قراءة أخرى لعملية إسقاط الطائرة الروسية في سوريا

سوريا

قراءة أخرى لعملية إسقاط الطائرة الروسية في سوريا


24/09/2018

تتدحرج قضية طائرة النقل العسكرية الروسية التي تم إسقاطها الأسبوع الماضي قبالة الساحل السوري، من قبل الدفاعات الجوية السورية، بصاروخ روسي الصنع "اس200" وراح ضحيتها حوالي 15 عسكرياً روسياً، بالتزامن مع ضربات صاروخية كانت تشنها الطائرات الإسرائيلية للمرة الأولى ضد أهداف "إيرانية" في محافظة اللاذقية، وتتصاعد بشكل لافت ردود الفعل الروسية في إطار تحميل سلاح الجو الإسرائيلي مسؤولية إسقاط الطائرة الروسية، وباتجاهات تصل إلى درجة إعادة النظر في العلاقات الروسية الإسرائيلية، بما فيها التفاهمات العسكرية على خلفية الأزمة السورية والتنسيق المشترك الذي تم إنجازه بين الجانبين منذ العام 2015.

توقيت العملية وسياقاتها وتداعياتها تكشف حجم التعقيدات في الملف السوري، وهي غير معزولة عن التطورات الأخيرة

ورغم أنه تم إسقاط الطائرة الروسية من قبل الدفاعات الجوية السورية، إلا أنّ روسيا تصر على تحميل إسرائيل مسؤولية إسقاط الطائرة، باعتبار أنّ الطائرات الإسرائيلية اتخذت من الطائرة الروسية غطاء "احتمت بها" مما جعلها هدفاً للصواريخ السورية، كما أن إسرائيل لم تبلغ قاعدة حميميم الروسية، وفقاً للتنسيق المعتاد إلا قبل دقيقة من الغارة على اللاذقية، وبمعلومات مضللة أنّ غارتها ستكون في الشمال السوري، فيما تؤكد إسرائيل أنها التزمت باتفاقات التنسيق مع روسيا، وأن العملية كانت ضد أهداف إيرانية وأسلحة إيرانية كانت في طريقها إلى حزب الله في لبنان.

تم إسقاط الطائرة الروسية من قبل الدفاعات الجوية السورية

توقيت العملية وسياقاتها وتداعياتها، تكشف حجم التعقيدات في الملف السوري، وهي غير معزولة عن التطورات الأخيرة على الساحة السورية بشكل عام، وخاصة التطورات في إدلب، وسياقات التحضير لما بعد إدلب، والدور الحالي والمستقبلي لإيران في سوريا، وتالياً قراءة موجزة للعملية:

أولاً: وفقاً لخبراء بالطيران العسكري فإنّ الرواية الروسية محط شكوك، بـ "احتماء" الطائرات الإسرائيلية بطائرة روسية، خاصة في ظلّ التكنولوجيا والقدرات العسكرية للطيران الحربي الروسي، ولا مصلحة لروسيا بتبنّي رواية تثبت حجم أخطاء كبيرة في صناعتها العسكرية سواء بالنسبة لطائرتها أو للصواريخ التي أطلقت على الطائرة وهي روسية الصنع، رغم أن هناك تسريبات تقول إن الدفاعات الجوية السورية تطلق صواريخها عشوائياً ضد كافة الأهداف الجوية خلال عمليات القصف الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: روسيا تكشف التضليل الإسرائيلي حول حادثة الطائرة

ثانياً: رغم عدم توجيه "لوم" معلن من قبل روسيا للقيادة السورية، إلا أن اعتقال كافة مرتبات كتيبة الدفاع الجوي السوري التي أسقطت الطائرة الروسية، من قبل القيادة العسكرية والاستخبارية الروسية في سوريا يطرح العديد من التساؤلات، في ظل تأكيد روسي بمسؤولية إسرائيل عن العملية، فهل لدى القيادة الروسية شكوك بارتباطات بعض عناصر الكتيبة السورية مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وما هي نتائج التحقيقات مع هذه الكتيبة؟ خاصة وأنه بات معروفاً أن الجيش السوري تتنازعه ولاءات لإيران وأخرى لروسيا.

جاء توقيت العملية متزامناً مع إنجاز اتفاق سوتشي بين الرئيسين بوتين وأردوغان، بتغييب لإيران

ثالثاً: جاء توقيت العملية متزامناً مع إنجاز اتفاق سوتشي بين الرئيسين بوتين وأردوغان، بتغييب مقصود لإيران، وعلى وقع فشل قمة طهران قبل أسبوعين، والتي عقدت للغاية ذاتها حول إدلب، وجاءت مخرجات الاتفاق الروسي التركي حول إدلب، في غير صالح إيران التي كانت تتطلع لمعركة ساحقة في إدلب، تبعتها تصريحات تركية تؤكد حجم الخلافات مع ايران واحتمالات الصدام مع مليشياتها في إدلب، فهل كان لإيران دور في إسقاط الطائرة الروسية من خلال كتيبة الدفاع الجوي السورية؟ ولماذا تم اعتقال كافة مرتبات الكتيبة من قبل الروس؟ وهل ستعلن روسيا نتائج التحقيقيات مع ضباط وأفراد الكتيبة؟ وهل أرادت إيران إرسال رسالة احتجاج قوية لروسيا بأنه لا يمكن تجاوزها في إدلب؟ وإنها لا يمكن أن تسكت إلى ما لا نهاية على "التواطؤ" الروسي مع إسرائيل في طلعاتها واستهدافها للقوات الإيرانية في سوريا؟ المؤكد أن نتائج التحقيقات ستبقى طي الكتمان بالنسبة لروسيا، في المدى المنظور، فروسيا التي امتلكت القدرة على احتواء أردوغان وتقلباته، قادرة على احتواء مراوغات ودهاء القيادة الإيرانية، ولها تجارب واسعة معها في سوريا، وآخرها في الجنوب السوري.

القيادة الروسية استثمرت "شبهة" الدور الإسرائيلي بما يتجاوز حدود عملية إسقاط الطائرة في إعادة رسم علاقاتها بالقيادتين السورية والإسرائيلية

رابعاً: الرد الروسي، ورغم التهديدات من مستويات متباينة في القيادة الروسية لن يتجاوز الساحة السورية، وربما إن أكثر ما يمكن أن تقوم به روسيا ما تم الإعلان عنه من خلال وزارة الدفاع الروسية بتزويد سوريا بمنظومة صواريخ "اس 300"، تلك الأسلحة التي سبق لروسيا أن هددت بتزويد سوريا بها في مراحل سابقة وقوبلت باعتراضات واسعة من قبل أمريكا وإسرائيل، وربما تعيد النظر بالتفاهمات الخاصة بتنسيق الطلعات الجوية الإسرائيلية في سماء سوريا، بما يضمن المزيد من ضبط التفوق الجوي لإسرائيل في سوريا.

خامساً: الموقف الروسي تجاه العملية، وعدم توجيه اللوم للقيادة السورية، والتوجه لتزويد الدفاعات السورية بمنظومة صواريخ "إس 300"، واتخاذ موقف من إسرائيل، سيزيد من حصة القيادة الروسية في أوساط قيادية سورية، في ظل صراعات محمومة بين إيران وروسيا، ويبعث بمزيد من التطمينات للقيادة السورية حول مصداقية الحليف الروسي، بما في ذلك الموقف من مستقبل سوريا وعلاقاتها الدولية والإقليمية، وخاصة مفاوضات السلام المستقبلية مع إسرائيل.

وبعيداً عن الرومانسية السياسية، فإنه ورغم أن إسقاط الطائرة الروسية تم بـ "نيران صديقة" من قبل الدفاعات الجوية السورية، وبسلاح روسي الصنع، إلا أن القيادة الروسية استثمرت "شبهة" الدور الإسرائيلي، بما يتجاوز حدود عملية إسقاط الطائرة، لإعادة رسم حدود علاقاتها بالقيادتين السورية والإسرائيلية، والتذكير بخطوطها الحمراء تجاه إسرائيل، وتأكيد قبضتها الحديدية على القيادة السورية، في ظل صراع متنامٍ مع القبضة الإيرانية التي تترنح، ودون تغيير في الموقف الروسي الذي يشكل أمن إسرائيل قاسماً مشتركاً للقيادة الروسية مع أمريكا والأوروبيين، على هامش القضية السورية وقضايا الشرق الأوسط.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية