المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: حصان طروادة الإخواني

المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: حصان طروادة الإخواني


17/11/2020

عقد المجلس الفرنسي للدّيانة الإسلاميّة، مطلع الشهر الجاري، اجتماعاً طارئاً؛ لبحث سبل مكافحة التطرّف، وتدريب رجال الدّين في فرنسا، في ظلّ أزمة يعاني منها المسلمون في أوروبّا، بعد العمليات الإرهابيّة المكثّفة التي شهدتها باريس وفيينا، خلال الشهر الماضي.

وفي بيانه التوضيحيّ؛ علّق المجلس بأنّ المتطرّفين غالباً ما يكونون منفصلين عن المؤسّسات الدّينية، ويصبحون متطرّفين بشكل أساسي، عبر الإنترنت والشبكات الاجتماعيّة، وأنّه على المسؤولين المسلمين التكيّف مع هذا الوضع، والاستفادة بشكل أكبر من تقنيّات الاتصال الخاصّة بالشباب، والتكاتف من أجل القضاء على ظاهرة الإرهاب.

الإشكالية في عملية صناعة خطاب إسلاميّ يتّفق مع الهوية الفرنسية الغربية، هي أنّ أغلبيّة العناصر المشاركة في عملية الإعداد، محسوبة على جماعة الإخوان

 ليست هذه المرّة الأولى التي يحاول فيها المجلس تبنّي خطاب أكثر تقدميّة، وإظهار أنّ التطرف الذي اجتاح أوروبا، إنّما هو أمر دخيل على المجتمع الفرنسي، وليس صنيعة الخطاب الإسلاميّ في المساجد والمؤسسات التي ترعاها جماعة الإخوان المسلمين، المحظورة في العديد من الدول العربية والإسلامية.

الانفصاليّة كمشروع

ازداد الجدل في هذا الشأن منذ ألقى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خطابه المشهور، حول الانفصالية الإٍسلامية، والتي وصفها بالمشروع الكامل، من المنظور السياسي الديني، والذي يتجسّد في انحرافات متكرّرة عن قيم الجمهورية، والتي غالباً ما تؤدّي إلى تكوين مجتمع مضادّ، ومظاهره هي: تسرّب الأطفال من المؤسسة التعليمية، وتنمية الممارسات المجتمعية والأفكار الثقافية، التي تكون ذريعة لتدريس مبادئ لا تتوافق مع قوانين الجمهورية.

فتح هذا الخطاب النار بين الجانبين؛ حيث بدأت الأعمال الإرهابية تتوالى، من قبل فصائل التطرف، المتواجدة بكثرة داخل النطاق الجغرافي لأوروبا، وفي فرنسا بشكل خاص، حيث بدأت أعمال العنف بذبح المدرّس الفرنسيّ، صامويل باتي، على يد شاب شيشانيّ، وانتهت بحادث إطلاق الرصاص على كنيس يهودي في فيينا، ورغم الحملات التي قادتها بعض الدول الإسلامية ضدّ فرنسا، والمقاطعة التجارية التي تزعّمتها تركيا، إلّا أنّ المجلس الفرنسي للدّيانة الإسلامية، انتقد هذه الدّعوات بشدّة، معلنًا أنّ المسلمين في فرنسا يمارسون حرّيتهم بشكل كامل، ولا يتعرضون لأيّ نوع من أنواع العنف أو التمييز.

اقرأ أيضاً: النمسا دقت ناقوس خطر الإخوان في أوروبا

وكشف تحقيق، نشرته شبكة الصحفيين الدوليين، في آب (أغسطس) العام الماضي، أنّ جماعة الإخوان المسلمين تستخدم المنظمات غير الحكومية الفرنسية، للضغط على ماكرون بشأن تواجد الإسلاميين المتطرفين في بلاده، كما تستخدم المنظمات غير الحكومية، المعترف بها من قبل الدولة في فرنسا، للترويج لنوع خطير من الإسلام الراديكالي في البلاد.

الباحث عمرو النقيب لـ"حفريات": الإجراءات التي تتخذها فرنسا لا بدّ أن ترتكز على مؤسسة دينية معتدلة، كالأزهر  يكون لديها وعي بقضايا المسلمين وغيرهم

وتحت ستار ما يبدو أنّها منظمات غير حكومية، تمثّل مصالح مسلمي فرنسا، تمّ اتهام الجماعة الدوليّة، والتي صنفتها العديد من دول المنطقة، على رأسها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدّة، على أنّها إرهابية، بالترويج لنسختها الخاصة من الإسلام السياسي في البلاد، وكشفت هذه العلاقة؛ الروابط المالية التي أزيح الستار عنها بين جماعات الجالية الإسلامية الوطنية والإقليمية في فرنسا، والشبكات المالية للجماعة الإرهابية، والتي تدخلها إلى فرنسا مستترة بستار العمل الإنساني والخيري، وترتبط بدول عديدة.

كما أورد التحقيق؛ أنّ إحدى هذه المنظمات هي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)؛ الذي يعمل كمستشار رسمي للحكومة في إدارتها لمسلمي فرنسا، عبر أنحاء البلاد، ووفق أحد الخبراء، الذين شملهم التحقيق، كان زعيم "CFCM"،  المنتهية ولايته، أنور كبيش، شخصية رئيسة في جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن يتولّى دوره في المنظمة الإسلامية الفرنسية، التي عملت بشكل وثيق مع حكومة نيكولا ساركوزي.

حصان طروادة الفرنسي

بعد انشقاقه عن جماعة الإخوان، تحدّث المساعد السابق لجمعية مسلمي فرنسا (MDF)، محمد لويزي، عن أنّ منظّمة مسلمي فرنسا، التي أنكرت علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، شاركت بنشاط في الترويج لجدول أعمال الجماعة الإرهابية.

 ويعتقد لويزي، الذي يبحث في أنشطة جماعة الإخوان المسلمين منذ انشقاقه، أنّ هناك قائمة طويلة من الجماعات الإسلامية في جميع أنحاء فرنسا، والتي تمّ اختراقها الآن من قبل أموال وقيادات الإخوان المسلمين، موضحاً، من خلال إفادته التي أدرجها تحقيق الشبكة، أنّ "المنظمات التي اقتحمها نفوذ الإخوان والأيديولوجيات المتطرفة المماثلة، شملت المساجد الكبرى؛ في بوردو، ومولوز، وريمس، ولوهافر، وديسين شاربيو، وغرينوبل، ومارسيليا".

ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، عمرو النقيب، أنّ المجلس الاستشاري لمسلمي فرنسا يضمّ كيانات ومؤسسات تابعة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، تحمل الخطاب الترويجي نفسه للعناصر المتشدّدة التي تتخذ من أدبيات سيّد قطب وحسن البنا مرجعية فكرية لمساراتها وأنشطتها في الداخل الأوروبي.

اقرأ أيضاً: "بايدن أوروبا".. وأردوغان

وفي تصريح لـ "حفريات" يتوقع النقيب أن تُحدث الإجراءات التي تتّخذها السلطات الفرنسية بشأن الحدّ من الخطاب الدّيني المتطرّف، "تغييراً في الخريطة السياسية الدينية في الداخل الفرنسي، لما لها من تأثير في عملية التضييق عبر مختلف العناصر والمؤسسات التي تنتهج الأطر الفكرية المنحرفة عن الأدبيات الإسلامية المعتدلة، كما أنّ الإشكالية التي تقف أمام السلطات الفرنسية، في عملية صناعة خطاب إسلاميّ دينيّ يتّفق مع الهوية الفرنسية الغربية، هي أنّ أغلبيّة العناصر المشاركة في عملية الإعداد، محسوبة على جماعة الإخوان وتيارات السلفية الغربية، ما يعني أنّ النتيجة والمحصِّلة النهائية صفر، ولن تحقّق مساعيها في إيجاد صيغة توافقية لخطاب معتدل يحدّ من الكراهية، أو من العداء تجاه الغرب في مقابل الموجات اليمينة المتطرفة التي تستهدف المسلمين بشكل عام".

اقرأ أيضاً: أوروبا تدرك خطر الإخوان على أمنها.. كيف ستواجهه؟

ويضيف: "عملية وقف انتداب الخطاب والوعّاظ من تركيا، وبعض الدول العربية التي تسيطر عليها مؤسسات الإخوان وأتباعها، لن تحقق الهدف المطلوب من إيجاد خطاب ديني متّزن؛ لا سيما أنّ الإشكالية في المناهج الفكرية المنتشرة بقوة، وتسيطر على عقلية الشخصيات العاملة في مجال الخطابة الدينية في الداخل الفرنسي، خاصة أنّها متأثرة بجماعة الإخوان، ومشروعهم القائم على خلفية دولة الخلافة المزعومة؛ إذ إنّ الإجراءات التي تتخذها فرنسا في النهاية، لا بدّ أن ترتكز على مؤسسة دينية معتدلة، مثل الأزهر الشريف، يكون لديها وعي بقضايا المسلمين وغيرهم، وتتبنى خطاباً لا يستعدي أياً من الأطراف على بعضها، لتحافظ على الهوية الفكرية والثقافية للشعوب، وتعايشها معاً في إطار السلم الاجتماعي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية