هل المرأة أكثر استجابة للخطاب الديني من الرجل؟

 هل المرأة أكثر استجابة للخطاب الديني من الرجل؟

هل المرأة أكثر استجابة للخطاب الديني من الرجل؟


20/08/2023

إنّ معيار تقدم مجتمع ما أو تخلفه؛ هو نظرته إلى المرأة وطريقة تعامله معها وتفهمه لقضاياها على أنّها مساوية للرجل في الحقوق المدنية: الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وفي الحقوق السياسية، وكذلك في الواجبات الأخلاقية والالتزامات القانونية، فمن البديهي والثابت أنّ جميع الأفراد (إناثاً وذكوراً) في كافة المجتمعات مختلفون ومختلفات، في طرائق التفكير والإدراك والفهم، ومدى الاستجابة للأفكار والمعتقدات، سواء منها الاجتماعية أو الدينية أو السياسية، على الرغم من ترابط هذه الأفكار والمعتدات.

السؤال المطروح أعلاه ينطوي على افتراض أنّ النساء أكثر استجابة للخطاب الديني وأكثر تأثراً به من الرجال. ومن الصعب الجزم في مسألة الإيمان؛ لأنه من قضايا الضمير، ولا يتجلى إلا في السلوك والعلاقات المتبادلة بين الأفراد، لكن الرائز الأساسي هو ما يقدمه الخطاب الديني لكل من الرجال والنساء، ففي حين يحض النساء على العفة والطاعة والتماس مرضاة الرجل، يعزز سلطة الرجال على النساء والذكور على الإناث.

اعتادت المجتمعات المتأخرة على تقديس السلطة بجميع أشكالها العائلية والدينية والسياسية والذكورية

فقد اعتادت المجتمعات المتأخرة على تقديس السلطة بجميع أنواعها وأشكالها؛ السلطة العائلية، والسلطة الدينية، والسلطة السياسية، ومن ثم، السلطة الذكورية التي تسم هذه المجتمعات الأبوية منذ آلاف السنين، وكل من يعارض تلك السلطات أو ينقدها يُعتبر عاقاً، وزنديقاً، وخائناً، والحيف الأكبر يقع على المرأة حين تخالف السلطة الذكورية في المقام الأول، كما اعتادت التربية الاجتماعية ومن بعدها النظم التعليمية، على تلقين الأجيال الناشئة الخضوع للسلطة بكافة أشكالها، والتمييز بين الأنثى والذكر، مما تكرّس وتجذّر هذا التمييز في ذهنية الأفراد وبالتالي في الذهنية المجتمعية.

اقرأ أيضاً: السجن المقدس: المرأة حرةٌ في النصوص عبدة في التفسيرات

الخطاب الديني هو خطاب سلطة بوجه عام، والسلطة الدينية هي دعامة السلطة السياسية وعماد السلطة الذكورية، ويحمل في طياته افتراضات مسبقة أو مسلمات بأنّ جوهر الأديان لا يمكن تعديله حسب المتغيرات الزمانية أو المكانية لدى المجتمعات؛ وعلى ضوء هذا الخطاب تكون النساء أكثر استجابةً له من الرجال؛ لأن الدين من وجهة نظر النساء هو وعد بالخلاص، تماماً كما كانت الشيوعية في نظر الفقراء والطبقة العاملة، إضافة إلى ذلك تنظر النساء إلى الدين على أنه السبيل الوحيد للاعتراف بأهليتهنّ الاجتماعية: بنات مطيعات، وزوجات مصونات، وأمهات فاضلات، وجميعهنّ موعودات بالجنة، فخروج المرأة على الأوامر والنواهي الدينية، مثل خروجها على العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، وهذا الأمر غير مقبول دينياً واجتماعياً، ويعرضها لعواقب وخيمة، من ثم يجردها من الشرف والكرامة حتى من قِبل بنات جنسها، ويمكننا القول إنّ تدين النساء وامتثالهنّ للأوامر والنواهي الدينية، جعلهنّ مؤتمنات من المجتمع على تربية الأولاد والبنات. والمجتمع، إضافة إلى الأزواج، يحملهنّ مسؤولية نشوز الأولاد والبنات أكثر ما يحمل تلك المسؤولية للرجال. أما الرجال فلا يرون في الدين إلاّ أداةً لتعزيز السلطة والسيطرة على النساء، والوصاية والقوامة عليهنّ، لذلك يتسم غالبية خطاب المتدينين بالذكورية دوماً، باستثناء التقاة من الرجال والمؤمنين حقاً، والذين يتجلى إيمانهم في سلوكهم الأخلاقي. بالرغم من تأكيد الخطاب الديني والجهات الدينية الرسمية، على المساواة بين النساء والرجال في الحقوق المدنية؛ إلاّ أنّ واقع الحال لا يقول ذلك، وإلّا لماذا ما نزال نرى مراكز الدفاع عن حقوق المرأة وحريتها، ومؤتمرات مناهضة التمييز ضد المرأة، وصيحات التحرر وغيرها؟

الخطاب الديني هو خطاب سلطة بوجه عام، والسلطة الدينية هي دعامة السلطة السياسية وعماد السلطة الذكورية

"الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم"، (النساء 4/34). مع المتغيرات التي حصلت مع تغيّر الزمن، من حداثة وتطور، ومع زيادة فرص العمل النسبية المتاحة للمرأة، غير أنها ما تزال تخضع لموافقة الزوج عليه، وإن خرجت دون موافقة الزوج أو الأب أو الأخ تُعتبر ناشزاً دينياً، وغير مطيعة اجتماعياً، فكل قيمة دينية تقابلها قيمة اجتماعية، (الحرام في الدين يقابله العيب في المجتمع)، فتحرر المرأة اقتصادياً من وجهة نظر الدين هو خروج مبين عن طاعة الزوج وإعلاء من شأن المرأة التي هي أقل من الرجل بدرجة، بل بدرجات؛ وقد ذكر المركز المصري لحقوق المرأة أن الدكتورة ناديا رجب السيد، رئيسة قسم الإرشاد والتوجيه الأسري بمركز معوقات الطفولة بجامعة الأزهر ترى: "أن استقلال المرأة الاقتصادي وخروجها للعمل هو وراء معظم المشاكل الزوجية، بعد أن كان الزوج هو حياة المرأة كلها، وأن استقلال المرأة اقتصادياً هو تمرد على زوجها". ويقول المودودي: "إن خروج المرأة للعمل هو انقياد نساء المسلمين نحو تقاليد غربية، وإن إعطاء المرأة دوراً إنتاجياً رئيسياً يرسخ استقلالها الذاتي، وهو تجاوز للنظرة التكوينية للمرأة" وعلى الرغم من انتشار البطالة وقيام بعض النساء بالإنفاق على أطفالهن وأزواجهن، إلاّ أن الشريعة والقانون لا يمنحان النساء حق القوامة على أزواجهن أو حق الوصاية على أطفالهن.

المودودي: خروج المرأة للعمل انقياد نساء المسلمين نحو تقاليد غربية وتجاوز للنظرة التكوينية للمرأة!

نخلص إلى القول بأن الصيرورة التاريخية؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمعات المتخلفة؛ التي ركنت المرأة جانباً وأقصتها عن المساواة بالرجل، وشوهت وعيها لذاتها وعززت تبعيتها للرجل، لا تزال حائلاً دون تحرر المرأة من ربقة العبودية واعتبارها بمنزلة الأشياء والعبيد منذ أرسطو إلى وقتنا الراهن، وكان هذا عاملاً من عوامل تأثرها بالخطاب الديني واستجابتها لسطوة القيم الاجتماعية والدينية على حد سواء. فالدين الذي هو أداة سلطة بأيدي الرجال، يلبي توق النساء إلى الخلاص.

اقرأ أيضاً: كيف نظر سيد قطب إلى المرأة؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية