فروع الإخوان المسلمين بين التقية والانحناء للعواصف

فروع الإخوان المسلمين بين التقية والانحناء للعواصف


10/04/2018

يعتقد بعض المراقبين أنّ إعلان عدد من فروع جماعة الإخوان فكّ ارتباطها بالتنظيم الأم، قد يؤشّر إلى نهاية التنظيم الذي أكمل تسعة عقود في آذار (مارس) الماضي، وأنّ أفكار الجماعة تتداعى بالتبعية مع انهيار الصيغة التنظيمية الأممية التي جمعت فروع الجماعة حول العالم.

بداية، يجب تقييم شكل الارتباط بين الجماعة الأم في مصر، وتلك الفروع التي أعلنت فكّ ارتباطها بالجماعة، كي نحصل على قراءة أدقّ، ربما لطبيعة العلاقة وحقيقة فكّ الارتباط بالجماعة.

نأتي إلى أقرب الفروع جغرافياً، وهو الفرع السوداني الذي يعدّ الأقدم في الارتباط بالجماعة، بالنظر إلى وحدة وادي النيل، قبل إعلان الاستقلال، فمنذ تأسيس الجماعة في الثلاثينيات، ومع وجود جالية سودانية كثيفة مندمجة في المجتمع المصري، تأثّر بعضهم بأفكار الإخوان، واندمجوا داخل التنظيم المصري، وارتبطت مجموعات من الطلبة السودانيين بالإخوان، وعندما عادوا إلى السودان، حاولوا تأسيس فرع للجماعة في نهاية الأربعينيات، بقيادة جمال الدين السنهوري، توحدت مجموعات الإخوان فعلياً العام 1954، مع أجواء الصراع بين الرئيس جمال عبد الناصر والإخوان، ومن ثمّ حدثت انشقاقات داخل التنظيم على إثر هذا الصراع.

فرع الجماعة بالأردن من أكثر الفروع قرباً بالأفكار والسلوك والبنية العقلية ويتمايز بجناح سياسي وآخر دعوي

وفي الستينيات تشكّلت جبهة الميثاق الإسلامي كتحالف ضمّ مجموعات الإخوان والسلفيين، وأتباع الطريقة التيجانية، وقد خاض هذا التحالف الانتخابات في السودان العام 1968، وهو العام نفسه الذي انتخب فيه حسن الترابي أميناً عاماً للإخوان، قبل أن يقوم هو نفسه بحل تنظيم الإخوان، بعد استيلاء جعفر النميري على الحكم، وعدم اعترافه بالأحزاب، في خطوة استهدفت الحفاظ على التنظيم بالأساس، لكنّ علاقة الإخوان في مصر بالتنظيم السوداني في عهد الترابي، تعرضت للعديد من الهزّات، بفعل المركزية الصارمة في العلاقة التي لم تكن تتوافق مع شخصية الترابي الاستقلالية، ومن ثم خرج الترابي على التنظيم المصري وشكل "الجبهة الإسلامية القومية" العام 1985، التي التهمت الحضور الإخواني في السودان، وبقي التنظيم التابع للمصريين ظلاً باهتاً في المشهد السوداني حتى اليوم، لذا لم يكن إعلان الفرع السوداني أنّه جماعة سودانية، سوى محاولة لتفادي الضغوط الشديدة عليهم من قبل النظام الحاكم، الذي لا يريد، هو الآخر، تعقيد العلاقة مع النظام في مصر؛ لذا قد تبقى العلاقة الفكرية راسخة، لكنّ العلاقة التنظيمية تصطدم بواقع التنظيم في مصر، الذي تداعى هو الآخر إلى ثلاثة أقسام، ومن ثمّ لا يمكن تقويم العلاقة بين الطرفين إلّا في حال وجود تنظيم مصري موحّد، وهو ما يبدو أمراً بعيد المنال.

نأتي لفرع الجماعة بالأردن، الذي كان أيضاً من الفروع الأقدم في علاقتها بالإخوان في مصر، التي دامت لسبعة عقود، فقد ألغى مجلس شورى الجماعة، بقيادة همام سعيد، تبعية جماعة الإخوان في الأردن لجماعة القاهرة في النظام الأساسي، وكان هذا الإلغاء قد تمّ واقعياً منذ أعوام، لجماعة ضربتها خلافات أدّت إلى انشقاقها إلى نصفين، كلّ منهما يدّعي أنّه يمثل الإخوان.

فرع الأردن سيسعى لممارسة أكبر قدر من التقية السياسية لكنّ أفكاره نفسها وإن ادّعى عدم وجود ارتباط تنظيمي

فرع الجماعة بالأردن؛ من أكثر الفروع قرباً في الأفكار والسلوك والبنية العقلية، وكان يشبه إخوان مصر في حجم الجمود الفكري والتنظيمي، وإن تمايز إخوان الأردن بجناح سياسي، وآخر دعوي، وهو ما حاول إخوان مصر استنساخه بعد ثورة يناير في مصر.

فرع الأردن بالذات، سيسعى إلى ممارسة أكبر قدر من التقية السياسية، لكنّه سيبقى على الأفكار نفسها، وإن ادّعى عدم وجود ارتباط تنظيمي، هو حصاد طبيعي لوجود قيادات التنظيم في مصر خلف القضبان من جهة، وانهيار بنية التنظيم في مصر من جهة أخرى، لكنّه سيكون من أوائل من يعلنون تبعيتهم للتنظيم، إذا عاد في الغد وفق معادلة جديدة للإقليم وللعالم.

أما إخوان تونس، فيلزم أن نؤكد أنّ قوة المجتمع المدني التونسي، منذ البداية، ووجود نقابات قوية وتيارات فكرية متمايزة وما وفره بورقيبة للمجتمع التونسي من تعليم متميز، ساهم في نضوج المجتمع التونسي وتضييق مسارات النمو أمام الحركة خلافاً لحالها في المشرق، وظلّ الدعم الرئيس الذي مكن الحركة من البقاء قواعدَ في الداخل وقيادةً في الخارج هو الارتباط القوي بالتنظيم الدولي، الذي وفّر للحركة دعماً إعلامياً ومالياً مكّنها من البقاء كعنوان سياسي وحركي.

ارتباط حماس بالإخوان وثيق لكنّ واقع التنظيم وتحوّله لعبء على علاقة حماس بمصر كان حاسماً في فكّ الارتباط 

لكن عودة قيادات الحركة لتونس، بعد "ثورة الياسمين"، والتطورات التي ضربت التنظيم في مصر، والتحفظات التي كانت لدى قيادات الحركة تجاه سلوك قيادات التنظيم في مصر، والتباينات في الأفكار بينهم وبين إخوان مصر، خصوصاً أنّ الغنوشي لطالما أكّد وصفه للجماعة بالسلفية الإخوانية الوافدة من المشرق، ضمن روافد شكلت حركته في اتهام ضمني للحركة بالجمود الفكري والتنظيمي ومع التسلف الواضح لقواعد الحركة مقابل مرونة أكبر لدى القيادات التي أبدت آراء تقدمية مقارنة بإخوان المشرق، كل ذلك فرض على النهضة التجاوب مع تعقيدات الموقف السياسى مع دفعهم إلى التحول  إلى حزب سياسي والتخلي عن النشاط الدعوي ربما ليقين متأصل في عقل تلك الحركات أنّ الإخوان فكرة وتنظيم في النهاية هم  حزب سياسي يتخفى وراء الدعوة الدينية، ولم يكن المجتمع التونسي ببنيته؛ العقلية والفكرية المستنيرة ممن سيقبل هذا التصور الشمولي للخلط بين الدين والسياسة، لذا كان سعي إخوان تونس إلى إعلان فكّ ارتباطهم أكثر وضوحاً من غيرهم، وأتصور أنّ موقف النهضة له مستويان:

الأول؛ مستوى قيادة النهضة، التي ترى أنّها تخلصت من عبء حقيقي على حركتها وتطورها، والقدرة على تموضع صحيح فى ساحة العمل السياسي.

إخوان اليمن كانوا من أكثر الفروع ارتباطاً بإخوان مصر، لكنّ الأحداث الأخيرة كانت العامل الحاسم في إعلان فكّ ارتباط

الثاني؛ مستوى قواعد حركة النهضة التي لديها تصور مغرق في التسلف والجمود وارتباطها النفسي والفكري بإخوان المشرق وأفكارهم المؤسسة أعمق بكثير من قياداتها ومن ثم ستبقى تحدياً حقيقياً أمام قيادة النهضة في المدى المنظور.

أما ارتباط حماس بالإخوان؛ فهو ارتباط خالط اللحم والعظم، لكنّ واقع التنظيم الحالي وتحوّله إلى عبء حقيقي، على علاقة حماس بالدولة المصرية، كان حاسماً في فكّ الارتباط الذي سيحكم على صدقيته مستوى التجاوب مع شركاء الساحة الفلسطينية، خصوصاً "فتح" في مجريات القضية الفلسطينية، والمسارات المختارة.

وبالنسبة لإخوان اليمن، وهم أيضاً كانوا من أكثر الفروع ارتباطاً بإخوان مصر، لكنّ الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة اليمنية، وعلاقة السعودية بالإخوان وتحولاتها، كانت العامل الحاسم في إعلان فكّ ارتباط يأتي كغيره، انحناء للعواصف، انتظاراً للحظة مختلفة، ربما تحدد مسارات أخرى للعلاقة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية