الشعراوي حين سجد لله شكراً بعد نكسة 1967!

الشعراوي حين سجد لله شكراً بعد نكسة 1967!


18/02/2018

لا يبدو المَشهد بعيداً بين سجدة الشيخ محمد متولي الشعراوي شكراً لله على نكسة العام 1967، قائلاً "فرحت أننا لم ننتصر، ونحن في أحضان الشيوعية؛ لأننا لو ُنصِرنا ونحن في أحضان الشيوعية لأُصبنا بفتنة في ديننا"، وبين قول المرشد العام الأسبق للإخوان المسلمين في مصر مهدي عاكف "طز في مصر وأبو مصر واللي في مصر"، وقول الإخواني العتيد سيد قطب "ما الوطن إلا حفنة من تراب عفن، أما نحن فوطننا الإسلام"، وقول مؤسس الجماعة في مصر حسن البنا "لا وطنية في الإسلام".

الشعراوي كان واحداً من بين الشيوخ الأكثر جدلية لانضوائه تحت عباءة السلاطين، وتحديداً الرئيس المصري الراحل أنور السادات

الشعراوي على وجه التحديد، كان واحداً من بين الشيوخ الأكثر جدلية لانضوائه تحت عباءة السلاطين، وتحديداً الرئيس المصري الراحل أنور السادات؛ إذ شدّ على يده حين أقبل على معاهدة كامب ديفيد، مستشهداً بالآية "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله"، وقائلاً عنه عقب انتقاد عضو في مجلس الشعب المصري لوزارة الأوقاف التي كان يشغلها الشعراوي "والذي نفسي بيده، لو كان لي في الأمر شيء لحكمت للرجل الذي رفعنا تلك الرفعة، وانتشلنا إلى القمة ألا يُسأل عما يفعل"، وما كان منه حين قال له النائب إن من لا يُسأل عما يفعل هو الله إلا أن قال إنه يعرف الله أكثر من النائب. الطريف في الأمر أنّ الشعراوي برّر قوله ذاك، بعد رحيل السادات، بأنّ معناه أن الأخير مجنون وفي هذه الحالة فهو لا يُسأل عما يفعل!

موقف الشعراوي من السادات لم يكن مستغرَباً؛ فهذا الرئيس تحديداً حرِصَ على استرضاء التيار الإسلامي

موقف الشعراوي من السادات لم يكن مستغرَباً؛ فهذا الرئيس تحديداً حرِصَ على استرضاء التيار الإسلامي بعد أعوام من قمعه الدموي إبّان حُكم جمال عبد الناصر، لكن لا يبدو الأمر محصوراً في هذا السبب فحسب؛ ذلك أن من يتأمل مواقف الشعراوي، التي عادت المفكرة الناصرية فريدة الشوباشي لتسليط الضوء عليها مجدداً، يجدها لا تبتعد كثيراً عن البراغماتية التي تسم سلوك كثيرٍ من الأسماء الدينية التي سَطَع نجمها على امتداد العالم العربي، والتي تنحاز للفكر الديني البحت على حساب الوطني والقومي العربي، وهو ما يصار للمجاهرة به كأنما هو مفخرة، كمثل قول عاكف ذات مرة إنه لا يمانع أن يحكمه في مصر ماليزي طالما كان مسلماً.

كان شخصية شعبوية واستطاع تقريب القرآن وحكاياته من العامة واقترب من أوساط بعيدة عن التديّن كالوسط الفني

الشعراوي، المولود في العام 1911، كان واحداً ممّن روّجوا؛ بل تصدّروا إعلانات الريّان في نهاية الثمانينيات، والتي لم تكن سوى شركات لتوظيف أموال المصريين، بيد أن من كانوا يقومون عليها لا خبرة لهم في عوالم الاقتصاد وتعقيداته، ما أفضى لضياع أموال كثير من المصريين وتبديد ممتلكاتهم بعد أن قطِعت لهم الوعود بأرباح تصل حتى 25 % بدلاً من 9 % كما كان معمولاً به في البنوك، كما استفاد نجل الشعراوي أحمد من مكانة والده الدينية، فتقلّد منصب رئيس مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، رغم كونه لا يحمل شهادة الدكتوراة في العلوم الدينية ولا قدّم مجهوداً بحثياً أو فكرياً، ما اعتبِر مخالفاً لقانون الأزهر نفسه.

لعلّ ما لا يشهد خلافاً حوله هو أنّ الشعراوي كان شخصية شعبوية بامتياز، واستطاع تقريب القرآن الكريم وحكاياته من أذهان العامة، كما استطاع الاقتراب من أوساط بعيدة عن التديّن كما الوسط الفني، ما جعل شائعة زواجه من الفنانة الراحلة شادية تنتشر عقب اعتزالها، بيد أنه لم يتمكّن من التغلّب على عقدة الإسلاميين وانحيازهم الديني الضيق على حساب الوطني والعروبي؛ إذ هو أيضاً من بين من يؤمنون بأنّ الحل للقضية الفلسطينية ديني وليس سياسياً أو عروبياً، وهو ما لا ينفك مشايخ كثر يردّدونه، ولعل المتأمل يتساءل: إن كان تحرير فلسطين مرتبطاً بقيام الساعة، فلماذا النضال من الأساس؟ وأي وطنية هي تلك التي تجعلك تشتم بلادك علانية وتتمنى لو أن آخرين من جنسيات مغايرة يتولّون مقاليد الحُكم فيها؟ وما التبرير الذي يُمكن أن يُساق حول سجدة شكر لله على ضياع شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري، دفعة واحدة، وبكل إرهاصات الأمر من تدمير الطيران المصري وتهجير الآلاف ودخول الإسرائيليين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟

يبدو الشعراوي، الذي لعب الممثل حسن يوسف دوره بمسلسل "إمام الدعاة" في العام 2003، مهتماً بالتفاصيل الدنيوية

يبدو الشعراوي، الذي لعب الممثل حسن يوسف دوره في المسلسل الذي يروي سيرة حياته "إمام الدعاة" في العام 2003، مهتماً بالتفاصيل الدنيوية، بحكم طبيعته الشعبية، وهو ما كان يجاهر به؛ إذ ذكر في أحد حواراته الصحافية أنه كان يجلس في كازينو طلعت حرب مع أصدقاء له، في مرحلة الشباب، فمرّت فتاة بثوبٍ ضيق، فاستهلّ ما يشبه المبارزة الشعرية بينه وبين أصدقائه بقول "فضفضي الثوب"، ليردّ صديق "بل وزيديه طولاً"، فردّ ثالث "وارحمينا"، ومن ثم طلبوا منه أن يكمل، فردّ الشعراوي "لو عرف أبي أني أقول شعراً كهذا وأنا أزهري سيضربني"، فقالوا له "قل ولن يضربك"، فأكمل "واستري الحسن الذي يطلب الحُسن جهاراً".

ما سبق، من شعبوية وحكايات "خفيفة ظل" عن مرحلة الشباب وتبرّع بالأجر التلفزيوني لعمل الخير، لا يشفع لسقطات سياسية ووطنية بهذا الحجم لشخصية دينية معروفة على مستوى العالمين؛ العربي والإسلامي، وإن كانت تلك "الخطايا" الوطنية تهيمن على سلوكيات التيار الديني برمّته تقريباً، ليس مصرياً فحسب؛ بل وعربياً كذلك، وما رَفعُ أعلام الفصائل الدينية عوضاً عن العَلَم الوطني سوى نزر يسير من تلك الدلائل.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية