هل ستؤثر نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية على المعاهدات الدولية؟

هل ستؤثر نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية على المعاهدات الدولية؟


05/11/2020

لإضفاء مزيد من التشويق على المشهد الانتخابي، استغلّ المرشح الأمريكي جو بايدن تزامن دخول قرار انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقيه باريس للمناخ مع فرز الأصوات، ليعد المرشح الأقرب للفوز بالعودة مجدداً إلى الاتفاقية، بعد 77 يوماً، في إشارة إلى تتويجه بالرئاسة في كانون الثاني (يناير) المقبل، عاكساً الثقة في فوزه.

اقرأ أيضاً: كيف تفاعل المواطن العربي مع الانتخابات الأمريكية؟

وبالإضافة إلى الثقة في الفوز، التي أدارها بايدن بهدوء على عكس منافسه الذي عمد إلى التشكيك والضجيج، فإنّ تصريح بايدن المقتضب، عبر تويتر، عكس أيضاً التغيرات التي ستطال السياسة الخارجية الأمريكية، حال عودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، خصوصاً فيما يتعلق بالمعاهدات الدولية.

وقد عُدّ ترامب واحداً من أكثر الرؤساء الأمريكيين انسحاباً من المعاهدات الدولية، فخلال 4 أعوام انسحب من أكثر من 10 اتفاقيات دولية ومؤسسات عالمية، في مجالات متعددة، بين النووية والثقافية والصحية والسياسية، بما يتسق مع نهجه الذي حمله مسبقاً إلى البيت الأبيض عبر شعاره "أمريكا أوّلاً".

اقرأ أيضاً: الإخوان.. حصان طروادة القطري

في المقابل، فإنّ بايدن وعد بالعودة إلى اتفاقيات عدة، من ضمنها تلك التي انسحب منها ترامب، فإلى جانب اتفاقية المناخ، التي جاء ذكره لها بالأمس مجرّد تذكير واستغلال للحدث، فقد سبق أن أفضى بالتفصيل عن رؤيته في دعم المناخ عالمياً والتحول إلى الطاقة النظيفة، ثمّة الاتفاق النووي مع إيران، ومنظمة الصحة العالمية.

 

تبقى اتفاقيات أخرى عديدة، مثل: اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، ومعاهدة الصواريخ النووية مع روسيا، في انتظار فرصة جديدة للتقييم وإعادة النظر

 

وحول الاتفاق النووي مع إيران فقد سبق أن قال بايدن: إنه سيعاود الانضمام إلى الاتفاق النووي في حال عادت إيران إلى الالتزام الصارم به، لكنه لن يرفع العقوبات لحين حدوث ذلك.

اقرأ أيضاً: هكذا تغلغلت تيارات الإسلام السياسي في موريتانيا.. ما علاقة قطر وتركيا؟

أمّا الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، وهو القرار الذي اتخذه ترامب في أوج تفشي جائحة كورونا، في حزيران (يونيو) الماضي، على أن يُنفذ رسمياً العام القادم، وفق ما تنصّ عليه لوائح المنظمة، فقد لا يتم تنفيذه، إذا وصل بايدن إلى البيت الأبيض.

وتبقى اتفاقيات أخرى عديدة، مثل: اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، ومعاهدة الصواريخ النووية مع روسيا، في انتظار فرصة جديدة للتقييم وإعادة النظر إذا وصل بايدن إلى الحكم، بالإضافة إلى الموقف من لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، واليونسكو، وحتى البريد الذي لم يسلم اتفاق عمره 145 عاماً من انسحابات ترامب.

لكن يبقى التساؤل: هل الاتفاقيات الأمريكية ترتبط بهوى الرئيس بحيث يتم تغييرها وفق ساكن البيت الأبيض؟ وماذا عن مفهوم دولة المؤسسات؟

لا يتناقض مفهوم دولة المؤسسات التي تمثلها الولايات المتحدة الأمريكية مع الانسحاب من الاتفاقيات الدولية وفق هوى الرئيس، إذ إنّ ذلك الهوى ذاته يرتبط بمفهوم المؤسساتية، فهو لا ينبت في الهواء، ولكن وفق برنامج انتخابي ورؤية وهدف، يقف خلفها حزب ينتمي إليه الرئيس ومجموعات ضغط، بالإضافة إلى رؤيته الشخصية.

اقرأ أيضاً: مسلمو أوروبا على المذبح الإخواني

وبحسب الدستور الأمريكي، فإنّ السلطة التنفيذية منوطة برئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وحول إبرام المعاهدات ينصّ الدستور على أنها حق للرئيس بعد استشارة الكونغرس، فيما لم يتطرق إلى الانسحاب من الاتفاقيات أو رأي المجلس الاستشاري فيها، ما يجعلها ضمن الإجراءات التنفيذية والقرارت التي ينفرد بها الرئيس دون سواه.

ومن ثم يُلاحظ التبدل في الموقف من تلك الاتفاقيات، سواء الذي انتهجه ترامب، أو ينوي بايدن فعله بالعودة إلى الاتفاقيات التي نقضها سابقه، ذلك في حال وصوله إلى البيت الأبيض.

ومن ثمّ، فإنّ الرئاسة هنا هي مؤسسة، لها أن تحدد شكل العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، وتختلف باختلاف ساكن البيت الأبيض، غير أنّ التغيير ذاك لا ينال من فكرة المؤسساتية في ذاتها، حيث تظل العلاقة بين المؤسسات، واختصاصات كل منها، ثابتة وفق الدستور.

اقرأ أيضاً: تجريم "الإخوان" ضربة للإرهاب

وحول المؤسساتية الأمريكية يقول أستاذ السياسة في جامعة الكوفة الدكتور أسعد شبيب: هناك نمطان أساسيان يؤثران في عملية صنع القرار الأمريكي: الأوّل هو المؤسسات الرسمية كالرئيس، ومجلس الشيوخ، ومجلس النواب، وحكام الولايات وغير ذلك، وهذا ما هو ثابت ومعمول به حسب الدستور الأمريكي النافذ، أمّا النمط الثاني، فهو اللوبيات وجماعات الضغط، حيث تلعب هذه المكونات السياسية والجماعتية المختلفة دوراً مؤثراً في تحريك العديد من الملفات، ومنها وصول الشخصيات إلى السلطة، وتمرير القوانين، واتخاذ قرارات مصلحية ذات أجندات خارجية صعبة لا يستطيع حتى مجلس النواب تمريرها، أو تجبر هذه اللوبيات الرئيس الأمريكي والقوى النافذة في مجلس الشيوخ بتغيير مواقفها من القضايا المهمة التي ترغب بحدوثها هذه اللوبيات، بحسب شبكة النبأ المعلوماتية.

 

محلل استراتيجي: أيّ دولة مؤسسات لا تخلو من وجود لوبيات ومراكز قوى تتحرك في داخلها

 

وبحسب المصدر ذاته، يرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة كربلاء خالد عليوي العرداوي أنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة، كونها دولة حديثة ومتقدمة، هي دولة مؤسسات ولا غبار على ذلك، فدستورها واحد لم يتبدل، ومؤسساتها الدستورية راسخة منذ أكثر من 200 عام، ولديها علاقات دولية تتحرك وفقاً لمصالحها.

وتابع: لكن أيّ دولة مؤسسات لا تخلو من وجود لوبيات ومراكز قوى تتحرك في داخلها، وهذا طبيعي جداً، فما يحرك المصالح هو واقع القوى الاقتصادية العاملة في المجتمع، تلك القوى التي بسبب رسوخ الوضع المؤسساتي وعدم التحاق الاقتصاد والمصالح بالسياسية إنما التحاق السياسة بالمصالح الاقتصادية، فإنّ هذه المصالح بحاجة الى أدوات تؤثر على الشأن السياسي وتحمي نفسها وتوسع أفق الفائدة أمامها.

اقرأ أيضاً: هل تحاول إيران التدخل في الانتخابات الأمريكية؟ مسؤولون إيرانيون يكشفون موقفهم منها

فيما يُرجع الباحث ميثاق مناحي العيساوي المزاج المتغير في السياسة الخارجية الأمريكية إلى التغيير الحاصل في الإدارة الأمريكية، وهذا التغيير يحصل نتيجة تبدل الإدارات في البيت الأبيض.

وأوضح العيساوي، وفق ما أودرت شبكة النبأ المعلوماتية: لعلّ الإدارات الجمهورية تجعل السياسة الخارجية أكثر تقلباً من الإدارات الديمقراطية، فسياسة أوباما الخارجية كانت أكثر استقراراً من سياسة سلفه جورج بوش وخلفه دونالد ترامب، ومن ثم فإنّ هذا التبدل والتغير في المزاج السياسي الخارجي يعكس رؤية الإدارة الأمريكية، لا سيّما في حال تعلق الأمر بالشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً: الانتخابات الأمريكية وجدل التقارب والعداء مع إيران

وتابع: أستبعد أن تكون السياسة الأمريكية سياسة فوضوية أو تتجه إلى الفوضى، وعلى الرغم من الضجة التي أثارها ترامب في السياسة الخارجية الأمريكية بعد وصوله إلى البيت الأبيض، إلا أنّ ترامب لم يغير شيئاً جوهرياً لحدّ الآن، فقد حافظ الرئيس على علاقة واشنطن بحلفائها التقليديين في المنطقة، بغضّ النظر عن شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، كذلك أبقى على العداوة الدائمة مع إيران، فضلاً عن تأييده المطلق لإسرائيل وسياستها المزعزعة للسلام في المنطقة.

واستطرد: هذا يعني أنّ ترامب لم يغير شيئاً في خريطة التحالفات السياسية مع الولايات المتحدة في المنطقة والعالم، باستثناء توجهاته الانعزالية وانسحابه من بعض الاتفاقيات والمعاهدات، وبالتالي لا يوجد هناك تغير أمريكي حقيقي على المستوى الخارجي، يجعلنا نشير بوضوح إلى دور اللوبيات أو أن نصف السياسة الأمريكية بالسياسة الفوضوية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية