2017: النساء يصدّعن هياكل السلطة الذكورية

حقوق المرأة

2017: النساء يصدّعن هياكل السلطة الذكورية


02/01/2018

خلال العام الماضي، أظهرَت مِنصَّات وسائل التواصل الاجتماعي، التي تُهيْمن على شبكة الإنترنت، حُمق أي شخص يَعتقدُ في خيريّتها الأصيلة. فالنازيون الجدد استخدموا مجموعات فيسبوك من أجل تنظيم مسيرة تحثُّ على الكراهية في شارلوتسفيل؛ والمتصيّدون الرُّوس استخدموا الإعلانات الرقمية لبث التفرقة بين الناخبين الأمريكيين. وقامَ رجلٌ ببثّ مباشر لجريمة قتل عبر فيسبوك، واستخدمَ رئيسُ الولايات المتحدة حسابَه على تويتر لنشر دعاية مضلّلة عن المسلمين، وشن تهديدات ضدّ صُحُف حرّة ومواطنين عاديين.

لكن إذا كانت هناك نقطة مضيئة واحدة في كل هذا الظلام - سلسلة واحدة من اللحظات ارتقت خلالها شبكة الإنترنت فعلاً إلى التوقُّعات الأكثر تفاؤلاً -، فهي تلك التي كانت في عام 2017، عندما استرَدَّت النساء المِنصَّات نفسها التي كانت تُستخدم لفترة طويلة في إزعاجهن ومضايقتهن، واستطعن بناء موجة جديدة للحركة النسائية على رأسها.

في عام 2017 ذكرتنا النساء أيضاً بالاتجاه الصاعد للتواصل عبر الإنترنت وبانضمامهن معاً في أنحاء العالم كافة

وقد ظهرت أوّل لمْحة لمدى القوة التي سوف تكون عليها هذه الحركة بعد ثلاثة أسابيع فقط من العام الجديد، عندما بدأت عربات المترو المتخمة بالركّاب والحافلات المحمّلة بالكامل تشق طريقها نحو حديقة الناشونال مول في واشنطن دي سي بعد يوم من تنصيب الرئيس ترامب. وعلى مسافة أميال عبر نهر البوتوماك من ناحية فرجينيا، يمكننا أن نرى مجموعة من النساء في طريقهن نحو المسيرة، وهن مرتديات طواقيَ وردية مَحْبوكة، يحملن لافتات كُتبَ عليها "ابعد يدك الصغيرة عن حقوقي"، و"أمْسكيه من الإقرار الضريبي" [في محاولة لمحاكاة مضادّة للتسريب الصوتي المزعوم لترامب]. كان من الواضح أنّ مسيرة النساء سوف تصبح فعالية تاريخية حتى قبل أن تبدأ، وأنه سوف يذكر أنّها قد وحّدت الملايين من النساء في أنحاء العالم كافة، ليس فقط احتجاجاً على ترامب، ولكن احتجاجاً على مجتمع يسمحُ للرجال المتنفّذين بأن يصبحوا أكثر نُفُوذاً على الرغم من جرائمهم المزعومة ضد النساء.

نساء يصورن مسيرة المرأة في واشنطن بتاريخ 21 يناير 2017

فصل من كتاب التاريخ

إنّ هذا الفصل في كتب التاريخ ربّما ما كان ليُكتب لو أنَّ امرأة تُدعى تيريزا شوك لم تدشّن فعالية عبر فيسبوك في ليلة انتخابات عام 2016، داعية النساء لمسيرة في واشنطن. لقد انطلقت الفعالية بطريقة فريدة تماماً تميّز هذا العصر الرقمي. بحلول صباح اليوم التالي، جمعت شوك 10,000 استجابة لدعوتها. وكما قالت جينا أرنولد، مستشارة المسيرة النسائية، لموقع وايرد قبل أيام من الفعالية، "لعله من الصعب أن نقول إننا كُنا لنحقق هذا الضرب من النجاح بدون مِنصَّة موجودة بالفعل مثل فيسبوك".

وبتردد أصواتهن في شوارع واشنطن دي سي في ذلك اليوم، افتتحت النساءُ هذا العام بالوعد بتصفية الحسابات. وإذْ تمضي الأسابيع، سُرعان ما قمن بالوفاء بوعدهن. ففي غضون شهر، كتبت امرأة اسمها سوزان فاولر تدوينةً جَابَت عالم التكنولوجيا: "تأمُّلٌ في عام غريب جداً جداً في أوبر". لقد قامت فاولر بتعرية الثقافة السامّة التي تكتنف شركة أوبر، قائلة إنها قد تعرَّضت للتحرّش الجنسي بانتظام، وتمت معاقبتها من جرّاء إبلاغها قسم الموارد البشرية عن مديرها، وتم تجاهلها عندما سألَت عن خطط أوبر لمعالجة الرحيل الجماعي للنساء من الشركة. لمرَّة واحدة [بسبب هذه التدوينة]، سُمِع فعلاً صوت فاولر.

نساء ملهمات

وقد ألهمت تدوينتها نساءً أخريات في أوبر ليسردن قصصهن عن التحرش عبر مِنصَّات مثل ميديوم. ومع كل تدوينة تحظى بانتشار واسع، يتعاظَم الضغط على أوبر، حتى قامت الشركة أخيراً بتوظيف المدّعي العام السابق إريك هولدر للتحقيق في الثقافة المتحيّزة ضدّ النساء في الشركة العملاقة التي تقدِّم خدماتها التنقُّليّة عبر تطبيقها وموقعها على الإنترنت. وقد أدّى هذا التحقيق إلى فصل 20 موظفاً، وأسهم في استقالة المؤسس ترافيس كالانيك من منصبه كرئيس تنفيذي. وعندما أدلى عضو مجلس الإدارة ديفيد بوندرمان بتعليق متحيّز ضدّ النساء خلال اجتماع لمجلس الإدارة حول التحيّز الجنسي، جرى إجباره أيضاً على الاستقالة.

لعبت وسائط الإعلام التقليدية بالطبع دوراً حاسماً في الكشف عن السلوكيات الخسيسة للرجال في كل صِناعة تقريباً

ومع مرور العام، لعبت وسائط الإعلام التقليدية، بالطبع، دوراً حاسماً في الكشف عن السلوكيات الخسيسة للرجال في كل صِناعة تقريباً. فقد أطاحت التقارير الصحافية الدقيقة والجريئة في النيويورك تايمز والنيويوركر ببرج الأكاذيب والترهيب المزعوم لهارفي واينستين، ممّا أحدث أثر الدومينو الذي أدّى إلى إسقاط عشرات الأسماء لمتحرشين مزعومين آخرين، من تشارلي روز ومات لور إلى راسل سيمونز وكيفن سبيسي. لكنه الهاشتاغ المكوّن من كلمتين، #MeToo، هو الذي خلق مساحةً للملايين من النساء للاجتماع معاً وسرد قصصهن. وصحيح أنه من غير الممكن أن يوضع كل كشف على الصفحات الأولى للصحف الكبرى، لكن كل الكُشوف تستحقّ أن تُسرد.

تارانا بورك مؤسسة حركة "أنا أيضاً"

وكانت تارانا بورك، التي تُعتبر مؤسسة حركة أنا أيضاً MeToo، قد صكّت المصطلح رسمياً في إشارة إلى الاعتداء الجنسي، في عام 2006. لكن في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، عندما حثّت الممثلة أليسا ميلانو النساء اللواتي تعرّضن للتحرش الجنسي أو الاعتداء للرد على تغريدة لها بعبارة "أنا أيضاً"، تحقّقت القوة الفعلية لهذه العبارة البسيطة. وبين عشية وضحاها، استولت كلمتا "أنا أيضاً" على الجداول الزمنية وصفحات تغذية الأخبار، وتبيّن للرجال أنّ هذه الحوادث ليست معزولة كما كانوا يعتقدون، وتذكّر النساء أنهن لسن وحيدات بأي شكل كما كن يعتقدن.

منذ ذلك اليوم في تشرين الأول (أكتوبر)، تمت مشاركة الهاشتاغ 4.3 مليون مرّة في بلدان في سائر أنحاء العالم. قد تكون هذه الحركة النسائية في عملية الإعداد منذ عقود أو قرون، لكنها بمجرّد أن بدأت، حقّقت على نطاق وطني ضرباً من جدول زمنيّ معجَّل لم يكن ليأتي على بال المطالبات بحق المرأة في الاقتراع أوائل القرن العشرين ونسويات الستينيات، وذلك بفضل الأدوات الجديدة التي تحت أصابع النساء.

إنّ المشكلات الأساسية لوسائل التواصل الاجتماعي؛ الشِقاق والاستقطاب، وغرف الصدى [وصف مجازي للحالة التي يتم فيها تضخيم المعلومات، فيما يشبه صدى الصوت، عن طريق الاتصال والتكرار داخل نظام محدد]، والافتقار للفروقات الدقيقة، والبرامج التي تجمع المعلومات أوتوماتيكياً، ما تزال تجتاح الأجواء، في كثير من الحالات أكثر من أي وقت مضى. والنساء اللواتي يجرؤن على التحدُّث عن المضايقات ما يزلن عرضة لخطر ردود الأفعال على الإنترنت. وفي العالم النامي، تشير الأبحاث إلى أنّ احتمال وصول النساء إلى الإنترنت أقل من الرجال بنسبة 50 في المئة. وفي عام 2018، سوف يواجه القادة التكنولوجيون الذين يديرون تلك المِنصَّات، بلا شك، نداءات من عملائهم/ن، ومن الكونغرس، لإنهاء لعب دور السُذّج والشروع في التعرف على شياطينهم والتخلُّص منهم.

لكن في عام 2017، ذكرتنا النساء أيضاً بالاتجاه الصاعد للتواصل عبر الإنترنت. وبانضمامهن معاً في أنحاء العالم كافة، استخدمن هذه المنصَّات على النحو الذي كان يأمل به أصلاً الـ"مارك زوكربيرغيين" في العالم؛ وكان بإمكانهن إيجاد ودعم بعضهن البعض، على الرغم من الجغرافيا والظروف، وتخريب هياكل السلطة التي أسكتتهن لفترة طويلة.

في عام 2017، استفادت النساء من نظام متصدّع للغاية. لكن، ما الجديد في الأمر؟

إيسي لابوفسكي - المصدر: www.wired.com


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية