هل حان وقت إغلاق مقر اتحاد القرضاوي في تونس؟

هل حان وقت إغلاق مقر اتحاد القرضاوي في تونس؟


23/12/2021

في تصعيد جديد من قبل الحزب الدستوري الحر، في خضم المواجهة مع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مقر تونس، الذراع الديني للإخوان، أكّدت عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري، أنّ وجودها بصحبة أنصارها أمام مقر الاتحاد في تونس، يأتي من أجل الاعتصام، وذلك بحسب مقطع فيديو شدّدت فيه على عزمها مواصلة الاعتصام السلمي أمام المقر، الذي وصفته بـــــ "وكر المجرمين والفكر المتطرف"، وقالت: "جئنا هنا للاعتصام، ولن نعود أدراجنا"، وطالبت بإغلاق المقر، وحظر نشاطه، وتصنيفه على قوائم الإرهاب.

بدورها، قامت قوات الأمن بتطويق شارع خير الدين باشا، حيث مقر الاتحاد، لمنع الاعتصام؛ نظراً لما تشهده البلاد من ارتباك بسبب الفترة الانتقاليّة، ومنعاً لحدوث أعمال عنف قد تستغلها العناصر الإخوانيّة؛ لدفع البلاد نحو المزيد من التوتر.

نزار الجليدي: الإخوان يستمدون الدعم، من خلال النشاط المالي الفاسد لهذه الجمعية، في ظل عدم السيطرة على الأموال الضخمة التي تدخل إلى حساباتها، وتوزع بشكل أو بآخر؛ لإحداث الخلل داخل المجتمع التونسي

موسي استنكرت بدورها التعزيزات الأمنيّة المكثفة، التي تم تركيزها حول المقر، وغلق الطرق المؤدية إليه، من خلال مقطع فيديو نشرته على صفحتها الرسمية، على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك.

اتحاد القرضاوي يهدد بالتصعيد

من جهته، أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فرع تونس، بياناً طالب فيه السلطات التونسيّة بحماية مقره، وهاجم البيان أنصار الحزب الدستوري الحر، حيث جاء فيه: "المدعوة أعلاه موسي، وحزبها، كانوا قد اعتصموا أكثر من مرة أمام مقرنا، بل قد اقتحموه في أحد الاعتصامات، وعاثوا في موجوداته فساداً، وقد فض الاعتصام بالقوة العامة، وذلك بالرغم من أنّ كل القضايا التي رفعتها ضد الجمعية حكم فيها القضاء ضدها، وأنّ الجمعية قد رفعت عدة قضايا ضدها، وهي جارية الآن قيد البحث القضائي".

إقرأ أيضاً: تونس: الحزب الدستوري الحر يدعو إلى حل البرلمان ومحاسبة الإخوان

البيان الذي نشره الموقع الرسمي للاتحاد في قطر، طالب الرئيس التونسي بالتدخل؛ لحماية الاتحاد من الاعتداءات المتكررة عليه من طرف الحزب الدستوري ورئيسته، بحسب مزاعمه، موجهاً نوعاً من التهديد المبطن، من ردة فعل أنصاره، حيث قال في نهاية البيان إنّ مطالبه تأتي "تحاشياً لأيّ انفلات قد يقع في مواجهة هذه الاعتداءات".

جدير بالذكر أنّ الاتحاد سبق واتهم، عبير موسي، وأنصارها باقتحام مقره، في آذار (مارس) الماضي، واعتبر الأمر فضيحة بالنسبة لتونس، وهو ما اعتبره مراقبون تعريضاً بالدولة التونسيّة، لكن الاتحاد واصل تصعيده آنذاك، وقال عبد الحميد النجار، الأمين العام المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس فرع الاتحاد في تونس، إنّ عبير موسي "لا تعترف بثورة التونسيين، وتريد أن تعيد تونس إلى ما كانت عليه أيام زين العابدين بن علي"، متهماً الحزب الدستوري الحر بالسعي تجاه "خلق حالة من الاضطراب والفوضى في البلاد؛ ليظهر المشهد السياسي التونسي على هذا النحو من الفوضى".

من جانبه، يرى المحلل السياسي التونسي، نزار الجليدي، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، أنّ الجدل حول مقر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تونس، أو اتحاد القرضاوي، هو موضوع قديم وجديد في الوقت نفسه، فهو يتجدد نظراً للفاعلية الكبيرة لهذا المقر، ودوره في تنشيط الخلايا الإخوانية في تونس، وكذا لدوره المشبوه من أجل تغيير نمط تدين المجتمع التونسي، ودوره أيضاً في الإعداد لتسفير المقاتلين إلى سوريا، وأدواره الأخرى الرامية إلى هيمنة نمط فكرى معين في تونس، وهو بالفعل، بحسب تصريح الجليدي، أصبح وكراً للدبابير، ونقطة ارتكاز لكل أنشطة الإخوان في تونس.

إقرأ أيضاً: تونس: الحزب الدستوري الحر يصعد ضد الغنوشي.. هذه إجراءاته

رئيس تحرير مجلة الضفتين التي تصدر في باريس، لفت إلى أنّ الإخوان يستمدون الدعم، من خلال النشاط المالي الفاسد لهذه الجمعية، في ظل عدم السيطرة على الأموال الضخمة التي تدخل إلى حساباتها، وتوزع بشكل أو بآخر؛ لإحداث الخلل داخل المجتمع التونسي، والجميع يعرف أنّ الحزب الدستوري الحر يخوض المعركة منذ البداية، ضد هذا الوكر، وكذلك القوى المدنية الأخرى، ولكن إلى هذه اللحظة، لم تتفاعل الحكومة التونسية مع المطالب الحيوية لإغلاق عش الدبابير في تونس.

حازم القصوري: ملف مقر الاتحاد العالمي للإخوان في تونس، يفرض بالضرورة إجراءات قانونية سليمة، لتتمكن العدالة التصحيحية من اتخاذ ما تراه صالحاً، على ضوء دلالات الملف ومعطياته

وعليه، فإنّ عودة النزاع حول مقر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تونس، ربما لا ينفصل عن جملة الأدوار التي لعبها الاتحاد في تكريس خطاب التطرف، والدعم المطلق لحركة النهضة، إلى الحد الذي انخرط معه الاتحاد في القضايا السياسيّة، وانحاز بشكل فخ لحركة النهضة، إبان ثورة التصحيح التي فجرها الرئيس قيس سعيّد، في مساء 25 تموز (يوليو) الماضي، حيث تدخل الاتحاد في الشأن السياسي التونسي بصورة غير مسبوقة، وأصدر بياناً هاجم فيه إجراءات الرئيس، زاعماً أنّها تتنافى ومبادئ العقد الاجتماعي.

نزار الجليدي: الجدل حول مقر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تونس، أو اتحاد القرضاوي، هو موضوع قديم وجديد في الوقت نفسه

وعلى الرغم من قيام وزارة الشؤون الدينيّة في تونس، بإنهاء التعاون مع اتحاد القرضاوي، وإلغاء اتفاقياتها مع مركز الإسلام والديموقراطية، والاتحاد العالمي، بسبب "عدم تلاؤم برامج هذه المنظمات، مع حاجيات الكوادر الدينية في تونس، مع قدرة مؤسسات الدولة، وبعض المؤسسات المستقلة على توفير التدريب المطلوب". لكن إغلاق مقر الاتحاد ظلّ محل خلاف، وتطلب الأمر حكماً قضائيّاً، أو قراراً سياديّاً، توقع كثيرون صدوره، لكنّه لم يخرج إلى النور حتى الآن، ما دفع الدستوري الحر إلى التصعيد من جديد، بغية تحريك الموقف السياسي.

اتحاد القرضاوي يسعى إلى توريط تونس

في أعقاب قيام هيئة كبار العلماء في المملكة السعوديّة، بتصنيف الإخوان المسلمين "جماعة إرهابيّة"، أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بياناً هاجم فيه المملكة بعنف، وزعم الاتحاد أنّ قرار كبار العلماء "أسخط عامة المسلمين في السعودية، وفي كل أنحاء العالم، ولكنّه أرضى كافة أعداء الإسلام والمسلمين، وعلى رأسهم دولة الاحتلال الصهيوني، التي عبرت عن تأييدها ورضاها.."، الأمر الذي دفع الدكتور فهد الماجد، الأمين العام لهيئة كبار العلماء في السعودية، إلى اعتبار "ما صدر عن المنتسبين إلى جماعة الإخوان المسلمين، والمتعاطفين معها، ممن هو على منهجها أو يقاربها في المنهج..هي إثارات ودعاوى مجردة عن الدليل والبرهان، وإسقاطات لصرف النظر عن البيان".

إقرأ أيضاً: الرئيس التونسي يعيد الاعتبار لسيدي بوزيد موطن "الانفجار الثوري"

وجود مقر للاتحاد في تونس، دفع باستمرار نحو توريط تونس في صراعات الإخوان الخارجيّة، فالاتحاد الذي هاجم من قبل الأزهر، ثم اتحاد كبار العلماء في السعوديّة، والرئيس التونسي نفسه، أصبح إغلاق مقره مطلباً لعدد من القوى المدنية في تونس، وهو ما فسره الكاتب والمحلل التونسي عبد الجليل المعالي، في تصريح صحفي بقوله إنّ "المطالبات بغلق الفرع التونسي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ليست مجرد خصومة بين الحزب الدستوري الحر وحركة النهضة، فالقضية أكثر عمقاً من ذلك التسطيح المخل، ذلك أنّ المطالبة بحل هذا الفرع لم تصدر فقط عن الحزب الدستوري الحر، وإنما صدرت نداءات من المرصد الوطني لمدنية الدولة، الذي اعتبر أن حل الفرع من شأنه أن يسهم في التوقي من انتشار العنف والإرهاب، وصدرت أيضاً عن المركز الدولي للحوار حول الحضارات والأديان والتعايش السلمي، الذي وجه نداء إلى مصالح الدولة، بفتح تحقيقات بخصوص الفرع والقائمين عليه، والتقصي حول أنشطتهم ومصادر تمويلاتهم".

ويرى المحلل السياسي التونسي، والخبير في القانون الدولي، حازم القصوري، في تصريحاته لـ"حفريات"، أنّ ملف مقر الاتحاد العالمي للإخوان في تونس، يفرض بالضرورة إجراءات قانونية سليمة، لتتمكن العدالة التصحيحية من اتخاذ ما تراه صالحاً، على ضوء دلالات الملف ومعطياته، وبالتالي يعتقد القصوري أنّ التدخل في هذا الملف من قبل أيّ طرف سياسي، أو مدني، ليس في صالح تفكيكه، فطبقاً للقانون يعد هذا تدخلاً سافراً في عمل القضاء، خاصّة في ظل دولة القانون والمؤسسات، حيث تخضع الأمور لقرار سياسي يأخذ كل اعتباره كل المعطيات، دون اتباع أهواء أشخاص أو أحزاب.

حازم القصوري: الدولة الوطنيّة ومؤسساتها هي القادرة وفق الأسس قانويّة، على حسم ملف اتحاد القرضاوي

القصوري ثمّن في الوقت ذاته التجربة المصرية، باعتبارها دليلاً حيوياً ناجحاً، في التعاطي مع ملف الإخوان، فالدولة الوطنيّة ومؤسساتها، في رأيه، هي القادرة وفق الأسس قانويّة، على حسم ملف اتحاد القرضاوي، دون مزايدة من أحد، من أجل صنع بطولة، يراها القصوري وهمية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية