لماذا يعادي الإسلامويون مؤسسات تحمي دولهم؟ ومن أول من رسّخ العنف داخل الدولة؟

 لماذا يعادي الإسلامويون مؤسسات تحمي دولهم؟ ومن أول من رسّخ العنف داخل الدولة؟

لماذا يعادي الإسلامويون مؤسسات تحمي دولهم؟ ومن أول من رسّخ العنف داخل الدولة؟


17/06/2023

يكشف واقع الإسلامويين عداءً لجهازي الشرطة والجيش؛ فقد ظلّ الإسلامويون يدّعون أنّ عداءهم لأجهزة الأمن نظراً للممارسات القمعية التي يتعرضون لها في بعض البلدان، التي خلقت ثأراً بينهم وبين الشرطة، وظلوا لعقود يدّعون احترام الجيش، باعتباره الدرع الحامي للأوطان، لكنّ التجلي الأخير لهم يكشف عداءهم للقوات المسلحة؛ الذي ظهر في العشرية السوداء بالجزائر، وفي خلاف الإخوان الأخير في مصر، وتجلى أكثر في العراق وليبيا وسوريا.

اقرأ أيضاً: كيف تسلّلت الإسلاموية إلى مصر؟

إنّ عداء الإسلامويين للشرطة والجيش والقضاء محيّر فعلاً؛ فالمفترض أنّ الإسلامويين يحملون رسالة إصلاحية لكلّ الناس، أو هكذا يزعمون، فيجب أن تنال مؤسسات الشرطة والجيش احترامهم، حتى يتمكنوا من تقديم رسالة إصلاحية حقيقية.

فهل هذا العداء عارض أم متجذّر في نفوسهم؟ بالبحث والتنقيب عن جذوره؛ نجد أنّ المنظّر الإسلامي المشهور، وزعيم الجماعة الإسلامية في الهند وباكستان، أبا الأعلى المودودي، هو أول من صرّح بهذا العداء، وأكّده، ورسّخ له.

تتمثّل خطورة هذه الأفكار في ترسيخ العداء بين الإسلامويين وعناصر مؤسسات الدولة

ومن المعلوم؛ أنّ الإسلامويين تربّوا على أفكار المودودي، خصوصاً في التأسيس الثاني، في منتصف السبعينيات؛ ففي كتاب "منهاج الانقلاب الإسلامي"، نجد المودودي يقول: "والدولة الإسلامية، التي ستقوم، تحتاج في تأسيس بنيانها وإدارة شؤونها إلى عقلية مخصوصة، وخلق مخصوص، وسيرة مخصوصة؛ فجنودها، وشرطتها، ومحاكمها، وضرائبها، وخطتها الإدارية، وسياستها الخارجية، وقوانينها للسلم والحرب، كلّها تختلف اختلافاً كلياً عن أمثالها في الدول اللّادينية، أي المسلمة شكلاً، والتي لا تعدّ دولاً إسلامية، وإن كان أغلب قاطنيها مسلمين؛ فقضاة هذه الدول ورؤساء محاكمها ليسوا أهلاً لأن يناط بهم أيّ عمل، مهما كان حقيراً، في محاكم الدولة الإسلامية، وكذلك رؤساء الشرطة في تلك الدول لا يستحقون أن تفوَّض إليهم في الدولة الإسلامية، حتى ولو وظيفة شرطي من عامة الشرط، وقادة العساكر وأمراء الجنود فيها؛ لا يمكنهم أن يتجندوا في الجيش الإسلامي، أمّا وزراء خارجية تلك الدول اللادينية؛ فلا عجب إذ سيقوا في الدولة الإسلامية إلى السجون، عقاباً لهم على ما اقترفوه من الكذب، وما ابتكروه  من أساليب المكر والخديعة، فضلاً عن أن يتولّوا منصباً من مناصب المسؤولين فيها، وبالجملة؛ فإنّ كلَّ من أُعدّ لإدارة الدولة اللادينية، وتربّى تربية خلقية وفكرية ملائمة لطبيعتها، لا يصلح لشيء من أمور الدولة الإسلامية".

هذا "المنافستو" وضعه أبو الأعلى المودودي (العام 1940)؛ في محاضرة ألقاها أمام طلبة وأساتذة جامعة "عليكرة"، ومعروف أنّ هذه الجامعة كانت من أكبر المراكز الثقافية الإسلامية في الهند، وقد ألقى محاضرته هذه وسط تزاحم المشاعر المختلطة بين المجتمع الهندي (بين المسلمين والهندوس)، وقد كشف أبو الأعلى رفضه للقومية الهندية، وكان هدفه توجيه مسلمي الهند إلى قومية جديدة لهم؛ هي الإسلام، ومن الواضح جداً؛ أنّ دستور التيارات الإسلاموية، من الإخوان إلى داعش، يسير على "منافستو" المودودي هذا.

أبو الأعلى المودودي كان أول من صرّح العداء تجاه مؤسسات الدولة ورسّخ له

من المفترض أنّ الإسلام دين يسَع الجميع، إلا أنّ المودودي استطاع إقناع مستمعيه بأنّ الإسلام دين وقومية ووطن، مؤكداً ما كان قد قاله حسن البنا من قبل في "رسالة المؤتمر الخامس" (العام 1938)، لكنّ فكرة تحويل الدين من وطن إلى قومية أمر غير منطقي، وغير واقعي، تظل نظريته خيالية، وغير قابلة للتطبيق، وعندما حاول البعض تحويل الإسلام إلى قومية ووطنية، زاد الأمر تعقيداً، ونتج عن تلك المحاولة مزيد من المشكلات في الدولة، وفي الدين ذاته.

الغريب؛ أنّ هذه المحاضرة كتبت في كتاب باللغة الأردية، ووزّعت منها عشرات آلاف النسخ على المسلمين الهنود، وكأنّ هناك أيادي ترعى هذه الأفكار، وتريد أن تنتشر في صفوف المسلمين الهنود، ويزداد الأمر غرابة؛ إذا عرفنا أنّه لم تمضِ أعوام قليلة، حتى كانت دار العروبة للدعوة الإسلامية تترجم المحاضرة، لتنشرها العام 1946!

اقرأ أيضاً: حوار متخيّل مع المودودي.. ملهم الجماعات التكفيرية

وتتمثّل خطورة أفكار هذا الكتاب، عند الإيمان بها؛ في ترسيخ العداء بين الإسلامويين وعناصر مؤسسات الدولة؛ فهذه الأفكار تحوّل أنظار المسلمين عن التحدي الحقيقي لبناء دولتهم، إلى عدوّ داخلي (منهم)، يشتبكون معه طوال الوقت؛ فمرّة يشتبكون مع الشرطة بزعم تجاوزاتهم (وهي حقيقية)، عبر قتل بعض القيادات العليا في وزارة الداخلية، أو توليد الكراهية تجاه هذا الجهاز، وكانت مواجهة تجاوزات الشرطة بإصلاح رسالة المؤسسة الشرطية، وليس بالتحريض ضدها، ومرة أخرى يشتبكون مع القوات المسلحة والجيش؛ بزعم أنّه "جيش الطاغوت"، وأنّه يوالي من لا يحكم بالإسلام.

اقرأ أيضاً: المودودي: الحاكمية غطاء الانفصال والتمايز

يحرض المودودي، في كتابه، أتباعه على معاداة القضاء ورجاله، ومؤسسة الدبلوماسية الخارجية ورجالها، ويتوعدهم بالسجن، كما يتوعّد طائفة الحكام بأنّ مصيرهم الموت والقتل في حال قيام دولته الإسلامية، وقد أثبتت أفكاره أنّ هذه التجربة مدمرة ومخربة للمجتمعات، لذلك لا يصحّ أبداً اعتمادها على أنّها نتاج فكر إسلامي أصيل؛ بل يجب مقاطعتها معرفياً؛ لأنّ إحداث قطيعة معرفية مع كلّ هذه الأفكار وشبيهاتها، هي أول خطوة في طريق تخليص الفكر الإسلامي من شوائبه.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية