هل يصل بوتين وأردوغان إلى اتفاق بشأن إدلب؟

هل يصل بوتين وأردوغان إلى اتفاق بشأن إدلب؟


02/10/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

إنّهما في العمر نفسه تقريباً، وفي السلطة منذ عقدين تقريباً، وشَهِدا تحديّاً لشعبيّتهما مؤخّراً؛ بسبب اضطراباتٍ اقتصاديّة، وهما يشرفان على دولتين لهما توجه قوميّ متزايد، وتسعى كلّ واحدة منهما إلى استعادة مجد وتأثير إمبراطوريّة بائدة، وكلاهما معروف بتبجّحه الذّكوريّ ويرى القليل من نفسه في الآخر.

قال الرّئيس الرّوسي، فلاديمير بوتين، عن الرّئيس التركيّ، رجب طيب أردوغان، في كانون الأوّل (ديسمبر): "هذا شخص يفي بكلمته، هذا رجل".

ويبدو أنّ الشّعور متبادل؛ فقد قال الزّعيم التّركيّ عن بوتين: "إنّه واضح وصريح ويفي بكلمته"، وأضاف: "من النّادر وجود مثل هذه العلاقات القويّة مع أيّة دولة".

متظاهرون سوريون يواجهون جنوداً أتراكاً خلال مظاهرة ضد تقاعس تركيا الواضح عن هجمات النظام السوري الأخيرة في إدلب

هذه العلاقة الشّخصيّة القويّة وراء التّحالف الرّوسيّ التركيّ المَرِن ستُجدَّد بشكل مفاجئ، الأربعاء، عندما يلتقي الاثنان لإجراء محادثات، إلى جانب الرّئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي، في منتجع سوتشي المطلّ على البحر الأسود. التّوقّعات عالية في أعقاب انتقادات أردوغان للعلاقات الأمريكيّة التّركيّة في نيويورك، الأسبوع الماضي، وكان قد أشار إلى استيائه من الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن، والعقوبات الأمريكيّة المفروضة العام الماضي، بسبب شراء أنقرة لأنظمة دفاع صاروخيّ روسيّة الصّنع من طراز "إس-400"، وقال أردوغان: "المسار الحاليّ لا يبشّر بالخير".

اقرأ أيضاً: تصاعد التوترات في سوريا قبل لقاء أردوغان وبوتين... ماذا جرى؟

قد يشير هذا إلى تحوّل؛ لأنّ علاقات تركيا مع الولايات المتّحدة، والغرب بشكل عامّ، هي التي غالباً ما تُشكّل سياساتها في الشّرق الأوسط؛ فعلى سبيل المثال، أدّى تحالف الولايات المتّحدة مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة، الّتي يقودها الأكراد، في القتال ضدّ داعش، إلى دفع تركيا للتحوّل من الدّعم القويّ للمتمرّدين المناهضين لنظام الأسد إلى تبنّي محادثات السّلام البديلة في الأستانة، بقيادة تركيا وروسيا وإيران، ومواجهة المسلّحين الأكراد السّوريّين.

يشعر نظام الأسد أنّ الحرب أوشكت على الانتهاء، وبعد استعادة السّيطرة على درعا، يأمل في استعادة آخر قطعة من الأراضي، بخلاف المناطق الّتي يسيطر عليها الأكراد

في أوائل عام 2020، دفع الفهم بأنّ أوروبا، مثل النّاخبين الأتّراك، غير راغبة في قبول موجة أخرى من الّلاجئين، أنقرة إلى التّدخّل عسكريّاً، بدلاً من فتح حدودها، عندما واجه نحو مليوني نازح سوريّ في محافظة إدلب هجوماً من رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بدعمٍ من روسيا.

اقرأ أيضاً: تناقض أردوغان... الرئيس التركي يدعو أمريكا إلى مغادرة سوريا والعراق

بالرّغم من تاريخهما الطّويل، كمتنافسَين إقليميَّين، فقد أبرمت كلّ من تركيا وروسيا اتّفاقاً لوقف إطلاق النّار، في آذار (مارس)، يسري حتّى يومنا هذا، ومن المتوقّع أن تكون إدلب، آخر منطقة يسيطر عليها المتمرّدون في سوريا وعالم مصغّر للشّراكة التّركيّة الرّوسيّة المشحونة، محور المحادثات في سوتشي. وكانت موسكو ودمشق قد صعّدتا مؤخّراً ضرباتهما الجويّة في المحافظة، حيث قُتل ثلاثة جنود أتراك الشّهر الماضي، وفي الأسبوع الماضي، أرسلت تركيا آلاف القوّات الإضافيّة إلى المنطقة، ربما لردع هجوم كبير.

لا ينبغي للمرء أن يفترض أن دعم موسكو وأنقرة لأطراف متصارعة في سوريا مفُسِد لعلاقتهما، ربما لأنّ بوتين يدرك أنّ تحقيق أحد أهدافه، دقّ إسفين بين تركيا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، لن يكون سهلاً أبداً، فقد ظهر إحراز تقدّم وسط الخلاف باعتباره العنصر المحدِّد لهذه العلاقة.

في كانون الأول (ديسمبر) 2015، أسقطت تركيا طائرة روسيّة على طول الحدود الشماليّة لسوريا، وردّاً على ذلك، فرضت موسكو عقوبات على تركيا، رُفعت في الوقت المناسب لموسم السّياحة الصّيفيّ 2016، ممّا أدّى إلى موافقة روسيّة ضمنيّة على التّوغّلات التّركيّة في سوريا.

إذا كان أحد الدوافع وراء الوجود العسكريّ التّركي في سوريا، هو إثارة المشاعر القوميّة؛ فمن المحتمل أن يدفع هذا الاستياء أردوغان إلى إستراتيجيّات الخروج التّركيّة من سوريا

بين الاغتيال العلنيّ لسفير روسيا لدى تركيا في أنقرة، في أواخر عام 2016، وقتل 33 جنديّاً تركيّاً في إدلب بضربة روسيّة سوريّة مشتركة، في شباط (فبراير) 2020، تمكّن أردوغان وبوتين من الاتّفاق على شراء أنقرة المهمّ لمنظومة "إس-400"، والاحتفال معاً بافتتاح خطّ أنابيب "تُرك ستريم"، خلال هذه الفترة نفسها، واجه التّدخّل التّركيّ في ليبيا القوّات المدعومة من روسيا، وتغلّبت أذربيجان على روسيا كأكبر مورّد للغاز لتركيا وتحالف أنقرة النّاشئ مع أوكرانيا، ودعمها لتتار القرم، ممّا جعلها في معارضة مباشرة لموسكو.

اقرأ أيضاً: إخوان سوريا في 10 سنوات: حرف مسار الثورة ونشر خطاب الكراهية

في إدلب، ربما يكون وقف إطلاق النّار الأخير بين روسيا وتركيا قد وصل إلى نقطة نهايته. بالنّسبة إلى موسكو، فشلت أنقرة في التّمسّك بالاتّفاق، في تجميع متطرّفي هيئة تحرير الشّام المرتبطة بالقاعدة والقضاء عليهم، وهي الهيئة التي تسيطر على جزء كبير من المحافظة، ممّا مكّن من التّدخّل الرّوسيّ السّوري. بعد لقائه بالأسد، الأسبوع الماضي، قال بوتين إنّ العقبة الرّئيسة أمام دمشق لتوطيد سيطرتها على البلاد هي استمرار وجود القوّات الأجنبيّة دون تفويض من الأمم المتّحدة، في إشارة واضحة إلى القوّات التركيّة والأمريكيّة.

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم تركيا تنظيم القاعدة في سوريا ضد الأكراد؟

يشعر نظام الأسد أنّ الحرب أوشكت على الانتهاء، وبعد استعادة السّيطرة على درعا، الأسبوع الماضي، يأمل في استعادة آخر قطعة من الأراضي، بخلاف المناطق الّتي يسيطر عليها الأكراد في الشّمال الشرقي، والتي ما تزال خارجة عن سيطرته.

بالنّسبة إلى تركيا، فإنّ زيادة الضربات الجويّة السّوريّة والرّوسيّة في إدلب "تُلزم أنقرة بمراجعة الاتّفاقات القائمة"، كما قالت صحيفة "ديلي صباح" الموالية للحكومة.

علاوة على ذلك، يبدو أنّ أنقرة قد سئمت انتظار أن تبتعد هيئة تحرير الشّام عن التّطرّف وتعتنق الاعتدال من أجل كسب القبول الدّولي، تكمن المشكلة في أنّ البديل، وهو القضاء على هيئة تحرير الشام بالقوّة، سيُكبّد تركيا خسائر عسكريّة ويمهّد الطّريق أمام هجوم لنظام الأسد، ممّا يؤدّي إلى أزمة إنسانيّة أخرى مع فرار أعداء النّظام من المحافظة.

اقرأ أيضاً: "أنت ذاهب إلى موتك".. منظمة العفو تحذر من مصير اللاجئين العائدين إلى سوريا

إحدى القضايا الّتي قد تؤثّر على الجانب التّركيّ هي الإحباط المتزايد داخل الجيش: استقال خمسة جنرالات الأسبوع الماضي، احتجاجاً على المهام السّورية التي يرون أنّها لم تعد تُمليها الإستراتيجيّة العسكريّة، بل سياسة القائد الفرد.

إذا كان أحد الدوافع وراء الوجود العسكريّ التّركي في سوريا، كما يحاجج كثيرون، هو إثارة المشاعر القوميّة في الوطن؛ فمن المحتمل أن يدفع هذا الاستياء أردوغان إلى إيلاء اهتمام أكبر لإستراتيجيّات الخروج التّركيّة من سوريا.

هل هناك طريقة أمام تركيا لتقليص تواجدها العسكريّ بشكل حادّ في سوريا دون السّماح لموجة أخرى من الّلاجئين أو عودة قوّات سوريا الدّيمقراطيّة إلى المناطق الواقعة على طول حدودها؟ سيتطلّب ذلك بالتّأكيد تنازلات كبيرة ومقايضة، ربما تشمل دمشق وطهران، والأكراد السّوريّين، وهيئة تحرير الشّام، والجيش السّوريّ الحرّ المتحالف مع تركيا.

اقرأ أيضاً: وثائق تُثبت قيام بريطانيا بإنفاق 350 مليون جنية استرليني لدعم التنظيمات المتطرفة في سوريا

الوضع في إدلب معقّد إلى ما لا نهاية، حيث ثمّة الكثير من القطع المتحرّكة، لكنّ أردوغان قال إنّه يتوقّع اتّخاذ قرار مهمّ في سوتشي، من شأنه أن يطوّر العلاقات التّركيّة الرّوسيّة، ومهما كانت النّتيجة، علينا توقّع فائدة قليلة للتّحالف عبر الأطلسيّ، أو لأولئك الذين يقومون بنصيب الأسد من الأحياء والموتى على الأرض في إدلب وخارجها، والمزيد من الإعجاب المتبادل بهذين الزّعيمين.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 26 أيلول (سبتمبر) 2021




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية