الإرهاب في السينما.. المشاهد لاعب وحكم

الإرهاب في السينما.. المشاهد لاعب وحكم

الإرهاب في السينما.. المشاهد لاعب وحكم


07/02/2024

إذا كان هدف الأفلام التي تناقش موضوع الإرهاب، تحليل جذوره ومصادره، وتقديم صورة عنه كما هو في الواقع، فهذا ما لن تجده في كثير من الأفلام المصرية التي تعرض موضوع الإرهاب بأسلوب مبتذل، يهدف إلى إضحاك الجمهور، وتزييف الوعي، ويبتعد عن التناول الفني الموضوعي.

 

بعد مشاهدتي كثيراً من هذه الأفلام، لاحظت ثلاثة أشكال للتعاطي السينمائي مع الإرهاب: قالب درامي اجتماعي جاد مثل؛ "الإرهاب والكباب" و"مولانا"، وقالب درامي سياسي يمثّل وجهة نظر الحكومة مثل؛ "الإرهابي" و"طيور الظلام"، وقالب كوميدي مبتذل يمثل الحكومة أيضاً مثل؛ "القرموطي في أرض النار" و"دعدوش" و"الخلية".

مولانا والإرهاب
يتعامل فيلم "مولانا" 2017، بجدية مع قضية الإرهاب، الفيلم مأخوذ عن رواية إبراهيم عيسى، سيناريو وإخراج مجدي أحمد علي، الإرهاب إحدى القضايا التي تناقشها قصة الفيلم، وتشير أحداثه إلى عنصرين يسهمان في ظاهرة الإرهاب: تلاعب الدولة بالمذاهب الدينية، أو توظيف رجال الدين أداةً بيد السلطة السياسية، والعنصر الآخر هو المشكلات الأسرية التي تدفع الشباب إلى التمرد وتغيير معتقداتهم. المشكلة الحقيقية -التي تتهرب منها الدولة- كما عبَّر الشيخ حاتم (عمرو سعد)، ليست مشكلة مذهبية بين مسلمين ومسيحيين، أو سنّة وشيعة وصوفية وسلفية، لكنّها مشكلة غنى وفقر، وفساد سياسي انعكس على القضايا الاجتماعية والدينية.

السخرية من الإرهاب
تظنّ الحكومات، أو من يمثل وجهة نظرها، أنّ إحدى وسائل الحرب على الإرهاب هي بالسخرية منه، وتصوير الإرهابيين بالسذّج، والإرهاب بالضعف في مقابل قوة الحكومة والشعب، والمشكلة ليست فيما سبق، لكن في طريقة المعالجة التي يغلب عليها المباشرة والخطابية.

تشير أحداث "مولانا والإرهاب" لعنصرين هما توظيف رجال الدين أداةً بيد السلطة والمشكلات الأسرية التي تدفع الشباب للتمرد

تدور أحداث فيلم "القرموطي في أرض النار" 2017، في إطار ساخر حول شخصية القرموطي (أحمد آدم)، يسافر القرموطي لقضاء نزهة على الشاطئ مع زوجته، فيضيعان في البحر، ويصطدم قاربهما بقارب "جبهة النصرة"، ويلقي بهم الموج إلى الشاطئ الليبي. يقع القرموطي في الأسر، وهناك يتعرف إلى جهل الإرهابيين وطاعتهم العمياء لأوامر القادة، وعلى إمكانيات التنظيم في الجانب الدعائي والإعلامي. الاستخفاف الذي يتعامل به القرموطي مع التنظيم، يوحي بضعف التنظيم، وقوة القرموطي، باعتباره رمزاً للأغلبية من الشعب. يصوّر الحرب ضدّ داعش على أنّها حرب بين الشعب والإرهاب، ولأنّ "الكثرة تغلب الشجاعة" فالمنتصر حتماً هو الشعب والحكومة، وينتهي الفيلم بفرار القرموطي، وإحباطه مهمة تفجير مديرية الأمن في القاهرة، وعلى نحو دعائي ينتهي الفيلم برسالة مباشرة عن توجيه الجيش المصري ضربات موجعة لأوكار التنظيم في ليبيا.

بالسخرية والاستخفاف نفسهما؛ يتناول فيلم "دعدوش" 2017 قضية الإرهاب، بداية يتضمن العنوان احتقاراً للإرهاب، من خلال تصغير اسم داعش إلى دعدوش. يلتحق عطعوط ومجموعة من الشباب بالتنظيم الإرهابي، بعد مشاهدتهم مقطع فيديو دعائي يدعو فيه أمير التنظيم الشباب إلى الالتحاق به، وهو يغريهم بالمال والنساء والطعام. وفق القصة؛ فإنّ الإحباط والفشل هو ما يدفع الشباب للانضمام للجماعات الإرهابية، أما دافعهم إلى تفجير أنفسهم فيتم بطريقة مستمدة من تاريخ طائفة الحشاشين في القرن الحادي عشر؛ أي بتناول المخدر. يشير الفيلم إلى دعم خارجي للتنظيم بالسلاح والمال، وتنفيذ التنظيم لتعليمات يتّضح من خلال أحداث الفيلم أنّها أمريكية، وتنتهي القصة بتوبة الشباب بعد إدراكهم حقيقة تنظيم داعش. وعلى نحو دعائي؛ يلتفون حول الجيش ممثلاً بالضابط. وعلى نحو دعائي ومباشر أيضاً، تدور أحداث فيلم "الخلية" 2017، حول جهود رجال الأمن في محاربة الإرهاب، ممثلاً بضابط في العمليات الخاصة، وهو يطارد الخلايا الإرهابية، ويتصدى للإرهابيين.

طيور الظلام
يفتتح فيلم "طيور الظلام" 1995، لوحيد حامد وشريف عرفة، بتنويه مكتوب إلى أنّ أحداث الفيلم "خيال سينمائي بحت، وأي تشابه بين الخيال والواقع يكون مجرد صدفة". يهدف التنويه إلى التملص من محاولة الربط بين محامي الجماعات الإسلامية في الواقع (الزيات)، وعلي الزناتي في الفيلم، من جهة أخرى؛ يتملّص الفيلم من مفارقته للواقع أو للموضوعية في تناوله قضية الإرهاب.

ثلاثة محامين جمعتهم الصداقة، وفرقتهم الظروف؛ فتحي نوفل (عادل إمام)، ينتهي به المطاف إلى الدفاع عن قضايا فساد رجال الأعمال والحكومة. علي الزناتي (لطفي الخولي) في الظاهر يدير مكتب محاماة لجماعة الإخوان، ويتولى رفع قضايا ضدّ جهات مختلفة من مؤسسات الدولة، لكنّه يدير في الخفاء عمليات جهادية. محسن (أحمد راتب) تدفعه نزاهته إلى ترك المحاماة والعمل محاسباً. اختيار ثلاث شخصيات تعمل في مهنة المحاماة، على النحو الذي سبق، يوجه نقداً لهذه المهنة، كما تتضمن الأحداث نقداً للقضاء المصري.

على نحو دعائي تدور أحداث فيلم "الخلية" حول جهود رجال الأمن في محاربة الإرهاب، ممثلاً بضابط في العمليات الخاصة

يشير العنوان إلى الخفافيش، لكنّ دلالته المضمرة تشير إلى أنّ جماعة الإخوان تدير أعمالها الشريرة في الخفاء. حديث "الإخوان" بالفصحى يشير إلى مفارقتهم للواقع في الوقت الذي يسخر منهم. تضمّ الأحداث جزءاً دعائياً للحكومة، من خلال الإشارة إلى ديمقراطية الدولة، وتغاضيها عن ممارسات الإخوان في المجتمع. رمْي الكرة في ملعب المشاهدين حركة يجيدها وحيد حامد وشريف عرفة، من خلال مشهد بين فتحي وعلي، وهما يلعبان كرة القدم في سجن الاحتياط، مشهد رمزي ينتهي بقذفهما الكرة لتحطم الشاشة، ما يعني أنّ المُشاهد هو اللاعب والحَكَم معاً في الأخير.

الخلاصة: إنّ الأفلام التي تتعامل بجدية مع الإرهاب قليلة، والسخرية الغالبة لها دلالة ظاهرة، تقول إنّ الإرهاب ضعيف مقابل قوة الشعب والجيش، ودلالة أخرى تفيد أنّ الإرهاب قضية لا ينبغي التعامل معها بجدية. لكن قد يكون هذا التناول السينمائي انعكاساً لحالة التعامل الدولي مع الإرهاب، من منطلق القوي والضعيف، دون التفكير في تحليل دوافع الإرهاب، ومعالجته بحلول أخرى غير منطق القوة والسخرية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية