وفاة محامية معتقلة في إسطنبول: أردوغان يذبح العدالة

وفاة محامية معتقلة في إسطنبول: أردوغان يذبح العدالة


31/08/2020

تبعث قضية وفاة المحامية الحقوقية التركية، إبرو تيمتك، المحكوم عليها بالسجن لمدة 13 عاماً، في إحدى مستشفيات إسطنبول، إثر دخولها في إضراب عن الطعام، منذ 238 يوماً، بسجل تجاوزات النظام التركي إزاء ملف حقوق الإنسان، والذي يحفل بانتهاكات جمّة، وممارسات عدوانية عديدة؛ إذ لا تعدو الحالة الأخيرة سوى حلقة معقدة ضمن حلقات أخرى مماثلة، تحمل نفس السياق والمآل، لا سيما أنّ المحامية التركية من أصول كردية، أضربت عن الطعام "للمطالبة بمحاكمة عادلة"، لا تختلف كثيراً عما تعرّضت له المغنية التركية اليسارية، هيلين بولاك؛ حيث قضت في سجنها بعد استخدامها السلاح نفسه (الإضراب)، لمدة 288 يوماً، وذلك قبل نحو أربعة شهور.

النظام التركي إذ ينتقل من القمع إلى القتل

"الدولة القاتلة مسؤولة"؛ أحد الهتافات المعارضة التي احتج بها المشيعون أثناء جنازة المحامية التركية، التي تم القبض عليها، عام 2017، على خلفية قضايا تتعلق بالإرهاب؛ حيث شرعت، مع عدد من المقبوض عليهم، في تنفيذ إضراب تدريجي، منذ نيسان (أبريل) الماضي، حتى انقطعت عن الطعام والشراب، فضلاً عن المكملات الغذائية، بحسب ما أعلنته شركة "قانون الشعب للمحاماة"، التي تتولى الدفاع عنها.

شهدت محاكمة المحامية التركية خروقات قانونية عديدة

أثناء دفن المحامية التركية، شمال إسطنبول، واصلت قوات الأمن ممارساتها العدوانية، فاستخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق أصدقاء المحامية وذويها إبان وداعها بالقوة، عند مسجد الطائفة العلوية، شمال إسطنبول؛ حيث اعتقلت أربعة أشخاص من أصدقائها، كما حاصرت المنطقة التي أقيمت فيها الجنازة، وقد احتشدت سيارات الشرطة، بينما ظهرت مروحية في محيط وفضاء المكان.

وصفت البرلمانية التركية المعارضة، سيرا كاديجيل، ما حدث مع المحامية التركية، بأنّه قتل وليس مجرد موت بسبب الإضراب عن الطعام، وقد قتلت بسبب الظلم لا الجوع

شهدت محاكمة المحامية التركية خروقات قانونية عديدة؛ إذ تشير جميعة المحامين التقدميين؛ أنّ الأوراق المرفقة بالقضية، التي كانت بمثابة أدلة ثبوت على الاتهامات الموجهة ضدّها "مزورة"، كما أنّ المحكمة رفضت طلب جهة الدفاع بشأن التحقّق من تلك الأوراق والوثائق، فضلاً عن الاطلاع على نسخة منها، بينما كان يتوجب قانوناً على المحكمة، إرسال تقرير المحكمة الابتدائية بعد الحكم الأول إلى محكمة الاستئناف، وهو ما لم يحدث، مما يعني أنّ "المحاكمة لم تجرّ تقييماً قانونياً".

اقرأ أيضاً: تركيا الأسيرة في عهد أردوغان: تقييد الحريات والمتاجرة بالشعارات الدينية

التجاوزات القضائية في تركيا لم تعد حالة استثنائية أو حادثة فردية، إنما تمثّل ممارسات ممنهجة في ظلّ سياسة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بهدف قمع وترهيب المعارضين، وذلك إثر الصلاحيات العديدة التي حظي بها فيما يتصل بالسلطتين التشرعية والتنفيذية، مؤخراً، بعد التحوّل إلى النظام الرئاسي؛ حيث سبق أن حصلت الروائية التركية، أصلي أردوغان، على البراءة من التهم الموجهة ضدّها، في آذار (مارس) الماضي، بيد أنّها أعلنت عدم عودتها إلى أنقرة، خشية توقيفها، مرة أخرى، ما سيعني "الموت"، بحسب تعبيرها.

حدث ذلك مع عثمان كافالا

الأمر ذاته، حدث مع الناشط التركي في حقوق الإنسان، عثمان كافالا؛ حيث حصل على براءة من محكمة سيليفري، منتصف آذار (مارس) الماضي، لكنّ النيابة العامة أصدرت بحقّه مذكرة اعتقال، وعليه، تمّ اعتقاله بعد ساعات قليلة من الإفراج عنه، وحصوله على حكم البراءة من القضاء، كما أنّ القاضي ذكر في حيثيات حكمه؛ "ليست هناك أدلة ملموسة ضدّ المشتبه فيه".

اقرأ أيضاً: أردوغان يواصل قمع الحريات واستهداف الحقوقيين في تركيا.. ما الجديد؟

دانت مؤسسات حقوقية، محلية وأجنبية، ما حدث مع المحامية التركية؛ بل حمّلت النظام التركي أسبابه ونتائجه المأساوية؛ حيث رأى حزب "الشعوب الديمقراطي" أنّ وفاة تيمتك كانت "نتيجة حتمية للإهمال الحكومي لظروفها الصحية في السجن الذي كانت تقبع فيه، منذ أيلول (سبتمبر) عام 2017".

 الناشط التركي في حقوق الإنسان، عثمان كافالا

 وقال سينان زينجير، المحامي الخاص بالدفاع عن تيمتك: إنّ "الحكومة والنظام القضائي قتلا رفيقتنا وزميلتنا الشابة العضو في جمعية المحامين المعاصرين"، وطالب الأخير وسائل الإعلام بضرورة الكشف عن "الوجه القذر للفاشية التركية".

وعبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وصفت البرلمانية التركية المعارضة، سيرا كاديجيل، ما حدث مع المحامية التركية، بأنّه قتل وليس مجرد موت بسبب الإضراب عن الطعام، وقد قتلت بسبب الظلم، لا الجوع، حسبما أوضحت، حيث غردت: "لقد فارقت إِبرو تيمتك الحياة، لكنّها لم تمت من الجوع وإنّما من الظلم. لقد قتلت".

اقرأ أيضاً: تقارير الحريات حول تركيا: كيف تجتمع الديمقراطية والاستبداد؟

وإلى ذلك، دان الاتحاد الأوروبي وفاة المحامية الكردية، مشيراً إلى أنّ "ما حصل معها دليل على تردي حقوق الإنسان في البلاد، وعدم حصول المعتقلين في سجونها على محاكمات عادلة"، كما أوضح في بيان رسمي: أنّ "المحامية إبرو تيمتك هي رابع شخص يتوفى في السجون التركية، منذ بداية العام، نتيجة الإضراب عن الطعام".

إدانة النظام التركي

وشدّد الاتحاد الأوروبي في بيانه على أنّ "وفاة المعتقلين الأربعة، ونضالهم للحصول على محاكمات عادلة دليل على الحاجة الملحة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في تركيا، التي تدهورت بشدة خلال الأعوام الماضية"، كما طالب الاتحاد الأوروبي النظام التركي بأن "يظهر بشكل طارئ تحسناً ملحوظاً في حكم القانون واحترام الحريات الأساسية".

الصحفي مصطفى عبدي لـ "حفريات": هذه الجريمة المرتكبة من قبل نظام أردوغان، بحقّ إبرو تيمتك، تعدّ جزءاً من مسلسل الجرائم والانتهاكات التركية، المستمرة منذ عقود

في حديثه لـ "حفريات"، يشير مصطفى عبدي، الصحفي المتخصص في الشأن التركي، إلى أنّ هذه الجريمة المرتكبة من قبل نظام أردوغان، بحقّ إبرو تيمتك، تعدّ جزءاً من مسلسل الجرائم والانتهاكات التركية، المستمرة منذ عقود؛ فالمحامية التركية الكردية، لم تمت جوعاً أو لأنّها أضربت عن الطعام، إنّما ماتت بسبب متوالية الظلم والتعذيب النفسي والجسدي، الذي تراكمه السلطات التركية على المعتقلين في سجونها.

ويضيف: "انتهاكات النظام التركي بحقّ المعتقلين، موثّقة في تقارير وشهادات، صحفية وحقوقية، وذلك لدى جهات أممية ومحلية؛ بيد أنّ النظام التركي لم يكتف بقتل المحامية والناشطة الكردية، إنّما عمد لاختطاف جثمانها، وقام بالاعتداء على المشيعين، فضرب بعضهم واعتقل البعض الآخر، كما أطلقت الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع، وطاردت المئات أثناء مراسم الدفن، وقد هتف المشيعون "تيمتيك خالدة" و"الدولة القاتلة مسؤولة"، وذلك بعد أن وضعوا رداء المحاماة الخاص بها والزهور على قبرها".

اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي التركي.. انتهاكات للحريات وحقوق الإنسان

ويلفت عبدي إلى أنّه "ما يزال هناك سبعة من زملاء الصحفية التركية، يواصلون إضراباً عن الطعام، منذ شباط (فبراير) الماضي، وربما يتعرضون لمصيرها نفسه، في مواجهة استبداد نظام أردوغان، في ظلّ صمت المجتمع الدولي عن القمع والإجرام بحقّ المواطنين الكرد وغيرهم في تركيا، بيد أنّ مأساة تيمتك تتمثل في حجم القمع الذي تمارسه أجهزة الرئيس التركي بحقّ النشطاء، ومعارضي النظام، من جهة، والظلم والترهيب الذي يمارسه وكلاء أردوغان في السجون دون محاسبتهم، من جهة أخرى؛ فالسجون التركية باتت ممتلئة بالنشطاء، ودعاة حقوق الإنسان، وكذا المعارضين، فيما أطلق أردوغان سراح آلاف المجرمين واللصوص بمرسومٍ بحجة كورونا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية