركة طالبان في المرحلة المقبلة، وإيجاد ما يمكن تسميته بفضاء إسلامي متوافق مع السياسة التركية الإقليمية".

ويلمح المركز في تحليله إلى استغلال أنقرة حاجة طالبان للانفتاح على الخارج، ورغبتها في الحصول على شرعية واعتراف دولي بها، بعد وصولها إلى السلطة بالقوة، ومثل هذا الأمر يزداد أهمية وضرورة مع غياب ثقة المجتمع الدولي في الحركة، خاصة في ظلّ ممارساتها الدموية خلال المراحل السابقة وعقيدتها المتشددة.

ويضيف: "وقد تجد تركيا في هذا الواقع الصعب لطالبان مدخلاً للانفتاح عليها، خاصة أنّ لدى أنقرة تجربة طويلة في دعم التنظيمات المتشددة، كما هو الحال مع الجماعات السورية المسلحة، وكذلك التنظيمات الليبية المسلحة التي تتخذ من طرابلس مقراً لنشاطاتها، وذلك في إطار سياسة تركيا الداعمة لجماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية في العالم العربي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية