واشنطن تتكبد خسائر من دعمها لإسرائيل. إلى متى؟

واشنطن تتكبد خسائر من دعمها لإسرائيل. إلى متى؟


06/06/2021

في ظلّ إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ثمّة ضغوطات جمّة لجهة مراجعة المساعدات التي تحصل عليها إسرائيل، الأمر الذي كشف عن تناقضات أو بالأحرى خلافات بين البلدين، وقد خدشت الصورة التقليدية بخصوص تحالفهما وارتباطهما التاريخي، وتبعاً للتغيرات السياسية الدولية، والمصالح الجيوإستراتيجية، تبدو العلاقة بين واشنطن وتل أبيب تنسحب من مربع الدعم "غير المشروط"؛ إذ تساءل السيناتور، بيرني ساندرز، عن حجم النفقات التي ترسلها الأولى إلى الأخيرة، وطالب بضرورة "إمعان النظر" في قضية المساعدات ومتابعتها.

الدكتور محمد الديهي لـ"حفريات": بات من الواضح، الآن، أنّ الدعم الأمريكي لإسرائيل يكبّد الأولى تكاليف باهظة، خاصّة فيما يتصل بوضع ومكانة الولايات المتحدة عالمياً

وبحسب هيئة المعونة الأمريكية؛ فقد احتلت إسرائيل المرتبة الثانية بعد أفغانستان فيما يتّصل بحجم المساعدات الخارجية، عام 2019. بيد أنّه في العام الماضي، بلغت قيمة المساعدات المالية قرابة 3.8 مليار دولار، والتي كانت ضمن المخصصات المالية التي حددها الرئيس السابق، باراك أوباما، بناء على اتفاق يقضي بمنح مساعدات قيمتها نحو 38 مليار دولار، لمدة عقد كامل، في الفترة بين عامي 2017 و2028.

بايدن وإسرائيل.. نحو علاقات طبيعية

بيد أنّ إدارة الرئيس بايدن بدأت تعيد النظر في مجموعة من الإجراءات الاستثنائية التي تحظى بها إسرائيل، ومراجعة بعض الخطوات المتعسفة التي قامت بها الإدارة السابقة لدونالد ترامب، من ضمنها وقف المساعدات للفلسطينيين؛ إذ قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في بيان رسمي، إنّ "المساعدة الأمريكية للشعب الفلسطيني تخدم مصالح وقيم الولايات المتحدة، إنّها تمنح مساعدة حيوية لمن يحتاجون إليها، وتسهل التنمية الاقتصادية وتدعم الحوار الإسرائيلي الفلسطيني وتنسيق الأمن والاستقرار".

كما أوضح أنّ المساعدات تشمل "150 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للأونروا، و75 مليون دولار مساعدات اقتصادية وتنموية في قطاع غزة والضفة الغربية، و10 ملايين دولار لبرامج دعم السلام عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية".

اقرأ أيضاً: "الإخواني" الإسرائيلي

وهو ما جعل إسرائيل تعقّب على ذلك بأنّ "استئناف التمويل الأمريكي لوكالة أونروا يجب أن يتم ضمن تغييرات في الوكالة التابعة للأمم المتحدة"، كما أوضحت وكالة "رويترز" للأنباء؛ أنّ إدارة بايدن تنوي تقديم مساعدات قيمتها "235 مليون دولار، على الأقل، للفلسطينيين، لتستأنف تقديم جزء من المساعدات التي حجبها الرئيس السابق، دونالد ترامب"، وتابعت: "هذه الخطوة تأتي في إطار مساع لإصلاح العلاقات الأمريكية مع الفلسطينيين التي انهارت تقريباً، خلال حكم ترامب".

اقرأ أيضاً: عضو في الكنسيت يهاجم الإخوان المسلمين في إسرائيل.. ماذا قال؟

تمثل المساعدات الأمريكية لإسرائيل أهمية قصوى، خاصة أنّ غالبيتها مخصصة لشراء وتطوير المعدات العسكرية والتكنولوجيا الحربية؛ إذ حصلت إسرائيل، العام الماضي، على ثماني طائرات بوينغ من طراز "كي سي-46 إيه" "بيغاسوس"، وتبلغ قيمتها نحو 2.4 مليار دولار، إضافة إلى حصولها على 50 طائرة مقاتلة من طراز "إف-35"، وقامت بتطوير النظم الدفاعية المضادة للصواريخ، ومن بينها نظام القبة الحديدية، والأخيرة تكلفت، منذ عام 2011، 1.6 مليار دولار.

تكاليف الدعم الأمريكي لإسرائيل

لكن بات من الواضح، الآن، أنّ الدعم الأمريكي لإسرائيل يكبد الأولى تكاليف باهظة، خاصة فيما يتصل بوضع ومكانة الولايات المتحدة عالمياً، حسبما يوضح الدكتور محمد الديهي، الباحث المصري في العلوم السياسية، لا سيما في ظلّ التنافس الجيوسياسي مع دول صاعدة عالمياً مثل الصين وروسيا، وقد تعرضت واشنطن للانتقاد من بكين في الحرب الأخيرة على غزة، على خلفية الدعم "غير المشروط" لإسرائيل.

الباحث المتخصص في العلوم السياسية محمد الديهي

ويوضح الديهي لـ "حفريات": "دخلت وسائل التواصل الاجتماعي كمعبّر وناقل لحقوق الشعب الفلسطيني؛ حيث كشفت التجاوزات والانتهاكات التي تجري في القدس، بينما لم تستطع إسرائيل محوها، هذه المرة، كما كانت تفعل في السابق، ومن هنا برز الخلاف الأمريكي الإسرائيلي الحالي؛ ففي ظلّ تبني الولايات المتحدة قيماً مثل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، فإنّها تحتاج إلى تثبيت هذه الصورة من دون أن تهتز، ومن الواضح أنّ الملف الحقوقي سوف يكون مسار جدل كبير في الولايات المتحدة، خاصة مع الانتهاكات الموثقة للإسرائليين بحق الفلسطينيين".

المناظرة الدائرة في الولايات المتحدة حول إسرائيل تحتدم، خاصة بعد جائحة كورونا وبناء خطة أمريكية جديدة تتعلق بالمسرح العالمي ككل، وليس، فقط، الشرق الأوسط

وبحسب الديهي، فإنّ هناك عوامل أخرى غير القيم الأمريكية، وملف حقوق الإنسان، تجعل الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل يبرز ويتفاقم، ومن بينها علاقة الأخيرة بالعديد من القوى الدولية الصاعدة في العالم، وذلك في الوقت الذي لا تعلم فيه أمريكا الكثير عن شكل تلك العلاقات أو حجمها، تحديداً مع موسكو وبكين، كما أنّ الإدارة الأمريكية الحالية "تشعر بالحرج نتيجة الدعم غير المشروط لإسرائيل، والذي يكلّف الاقتصاد الأمريكي كثيراً من الخسائر المالية والعسكرية؛ إذ إنّ المخصصات المالية التي تقدمها أمريكا وتستغلها إسرائيل في تطوير الجانب العسكري لديها، تتجاوز الـ ـ3 مليار دولار سنوياً، بينما تحتل الأخيرة المرتبة التاسعة عشر عالمياً من حيث مستوى دخل الفرد".

اقرأ أيضاً: المعارضة الإسرائيلية تقترب من الإطاحة بنتنياهو... ما علاقة القائمة العربية؟

وتظلّ تكاليف حماية إسرائيل التي تكبدتها الولايات المتحدة في المنطقة عالية للغاية، بحسب الباحث المصري المتخصص في العلوم السياسية، خاصة أنّ واشنطن قدمت أكثر مما ينبغي، بحسب رؤية البعض في الإدارة الأمريكية، بينما لم تقدّم للفلسطينيين أيّ شيء يذكر في المقابل، ناهيك عن العداء الذي خلقته إسرائيل للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ويردف: "من بين الأمور التي تفاقم الخلاف بين البلدين، إعادة الاتفاق النووي مع طهران، حيث ترى إسرائيل أنّ الصيغة التي تسعى لها الولايات المتحدة لا تضمن أمنها".

تناقضات الولايات المتحدة

يتفق والرأي ذاته، أستاذ العلوم السياسية الأمريكي بجامعة هارفارد، ستيفن والت، في مقاله في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، والذي يشير إلى أنّ الوقت قد حان لنقل الولايات المتحدة علاقتها بإسرائيل من مربع "العلاقة المميزة" إلى علاقة "طبيعية"، لافتاً إلى أنّ "مرور عقود من الحكم الإسرائيلي الوحشي، قضى على الحجة الأخلاقية للدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل؛ إذ قامت إسرائيل بتوسيع المستوطنات وحرمت الفلسطينيين من حقوقهم السياسية المشروعة، وعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، واستخدمت القوة العسكرية لقتل وإرهاب سكان قطاع".

 وتابع: "الدعم غير المشروط لإسرائيل يجعل من الصعب على الولايات المتحدة المطالبة بـالمكانة الأخلاقية العالية على المسرح العالمي، حيث إنّه عندما تقف الولايات المتحدة بمفردها، وتستخدم حقّ النقض (الفيتو) ضدّ ثلاثة قرارات منفصلة لمجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار، تعيد التأكيد، مراراً وتكراراً، على حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وتفوض بإرسال أسلحة إضافية بقيمة 735 مليون دولار لإسرائيل، وتقدم للفلسطينيين خطاباً فارغاً فقط حول حقهم في العيش بحرية وأمن مع دعم حلّ الدولتين، فإنّ ادّعاءه بالتفوق الأخلاقي مكشوف باعتباره أجوفاً ومنافقاً".

اقرأ أيضاً: إسرائيل تطلب الدعم العسكري من الولايات المتحدة... ما علاقة حماس؟

وفي حديثه لـ "حفريات"، يشير الدكتور كمال الزغول، الباحث في التاريخ السياسي الأمريكي؛ إلى أنّ العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي علاقة براغماتية ومصلحية "تُستخدم فيها إسرائيل كأداة؛ وهذه الأداة لها حدود سياسية لا تتخطاها، لأن تجاوزها يؤثر على مصالح الولايات المتحدة ومصالح الدول الأوروبية".

متى تؤثر إسرائيل على مصالح الولايات المتحدة؟

كي تبقى الحليفة الأساسية للولايات المتحدة قائمة بالحدود المطلوبة، يتطلب ذلك دعماً اقتصادياً مقابل الحفاظ على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؛ بحسب الزغول، حيث تتلقى إسرائيل مساعدات سنوية تتجاوز 10 ملايين دولار، وكانت الدفعة السنوية، منذ رئاسة أوباما، تقارب 3.8 مليار دولار؛ 500 مليون منها، فقط، لدعم مشروع التعاون الأمريكي الإسرائيلي لبناء قدرات الدفاع الصاروخية الإسرائيلية  كالقبة الحديدية، وهذا الرقم قد أثار حفيظة الديمقراطيين، حيث يرون أنّ كلفة الإنفاق على إسرائيل تفوق حجم المصلحة المتأتية من سياستها.

اقرأ أيضاً: لماذا يجب على الولايات المتحدة إنهاء العلاقة الخاصة مع إسرائيل؟

وعلى ما يبدو؛ فإنّ المناظرة الدائرة في الولايات المتحدة حول إسرائيل تحتدم، هذه الأيام، خاصة بعد جائحة كورونا وبناء خطة أمريكية جديدة تتعلق بالمسرح العالمي ككل، وليس، فقط، الشرق الأوسط، كما يوضح الباحث في التاريخ السياسي الأمريكي، وتحديداً عندما نتحدث عن محاولة "الصين الصعود على حساب مصالح الولايات المتحدة؛ وبعيداً عن المساعدات المتعلقة بإسرائيل، قد يساهم صعود بكين، تكنولوجياً واقتصادياً، في تراجع دعم الولايات المتحدة لإسرائيل؛ إذ لن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية للأخيرة بإعاقة الخطة الأمريكية الجديدة في العالم".

ويختتم: في الولايات المتحدة هناك فريقان؛ فريق يرى أنّ الولايات المتحدة كانت تدعم إسرائيل بعد الحرب الباردة لسبب واحد فقط، يتصل بمنع الدول في المنطقة من الإنجرار إلى المعسكر السوفييتي، والفريق الآخر، يرى أنّ إسرائيل تأخذ الأموال من دافعي الضرائب الأمريكيين وقد أصبح ذلك الأمر عبئاً عليهم، لا سيما مع وجود تحالفات عربية مع الولايات المتحدة، والفريق الأخير يرى أنّ أمريكا تدفع لمشاريع التكنولوجيا العسكرية في إسرائيل تحت مسميات أمريكية، لكنّ إسرائيل هي الوحيدة المستفيدة من نتاج تلك المشاريع، حيث تبلغ القيمة المضافة من الصناعات العسكرية الإسرائيلية 9% من الاقتصاد الإسرائيلي، وهذا الفريق يرى ضرورة وأفضلية العلاقة الطبيعية مع إسرائيل، مثلها مثل باقي الدول".

ويختتم: "في ظلّ صعود منافس عالمي للولايات المتحدة، وهو الصين، فلا يمكن المحافظة على القطبية الأمريكية من دون تبني مبادئ حقوق الأنسان؛ وهي مصلحة عليا وأولوية أمريكية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية