لماذا ترك ترامب حلفاءه الأكراد فريسة لأردوغان؟

لماذا ترك ترامب حلفاءه الأكراد فريسة لأردوغان؟


26/10/2020

لعبت الإدارة الأمريكية في عهد ترامب دوراً جديداً في القضية الكردية، خاصةً مع تنامي الدور التركي، الذي لا تقوم إدارة ترامب بتحجيمه، بل قامت بسحب قواتها للمرة الأولى من سوريا، تمهيداً للعملية العسكرية التي قام بها أردوغان في الشمال السوري، خلال العام الماضي، واكتفت الإدارة الأمريكية بمخاطبة أردوغان بأن يتحلّى بالإنسانية، خلال هجومه العسكري على أكراد سوريّا.  

العلاقات العربية الكردية تاريخياً، سواء في الزمن الأيوبي أو ما قبل وما بعد، علاقات استقرار، ولن يشكل الأكراد تهديداً للأمن القومي العربي، كما يفعل الأتراك

وفي ظلّ وجود أنظمة عربية عديدة تقف ضدّ مشروع التوسع التركي، ونحن على أبواب انتخابات أمريكية، يمكنها إطاحة إدارة ترامب، ومجيء منافسه جوزيف بايدن، الذي لا يروقه أردوغان، يلوّح الأكراد بورقة الضغط التي امتلكوها بعد سنوات من الحرب التركية، والمتمثلة في الدواعش الموجودين في قبضة قوات سوريا الديموقراطية.

تاريخ من التحالف تغافل عنه ترامب

رغم التحالف الطويل بين الولايات المتحدة الأمريكية والأكراد، والذي جاءت إدارة ترامب لتنقلب عليه، وتركتهم للأتراك دون حماية، تجلّى هذا عقب إعلان تركيا عزمها على غزو الشمال السوري، في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، وكان هذا التدخّل العسكري الثالث في سوريا، في فترة حكم ترامب.

 وخلال مؤتمر صحفي، أعلنَ ترامب أنّه لن يدافع عن الأكراد، قائلاً: "الأكراد لم يساعدونا في الحرب العالمية الثانية"، معللاً التخلّي عنهم، بإنفاق الولايات المتحدّة مبالغ طائلة لدعمهم، والمطلوب منهم، ليس سوى الدفاع عن أرضهم، وهذا لا يعني الولايات المتحدة في شيء.

اقرأ أيضاً: إيران: القتل الناعم للغة الأكراد

 غير أّنّ ما قاله ترامب عن الأكراد يبدو عارياً عن الصحّة؛ إذ تمتدّ العلاقات الأمريكية الكردية إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، التي قاتل فيها الأكراد ضدّ قوات النازيين، رغم عدم امتلاكهم لجيش نظامي، ودون أن تكون لهم دولة، وحتى يومنا هذا، لكن بحسب زميل معهد واشنطن للدراسات الإستراتيجية، بلال عبدالوهاب، في حوار له عبر إذاعة صوت أمريكا، أوضح قائلاً: "كان هناك جنود أكراد يقاتلون النازيين في ألمانيا، إلى جانب الجيش البريطاني، كما قاتلوا الحكومة العراقية المدعومة من النازيين وقتها، ومنذ ذلك الحين، بدأ التحالف بين الأكراد والإدارة الأمريكية، وتمّ توطيده عبر محطات أخرى في العراق وسوريا وتركيا". 

الباحث في الشأن الكردي هوشنك أوسي لـ"حفريات": أفضل سبل حلّ الصراع الكردي التركي، والذي امتدّ ليصبح تركياً عربياً، هو فتح قنوات حوار لمجابهة هذا العدو المشترك

يقع حلم الدولة الكردية، في محور هذا التحالف مع الولايات المتحدة، وفي حوار له عبر إذاعة "NPR"، يحكي الصحفي الأمريكي، آرو شابيرو: "كنت في المنطقة الكردية بشمال العراق، عام 2015، وكان مما أسمعه، مراراً وتكراراً، إذا دعمنا الولايات المتحدة بإخلاص وثبات كافٍ، فربما تدعم الولايات المتحدة رغبتنا في الحصول على دولة مستقلة"، وهو ما يفسّر امتداد هذا التحالف الذي حرصت عليه الإدارة الأمريكية، على اختلاف رؤوسها، حتى جاء دونالد ترامب، لينقلب على تحالفات أسلافه، وبحسب رئيس منتدى شرق المتوسط، الباحث محمد حامد؛ فإنّ دونالد ترامب قد انقلب على الأكراد كما لم يفعل رئيس قبله، لذلك فإنّ الأكراد يشعرون بخيانة كبيرة وطعنة وجهتها الولايات المتحدة لهم، بعد أن سمحت بتفوّق الأتراك عسكرياً وإستراتيجياً عليهم.

مَن للأكراد إذا تركتهم أمريكا؟

يتابع حامد، في تصريح لـ "حفريات": "السنوات القليلة الماضية، تعلّم فيها الأكراد أنّهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم، ثمّ تمكنّوا، للمرة الأولى، من الإمساك بورقة ضغط مهمّة، وهي معتقلو الدواعش، الذين كان من الممكن أن ينطلقوا في ربوع الأرض، لولا قوات سوريا الديمقراطية التي أحكمت قبضتها عليهم، والحديث عن إطلاق سراحهم هي كارثة يخشاها الجميع؛ لذلك يبدو أنّ الأكراد أدركوا قوة الورقة التي يمسكون بتلابيبها، للضغط على إدارة ترامب، في حالة فاز في هذه الدورة، لكبح جماح الأتراك، خاصة في الشمال السوري".

مثلّت العملية التركية في الشمال السوري، صدمة كبيرة للأكراد، الذين وجدوا أنفسهم، مهددين بالتطهير العرقي؛ إذ يسكن قرابة مليونَي كردي منطقة الشمال، التي رغب أردوغان في إعادة تأمينها، وتوطين اللاجئين السوريين فيها، ورغم ذلك؛ صمتت الولايات المتحدة عن هذه الجريمة، واكتفت بالتلويح بعقوبات اقتصادية على تركيا، على غرار الاتّحاد الأوروبي، وحتى الآن لم تتلقَّ تركيا أيّة عقوبات تذكر جزاء تعدياتها الصارخة، لكن مع بداية الشهر الجاري، لوّحت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، باحتمال إطلاق سراح دواعش مخيّم الهول، والذي يضمّ مئات الآلاف من سجناء داعش، وأغلبهم من النساء والأطفال، جاء هذا التلويح في وقت حرج؛ إذ تنهمك الولايات المتحدة في انتخابات وشيكة يتنافس فيها جوزيف بايدن، ودونالد ترامب، إضافة لكارثتها الاقتصادية والصحيّة، جراء وباء كورونا المستجد، الذي تعدّ الولايات المتحدة أكثر دول العالم تضرراً به، وهو ما رآه مراقبون توقيتاً مقصوداً من الأكراد، الذين يشعرون بالخذلان من الدولة الوحيدة التي وقفت إلى جوار قضيتهم، بعد سنوات من التهميش في كافة البلدان التي يقطنون فيها (العراق، سوريا، تركيا، إيران).

اقرأ أيضاً: كيف يحارب أردوغان الأكراد بورقة النفط السوري؟

سبقت العملية الأخيرة في الشمال السوري عمليتان متتاليتان، كانت الثالثة المحطّة الفارقة بين إدارة ترامب والأكراد؛ الأولى كانت عام 2016، ومع تولي ترامب زمام السلطة، بدأ أردوغان في اقتحام سوريا، بذريعة محاربة داعش، غير أنّ هدفه الأول كان القضاء على حزب الاتّحاد الديمقراطي الكردي، والذي يعدّه أردوغان امتداداً لحزب العمال الكردستاني، والذي تصنّفه تركيا إرهابياً، لاعتبارات الحرب المستمرة بينهما منذ أربعة عقود.

العرب والأكراد... تركيا العدوّ المشترك

 شهدت السنوات الأربع الأخيرة، في ظلّ حكم ترامب، توحّشاً غير مسبوق للنظام التركي، وعداءً صريحاً للأكراد، وموجات من القمع غير المسبوق، شهدها أكراد تركيا، وعلى الصعيد العربي؛ هناك الرفض القاطع لمطامع الخليفة الجديد، ونزواته التوسعية في سوريا وليبيا والعراق واليمن، ومؤخراً في دول الساحل والصحراء الأفريقية، ورغم أنّ العدو واحد، لكلّ من العرب والأكراد، تبقى مساحات الحوار منعدمة بين الجانبين، وهو ما يؤكد عليه الكاتب والباحث في الشأن الكردي، هوشنك أوسي، الذي يرى أنّ أفضل سبل حلّ الصراع الكردي التركي، والذي امتدّ ليصبح تركياً عربياً، هو فتح قنوات حوار بين الجانبين، والاصطفاف لمجابهة هذا العدو الذي استفحلّ شرّه.

يضيف أوسي، في تصريح لـ "حفريات": "على الصعيد الشخصي؛ لست مع التلويح بورقة المعتقلين الدواعش، لدى قوات سوريا الديمقراطية، في سبيل تشكيل نوع من الضغط على الإدارة الأمريكية، هذا الأسلوب يشبه أسلوب أردوغان، عندما يلوّح بورقة اللاجئين في وجه أوروبا، هناك خيارات يمكن استخدامها للضغط على ترامب، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، وسبق لي في حوار سابق معكم، أن ذكرتها؛ فإنّه من مصلحة مصر، ودول الخليج التي تشعر بخطر من التدخّل والتمدد التركي في المنطقة، من حقّها فتح قنوات حوار مع الأكراد بشكل عام، والأكراد في سوريا على وجه الخصوص".

اقرأ أيضاً: كيف غازل داود أوغلو الأكراد في تركيا؟ وما رأي أردوغان؟

يتابع أوسي: "وحين أقول الأكراد، أقصد جميعهم، ولا أحدّد تياراً معيناً، بالتالي؛ العلاقات العربية الكردية تاريخياً، سواء في الزمن الأيوبي أو ما بعد، أو حتى ما قبل، أيضاً هي علاقات استقرار، ولن يشكل الأكراد في يوم من الأيام تهديداً للأمن القومي العربي، بقدر ما شكّل الأتراك، وبالتالي كلّ سياسات التهويل والتضخيم، من الحقوق الكردية، كان منشأه من التيارات القومية العربية، سواء الناصرية أو غيرها، هناك مصلحة مشتركة للأكراد وللعرب، بحكم التاريخ والجغرافيا والمصالح والمخاطر المشتركة أيضاً، هناك مصلحة تمليها كلّ هذه الاعتبارات والتحديات، ليكونوا في خندق واحد، إن جاز التعبير، لتشكيل محور إستراتيجي وليس تكتيكياً مرحلياً، حتى إذا زالت المخاطر التركية، ينبغي أن يستمرّ التحالف الكردي العربي، ولا يجب أن يقترن بالمخاطر التركية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية