هل يمنع النفوذ الإيراني انسحاب القوات الأمريكية من العراق؟

هل يمنع النفوذ الإيراني انسحاب القوات الأمريكية من العراق؟


21/12/2021

بعث التصريح اللافت والمثير لقائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكنزي، والذي قال فيه: "قواتنا باقية في العراق.. تهديدات داعش والفصائل المسلحة تفرض علينا ذلك الأمر"، حالة من الجدل الواسع، حول مدى جديّة الولايات المتحدة، في تنفيذ مخرجات الحوار الاستراتيجي بينها وبين العراق، والذي يقضي بانسحاب قواتها من العراق، نهاية العام الحالي، أو بالأحرى إجراء تغيير في طبيعة تواجدها، بحيث تضحى مهامها استشارية وليست قتالية.

اقرأ أيضاً: المتحدث باسم الحكومة العراقية لـ "حفريات": الانسحاب الأمريكيّ سيكون نهاية 2021

وبينما تشير معطيات دولية وإقليمية عديدة، إلى أنّ واشنطن تتجه نحو الانسحاب من المنطقة، وذلك بعدما انخرطت على مدى عقود في قضايا الشرق الأوسط، منذ عمدت إلى ملء الفراغ الاستراتيجي بالمنطقة، إثر انحسار نفوذ القوى العالمية التقليدية، تحديداً الإمبراطورية البريطانية، إلا أنّ السؤال الرئيسي الآن يتركز حول طبيعة دورها المستقبلي، والذي يتصل بضرورات أمنيّة وسياسيّة مهمة.

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي: انسحاب قوات التحالف الدولي الخاصّة بمحاربة داعش من العراق سيكون خلال أيام

ولذلك؛ لا تعد التصريحات المتباينة من دوائر سياسيّة وعسكريّة رسمية بالولايات المتحدة متناقضة، بقدر ما تبطن رؤى استراتيجية؛ حول كيفية إعادة بناء التوازنات السياسيّة والأمنيّة، من جهة، والاقتصادية التجارية، من جهة أخرى.

انسحاب أم إعادة هيكلة؟

قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إنّ انسحاب قوات التحالف الدولي، الخاصّة بمحاربة داعش، من العراق، سيكون "خلال أيام". وأضاف خلال كلمته في احتفالية مئوية الدولة العراقية في بغداد: "لن نسمح بمساس أمن واستقرار العراقيين".

وأعلن الكاظمي أنّ انسحاب القوات القتالية للتحالف الدولي، وبينها القوات الأمريكية، سيكون خلال أيام، مشيراً إلى أنّ انسحاب تلك القوات دلالة على قدرة القوات العراقيّة، بكل صنوفها، على حفظ الأمن.

 

ديفيد ديروش: إذا أريد للعراق أن يكون ذا سيادة، فيجب على العراقيين طرد عملاء إيران

 

خطوط التماس التي تجمع بغداد وطهران، تمثل المحك الرئيس إزاء تصريحات المسؤولين الأمريكيين، على خلفية التهديدات الأمنية التي ينفذها وكلاء إيران في الداخل العراقي، وكذا مخاطر تنظيم داعش، وبالتالي حضور القوات الأمريكية سيضحى رهينة لتصورات واشنطن الاستراتيجية نحو الشرق الأوسط، ومدى تطور الأمر في بغداد، سيما على مستوى حسم نتيجة الانتخابات، وقبول جميع الأطراف بها، وتطور المفاوضات مع الجانب الإيراني.

من جهته، قال المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، إنّه "ليس هناك تغيير جوهري لعدد القوات في العراق، العدد الذي سيبقى هناك في حدود 2500"، مشدداً على أنّ "القوات المتبقية لديها الحق في الدفاع عن نفسها، وتملك القدرة على القيام بذلك"، وتابع: "التهديدات ضد قواتنا في العراق لا تزال ذات مصداقية، وإذا تعرضنا لهجوم سندافع عن أنفسنا".

اقرأ أيضاً: الانسحاب الأمريكي من العراق.. هل يتركه لقمة سائغة لإيران؟

وفي حديثه لـ"حفريات" يشير الأكاديمي الأمريكي، والمسؤول السابق بوزارة الدفاع ديفيد ديروش، إلى أنّ القوات الأمريكية سوف يتحول تواجدها في العراق، من الدور القتالي إلى الدور التدريبي، مشدداً على أنّ هذا الإجراء لا يعد من قبيل إعادة التسمية؛ فهو يتضمن مهمات تدريبيّة للجنود، واستخدام معدات مختلفة ومتعددة، تختلف عن عمل القوات القتالية، مؤكداً أنّه إذا أريد للعراق أن يكون ذا سيادة، فيجب على العراقيين طرد عملاء إيران، واستطرد: "في الوقت الحالي، العراق ليست دولة ذات سيادة، إيران لديها نفوذ في أجزاء واسعة من العراق، أكثر من الحكومة العراقية، غادرت الولايات المتحدة العراق في العام 2011، ثم عادت لهزيمة داعش، ولكن هل يعتقد أحد أنّ إيران ستغادر العراق طواعية؟".

وسام الجبوري: قضية الانسحاب الأمريكي تأتي ضمن نتائج المفاوضات الاستراتيجية العراقية الأمريكية، غير أنّ ثمة تناقضاً في التصريحات الصادرة

 

وبسؤال ديروش عما إذا كان تموضع القوات الأمريكية في العراق حالياً، موجه بالأساس لمواجه النفوذ الإيراني، أجاب بالنفي، مؤكداً أنّ الوجود الأمريكي معني بالأساس بتعزيز قدرات الدولة العراقية، بالإضافة إلى بناء قدرات جديدة للقوات العسكرية الدفاعية والأمنية، بينما إيران تواصل بناء ميليشياتها؛ لإخضاع العراق لمصالحها المحليّة والإقليميّة، الأمر الذي ينبغي التخلص منه نهائياً، وإعادة العراق للعراقيين.

الانسحاب الأمريكي ومعطيات التوازن الإقليمي

على خلفية ذلك، ينبغي إدراك أنّ الإدارة الأمريكية الحالية، تنظر إلى الشرق الأوسط بدرجة اهتمام ورعاية، لا تتسق مع استمرار قواتها العسكرية في مهام قتالية، تعرّض حياة جنودها للهلاك، بيد أنّ ذلك يضحى احتمالاً إذا ما فرضته الظروف، وعلى كلٍ، فواشنطن التي تتخذ من محادثات فيينا سبيلاً لضبط طهران، ستمضي نحو إجراءات تكتيكية؛ لفرض توازنات إقليميّة، ودفع دول المنطقة لاتخاذ مواقف ومبادرات؛ بهدف تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

من جانبه، يرى رئيس المكتب التنفيذي لحركة امتداد، وسام الجبوري، أنّ قضية الانسحاب الأمريكي تأتي ضمن نتائج المفاوضات الاستراتيجية العراقية الأمريكية، غير أنّ ثمة تناقضاً في التصريحات الصادرة عن ماكنزي، والذي أشار، مرة، إلى الانسحاب، ومرة أخرى، إلى بقاء مجموعة من قوات التحالف، يتحول عملها القتالي إلى استشاري، وذلك لصالح القوات العراقية، حيث تتولى تقديم التدريب والدعم اللوجستي للأخيرة، كما سيضطرهم ذلك، في كل الأحوال، إلى الإبقاء على مجموعة تكون على استعداد قتالي للدفاع عن وجودهم من أي استهداف.

اقرأ أيضاً: هل يعيد التفجيران الانتحاريان في العراق تشكيل موقف "الانسحاب الأمريكي"؟

ويلفت الجبوري في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّ ما يسرب للإعلام لا يعكس كل ما هو متفق عليه، ومن المرجح أن تبقى  القوات الأمريكية بالعراق، خاصّة في ظل تعثر المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة؛ حيث إنّ حسم المفاوضات، أو بالأحرى المسار النهائي، سوف يفرض تداعياته على مسألة بقاء القوات الأمريكية من عدمها، وكذا طبيعة دورها المستقبلي بالمنطقة، كما أنّ واشنطن لا يبدو أنّها ستكرر خطأ باراك أوباما، بالانسحاب الكلي وتقديم العراق على طبق من ذهب لإيران، وبالتالي سيتعين عليها البقاء؛ لتحافظ على توازن القوى في المنطقة، وبعث رسائل تهدئة لبعض الدول التي تشعر بخطر إيران.

كمال الزغول: خروج القوات الأمريكية من العراق؛ سيؤدي إلى سيطرة إيران على المشهد العراقي بالكامل، كما سيؤدي إلى زعزعة إقليم كردستان، وإلى إعادة تموضع داعش في المناطق الرخوة أمنيّاً 

أما عن موقف إيران، ودور وكلائها المحليين، يؤكد الجبوري أنّ "إيران أصبح موقفها ضعيفاً، لأسباب من بينها وضعها الداخلي المتأزم؛ بسب ظروف الحصار، والضغط الدولي الهائل للعودة للمفاوضات، دون قيد أو شرط، وخسارة أذرعها السياسة في العراق للانتخابات، وكل هذا جعل طهران صاحبة موقف ضعيف داخل العراق، وغير قادرة على فرض إرادتها على الولايات المتحدة في موضوع الانسحاب".

الوضع الميداني ودلالات إعادة الانتشار

حول السياق الذي ينبغي من خلاله قراءة تصريحات المسؤولين الأمريكيين، بخصوص تواجد القوات العسكرية الأمريكية على الأراضي العراقية، يذهب الدكتور كمال الزغول، الباحث في التاريخ السياسي الأمريكي، إلى أنّ انسحاب القوات الأمريكية جاء بعد الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، ويتابع قائلاً في تصريحاته لـ"حفريات": "تداعيات الانتخابات العراقية، وما نتج عنها من اعتراضات من قبل الميليشيات الموالية لإيران، وكذا قصف منزل رئيس الوزراء العراقي بالطائرات المسيرة، وتعثر مفاوضات فيينا؛ أدّى إلى إعادة التفكير، على الأقل بتثبيت 2500 جندي أمريكي للمهام التدريبية، بحسب طلب الحكومة العراقية".

ويشير الزغول إلى أنّ ما صرّح به الجنرال ماكنزي، يعكس المعطيات الميدانية، كما يعتمد على تطورات الموقف كقائد ميداني للقيادة المركزية الأمريكية، فقد أخذ بعين الاعتبار مؤشر الإرهاب بالعراق وحركة داعش، وأيضاً استثمار نتائج الانتخابات؛ لزعزعة الأمن في العراق، والذي قد يؤدي إلى التأثير على القواعد الأمريكية في سوريا، لافتاً إلى أنّ تصريحات ماكنزي، جاءت متوافقة مع تصريح وزير الدفاع الأمريكي في مؤتمر المنامة؛ حيث قال الأخير إنّ "أمريكا ستعزز قواتها في الشرق الأوسط"، ودعمه بالإشادة بتحالف إبراهيم؛ لضمان الأمن في المنطقة.

اقرأ أيضاً: ما هي مخاوف سنّة العراق بعد الانسحاب الأمريكي؟

ويختتم الزغول تصريحاته، لافتاً إلى أنّ خروج القوات الأمريكية من العراق؛ سيؤدي إلى سيطرة إيران على المشهد العراقي بالكامل، كما سيؤدي إلى زعزعة إقليم كردستان، وأيضاً سيؤدي إلى إعادة تموضع داعش في المناطق الرخوة أمنيّاً في العراق، خاصّة في المناطق بين إقليم كردستان ووسط العراق. لذلك؛ ما جرى من انسحاب هو إعادة هيكلة للقوات الأمريكية، بحيث تضمن عملية إعادة الانتشار، التشابك والإسناد المتبادل اللوجستي، بين الواجبات في شمال وشرق أفريقيا والشرق الأوسط؛ لضمان سرعة التدخل فيما بينهما.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية