هل ينقذ بايدن الأكرادَ من براثن "المستبد" أردوغان؟

هل ينقذ بايدن الأكرادَ من براثن "المستبد" أردوغان؟


18/11/2020

"لم نتعهد بحماية الأكراد والبقاء في المنطقة 400 عام". بهذه الطريقة، أجاب الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، على سؤال أحد الصحفيين الأمريكيين، إثر قراره بسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، والذي تزامن مع العملية العسكرية التي نفذها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وعرفت بـ"نبع السلام"، ضد المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، شرق الفرات، بهدف تشكيل "منطقة آمنة" على الحدود المتاخمة لأنقرة.

الأكراد بين بايدن وترامب

مثّل الموقف الأمريكي من الوحدات الكردية، والذي رفع غطاء الحماية عنهم، بينما منح الضوء الأخضر لعملية عسكرية تركية جديدة في شرق سوريا، ذروة الخلاف والتصدع في العلاقة بين الأكراد وواشنطن، وذلك بعد التحالف الوثيق بينهما في إطار محاربة داعش، ثم هزيمتهم في معركة الباغوز، التي قضت على آخر معاقل التنظيم، المصنف على قوائم الإرهاب، في سوريا، العام الماضي.

وعليه، اتهمت القيادات الكردية واشنطن بـ"عدم الوفاء بمسؤولياتها، ودان الناطق الرسمي بلسان قوات سوريا، كينو جابرييل، الانسحاب الأمريكي من مواقع حدودية رئيسية، في شرق سوريا، وذلك في ظل تقدم القوات التركية، بنفس الوقت، وقال: كانت هناك تطمينات من الولايات المتحدة، بأنّها لنّ تسمح لأيّ عملية عسكرية تركية في المنطقة".

سياسة الحزب الديمقراطي في أمريكا، تنحاز، دائماً، للكتل غير الحكومية، والتي تتخذ منحى ثورياً؛ لذا، يتوقع أن يلقى الكرد دعماً من قبل إدارة بايدن

لذا، ثمة درجة من التفاؤل بين الأكراد، سواء على المستويات الرسمية أو بين الناشطين السياسيين والحقوقيين، باتجاه الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، في ما يخص الملف الكردي؛ إذ ترجح اتجاهات سياسية كردية عديدة، حدوث اختلاف عن إدارة ترامب، وأنّ مواقف إدارة بايدن ستكون منحازة لخياراتهم السياسية، في ظل موقفه السلبي من أردوغان، ووصفه للأخير بـ"المستبد"، إضافة إلى العلاقات الوثيقة والقديمة التي جمعت بايدن بالأكراد، منذ عقود سابقة؛ حيث زار إقليم كردستان العراق، لنحو أربع وعشرين مرة، من بينها زيارته للبرلمان، في العام 2002.

اقرأ أيضاً: هل كون بايدن رئيساً لأمريكا أمر جيد بالنسبة للأكراد؟

كما كان بايدن من بين الذين صوتوا في مجلس الشيوخ الأمريكي، العام 2003، لإسقاط نظام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، بدعوى أنّ "الديكتاتور العراقي، صدام حسين، قمع بوحشية المدنيين العراقيين: الأكراد في الشمال، والشيعة في الجنوب، والأكراد مرة أخرى".

من الذي يخشى بايدن؟

وهاجم الرئيس الأمريكي المنتخب، موقف ترامب بخصوص سحب القوات الأمريكية من شرق الفرات، والسماح بالهجوم العسكري التركي على بلدة رأس العين؛ إذ غرد عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "كان الأكراد جزءاً لا يتجزأ من مساعدتنا في هزيمة داعش، وفقد الكثيرون حياتهم. الآن، تخلى الرئيس ترامب عنهم. إنّه أمر مخزٍ".

وعبر المنصة الرسمية الخاصة بحملة بايدن الانتخابية، أوضح الرئيس الأمريكي المنتخب، أنّ ترامب قد أخفق في سوريا، أكثر من مرة، لافتاً إلى أنّه "سوف يستأنف الالتزام بدعم المجتمع المدني، وكذا الشركاء المؤيدين للديمقراطية على الأرض. كما سيضمن أن تقود الولايات المتحدة التحالف العالمي لهزيمة داعش، واستخدام النفوذ الذي تحوزه في المنطقة، بهدف المساعدة في تشكيل تسوية سياسية بسوريا، ومنح المزيد من السوريين صوتاً".

اقرأ أيضاً: لماذا ترك ترامب حلفاءه الأكراد فريسة لأردوغان؟

وفي غضون ذلك، يشكل بادين باتجاهاته السياسية التقليدية، التي تبدو متعاطفة مع حقوق الأكراد، المتواجدين في تركيا وسوريا والعراق وإيران، عامل ضغط على الرئيس التركي، لاسيما في ظل وجود حزب الشعوب الديمقراطي، المؤيد للأكراد، والذي يعد ثاني أكبر الأحزاب المعارضة، في تركيا، من حيث عدد النواب في البرلمان، بعد حزب الشعب الجمهوري "الأتاتوركي"؛ حيث سبق وصرح الرئيس الأمريكي المنتخب باتباعه "نهج مغاير من خلال دعم قيادات المعارضة التركية، وكذا الشخصيات التي لها تأثير في المجتمع، بهدف حثهم على التقدم السياسي، وإلحاق الهزيمة بحق أردوغان, وذلك عن طريق الانتخابات، والشرعية السياسية الديمقراطية، وليس عن طريق الانقلاب"، لافتاً إلى أنّ "فشل أردوغان بواسطة الانتخابات في إسطنبول، ينبغي أن يحدث مثله ويتكرر، في باقي المدن التركية الأخرى".

أردوغان يقف على أطرافه

ومن جانبه، يشير الصحافي السوري الكردي، نورهات حسن، إلى أنّ ما يجب التحدث عنه، أولاً، هو دور ترامب السلبي البالغ باتجاه الكرد، وقضاياهم السياسية، القومية والحقوقية؛ إذ إنّه في عهد أوباما اضطرت تركيا للبدء بمرحلة السلام مع الكرد في تركيا، كما أجرى زيارة لمدينة ديار بكر، بينما نجح الكرد في إقليم كردستان من تمكين إدارتهم الذاتية سياسياً، لكن في عهد ترامب خسر الأكراد الكثير، نتيجة الصفقات التي تمت بين الأخير وأردوغان؛ فخسروا كركوك بالعراق، التي تعتبر شريان الاقتصاد لإقليم كردستان، ومن ثم، عفرين، ورأس العين، وتل أبيض، شرق سوريا.

الصحفي الكردي نورهات حسن لـ"حفريات": في عهد ترامب خسر الأكراد كركوك بالعراق؛ شريان الاقتصاد لإقليم كردستان، ومن ثم، عفرين، ورأس العين، وتل أبيض، شرق سوريا

ويضيف حسن لـ"حفريات": "سياسة الحزب الديمقراطي في أمريكا، تنحاز، دائماً، للكتل غير الحكومية، والتي تتخذ منحى ثورياً، وهذا بخلاف الجمهوريين؛ لذا، نتوقع أن يلقى الكرد دعماً من قبل إدارة بايدن، ونتوقع كذلك أن يكون التواجد الامريكي في سوريا أكثر استقراراً".

كما أنّ بايدن الذي التقى فيما سبق مع مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان العراق السابق، ومسؤولين كرداً آخرين، سيواصل، على الأرجح، العمل على سياساته وانحيازاته ذاتها، بحسب حسن. وفي دولة مثل أمريكا، تلعب انحيازات الرئيس، دوراً كبيراً ومؤثراً في ما يخص السياسة الخارجية والإقليمية، مثلما حدث، مثلاً، مع ترامب الذي انحاز للحكومة التركية، فمنح لها صلاحية اجتياح سوريا.

عودة الغطاء السياسي الدولي للكرد

ويلفت الصحافي الكردي، إلى أنّ صمت أردوغان على نتائج الانتخابات الأمريكية، وعدم تهنئته لبايدن، إنّما يشير إلى انزعاج حكومة أردوغان من خسارة ترامب، ويمكن ملاحظة الجفاء أو التراجع في العلاقة مع واشطن، مع زيارة بومبيو إلى أنقرة، مؤخراً، وعدم اللقاء بمسؤولين في الحكومة التركية، وهو ما فسره الرئيس التركي بأنّه "إهانة"، حسب تعبير أردوغان، كما أنّ إدارة بايدن ستعاقب تركيا على شرائها صواريخ S400، من روسيا، الأمر الذي سيلقي بظلاله على العلاقات بين أنقرة وموسكو.

لا تختلف تقديرات الصحافي الكردي، شفان إبراهيم، عن سابقه، بخصوص تأثيرات إدارة بايدن المتوقعة، من الناحيتين السياسية والإقليمية على الملف الكردي؛ حيث يوضح أنّه كانت هناك متابعة محمومة من قبل الأكراد عموماً للانتخابات الأمريكية، كما سادت مخاوف جمة من حصول ترامب على ولاية ثانية، وذلك على خلفية ما يحتشد في ذاكرة فئات كردية متفاوتة، من صور ومشاهد صعبة، إبان انسحاب القوات الأمريكية من رأس العين، والذي ترتب عليه دخول الجيش التركي، وفصائل المعارضة السورية، المدعومة من أنقرة، لمناطقهم والسيطرة عليها، الأمر الذي تسبب في نزوح وتشريد مئات الآلاف، ناهيك عن آلاف القتلى من المدنيين.

اقرأ أيضاً: إيران: القتل الناعم للغة الأكراد

ويضيف إبراهيم لـ"حفريات": "يقتنع الكرد بعد تجارب عديدة، بفشل كل السياسات والخطط التي حاولوا تطبيقها من دون الموافقة الدولية، حيث لم تحمهم قوتهم العسكرية من التدخل التركي، ثلاث مرات، في مناطق درع الفرات وعفرين ورأس العين، كما لم يستفيدوا مباشرة سواء اقتصادياً، أو إنسانياً من انضمام قواهم السياسية إلى أطر المعارضة السورية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية