تصاعد هجمات “داعش” ضدَّ حركة الشباب الصومالية.. ما دلالات هذا التنافس الجهادي؟

تصاعد هجمات “داعش” ضدَّ حركة الشباب الصومالية.. ما دلالات هذا التنافس الجهادي؟

تصاعد هجمات “داعش” ضدَّ حركة الشباب الصومالية.. ما دلالات هذا التنافس الجهادي؟


12/03/2024

باتت الصومال ساحة صراع مفتوحة بين تنظيم داعش (ولاية الصومال) الذي يسعى إلى تعزيز حضوره على الأرضي الصومالية، وبين حركة شباب المجاهدين- ذراع تنظيم القاعدة – صاحبة النفوذ الجهادي التقليدي في البلاد، التي تعمل جاهدة لتكريس نفوذها في البلاد دون منافسة من أي تنظيمات جهادية أخرى.

الصراع أدى إلى اندلاع العديد من المواجهات المسلحة بين الطرفين، تصاعدت حدَّتها خلال الفترة الأخيرة بشكل لافت للنظر، خصوصًا بعدما تحوَّل تنظيم داعش في صراعه مع “الشباب” من الدفاع إلى الهجوم، في محاولة للسيطرة على مساحات جغرافية في المناطق النائية والجبلية الوعرة، لتأسيس ما يشبه الإمارات الجهادية.

هذا التنافس والحالة التنظيمية لتنظيم “داعش-الصومال”، وأبرز التهديدات المتصاعدة له، وأسباب الصراع المحتدم بينه وبين حركة الشباب، ومستقبل الصراع بين الطرفين، في ظل توفر العديد من الممهدات، مثل موضوع دراسة نشرها موقع "ترندز للبحوث والاستشارات"، بعنوان "تنافس جهادي.. دلالات تصاعد هجمات “داعش” ضدَّ حركة الشباب الصومالية".

حالة تنظيمية خاصة

وجاء في الدراسة أنّ تنظيم “داعش – الصومال” يعدُّ أحد أبرز فروع التنظيم التي تتمتع بالتنظيم الجيد، وذلك على الرغم من أنّ تقارير عدة تشير إلى أنّ عدد مقاتليه لا يتعدى بضع مئات، غير أنّهم يتَّسمون بالعنف والشراسة، وبالتمرس في الأعمال القتالية، وذلك بالنظر لأنّ معظمهم كانوا أعضاء سابقين في حركة “الشباب” الصومالية وخاضوا كثيرًا من المعارك ضدَّ القوات الحكومة، وهو ما جعلهم يتمتعون بخبرة كبيرة من الناحية التنظيمية والقتالية.

 وتشير بعض التقارير إلى أنّ “داعش – الصومال” لم يعد مجرَّد فرع من فروع داعش، بل بات حامل لواء المشروع الداعشي في منطقة شرق إفريقيا، لذا يعوِّل عليه تنظيم داعش الأم في تصدير المشروع الداعشي في تلك المنطقة.

وقد بدأ تكوّن التنظيم بانشقاق القيادي عبد القادر مؤمن عام 2014 عن حركة “الشباب”، بعدما قررت قيادة الحركة تعيين أحد أفراد عشيرة “ورسنجلي” التي تقطن بالقرب من جبال “علمدو” قائدًا لقاعدة الحركة في شمال شرق البلاد، حيث رفض مؤمن هذا التعيين، وأعلن بيعته لداعش بقيادة زعيم التنظيم حينها أبوبكر البغدادي، وذلك في عام 2015. 

وفي التوقيت ذاتِه دعا تنظيم داعش عناصر حركة الشباب للانضمام إليه، وهو ما قوبل بـرفض وغضب من قبل القيادة المركزية لحركة الشباب التي أصدرت بيانات تدين المنشقين وتصدر توجيهات لأجهزتها الأمنية باعتقال أو قتل العناصر الموالية لداع. 

ومنذ ذلك الوقت بدأت المواجهات المسلحة بين الطرفين، خصوصًا أن حركة الشباب كانت ترغب في القضاء على التنظيم في مهده قبل أن يستفحل خطره فيستحيل القضاء عليه، وهو ما فشلت فيه الحركة.

 أحد أبرز فروع التنظيم التي تتمتع بالتنظيم الجيد

وبالرغم من الضربات العسكرية التي تعرَّض لها تنظيم “داعش” من قِبل الإدارة المحلية والشركاء الدوليين، وفي مقدمتهم واشنطن، غير أنّ التنظيم ما يزال قادرًا على التحرك والاستمرار في الهجمات الإرهابية وعمليات السلب والنهب، وهو ما يشير إلى وجود بيئة محلية حاضنة للتنظيم تساعده على البقاء والاستمرار.

 

داعش – الصومال لم يعد مجرَّد فرع من فروع داعش بل بات حامل لواء المشروع الداعشي في منطقة شرق إفريقيا

 

وقد شهد الصومال خلال الفترة الأخيرة تطورًا كبيرًا في الصراع بين كلٍّ من حركة شباب المجاهدين الصومالية وبين تنظيم داعش الذي يسعى إلى تأسيس “ولاية شرق إفريقيا”، حيث نشبت اشتباكات عنيفة بين الطرفين.

تهديد داعشي متصاعد

وبحسب الدراسة، فقد بات فرع داعش في الصومال يشكل تهديدًا كبيرًا، ليس على المستوى المحلي فحسب وإنّما على المستوى الدولي والإقليمي، ليس فقط بسبب تزايد هجماته الإرهابية وتحوُّل بعضها إلى هجمات واسعة النطاق، وإنما أيضًا لمساعي التنظيم تجنيد عناصر من خارج الصومال، خصوصًا من إثيوبيا.

ومن ناحية أخرى تشير بعض التقارير إلى أنّ “داعش – الصومال” قد تحوَّل إلى مركز مالي لدعم التنظيم في إفريقيا، وذلك نظرًا لنجاحه في توفير مصادر تمويل تدرُّ عليه أموالًا طائلة، وهو ما جعل الصومال تمثِّل مركزًا لصرف الأموال ولتوجيه فروع وشبكات “داعش” في جميع أنحاء قارة إفريقيا.

وقد حرص التنظيم خلال السنوات الماضية على تأكيد وجوده على الساحة الصومالية وإبراز قوته التنظيمية، من خلال نشر العديد من الإصدارات، خصوصًا ما يتعلق بالإعداد والتدريب، على غرار الفيديو الذي نشره التنظيم عام 2020، وظهرت فيه صور لتدريبات يتلقاها عناصره في معسكرات له في مرتفعات “غل غلا” الوعرة في ولاية بونتلاند في شمال شرق الصومال. 

وكانت الولايات المتحدة قد أدرجت على لائحة الإرهاب رئيسَ الشؤون المالية لتنظيم “داعش” في الصومال، عبد الولي محمد يوسف، الذي أدّى دورًا رئيسيًّا في تسليم المقاتلين الأجانب والإمدادات والذخيرة نيابة عن “داعش” في الصومال، وشغل منصب رئيس الشؤون المالية لداعش في الصومال منذ أواخر عام 2019 على الأقل.

كما صنّفت وزارة الخارجية الأمريكية تنظيم داعش في الصومال تنظيمًا إرهابيًّا في 27 شباط/فبراير 2018، وسبق ذلك تصنيف عبد القادر مؤمن، زعيم داعش في الصومال، في 11 آب/أغسطس 2016، كإرهابيين عالميين مُصنفين بشكل خاص. وذلك نظرًا لاستمرار تنظيم “داعش” في شنّ هجمات إرهابية ضد المدنيين، وترهيب واغتيال رجال الأعمال والمدنيين الصوماليين الذين لا يدعمونه ماليًّا ولا يوفرون له الإمدادات.

صراع جهادي محتدم

الدراسة أشارت إلى أنّ تنظيم داعش منذ ظهوره في الصومال نهاية 2015، وهو يمثل صداعًا مزمنًا في رأس حركة “الشباب”، التي رأت في وجود “داعش” على الأراضي الصومالية خطرًا يهدد وجودها وتماسكها التنظيمي، خصوصًا في ظل قدرته على جذب عناصر من داخل الحركة، معتمدًا في ذلك على جاذبية الفكر الداعشي من ناحية، وعلى الانقسامات التي تقع داخل الشباب من ناحية أخرى، وهو ما دفع الحركة إلى إطلاق العديد من الحملات الأمنية للقضاء على التنظيم.

هذا إلى جانب سعي الحركة لقتل أيٍّ من عناصرها ينشق وينضم إلى داعش، على غرار ما شهدته مدينة “جلب” جنوب الصومال، حيث قُتل أحد العناصر الأجنبية في صفوف الحركة يدعى أبو يونس المصري في 11 نوفمبر 2018، على يد مجموعة من شباب المجاهدين، بسبب اتهامه بمحاولة الانشقاق عن الشباب والانضمام إلى “داعش”.

 

بالرغم من الضربات العسكرية التي تعرَّض لها تنظيم “داعش” من قِبل الإدارة المحلية والشركاء الدوليين وفي مقدمتهم واشنطن غير أنّ التنظيم ما يزال قادرًا على التحرك والاستمرار

 

وتدرك حركة “شباب المجاهدين” أن تنظيم “داعش” لا يسعى فقط إلى الحضور على الأراضي الصومالية، وإنما التوسع وإقامة إمارة داعشية، ومن ثم طرد حركة “الشباب” من المناطق التي تسيطر عليها.

وقد أصدرت حركة “شباب المجاهدين” في كانون الأول/ديسمبر 2018 بيانًا عنوانه «والله يعلم المفسد من المصلح»، تدعو فيه إلى ضرورة استئصال تنظيم “داعش” من الصومال، نظرًا لأنّه يكفِّر المسلمين ويستحلُّ أموالهم ويسعى إلى زرع الفتنة؛ ويخلق نزاعات وانشقاقات بين الجهاديين، وهو ما ردَّ عليه تنظيم “داعش” بنشر شريط فيديو يوثِّق فيه شنَّ مقاتليه هجومًا على عناصر شباب المجاهدين.

أسباب الصراع بين الطرفين

من الأسباب التي أدت خلال الآونة الأخيرة إلى تصاعد الصراع بين تنظيم “داعش” وحركة “الشباب” الصومالية، وجعلت الصومال يتحوَّل إلى ساحة حرب مفتوحة بين الطرفين، وفقاً للدراسة، امتداد الصراع “الداعشي-القاعدي”؛ إذ يمكن القول إنّ “الصراع بين داعش وحركة الشباب ليس إلا نسخة طبق الأصل من الصراع بين تنظيم داعش الأم وتنظيم القاعدة في ميادين كثيرة، ويتمحور حول الهيمنة ومصادر التمويل.

هذا إلى جانب التنافس التنظيمي؛ فدائمًا ما تتّسم العلاقة بين المجموعات الداعشية والقاعدية في المناطق التي يوجد فيها الطرفان بأنها تصارعية تنافسية وليست تعاونية أو تكاملية، حيث إنّ كلّاً منهما لا يرغب في وجود الآخر إلى جواره، لكونه يخصم من رصيده البشرى والمادي، ويؤثر على نشاطه وحضوره، وهو ما يدفعهما للدخول في مواجهات مسلحة.

من المرجح أن تزيد حدة الهجمات الإرهابية في الصومال

من الأسباب الأخرى أيضاً؛ تداخل الانتشار الجغرافي، فقد أشارت الدراسة إلى الصراعات المتصاعدة بين التنظيمين خلال الفترة الأخيرة، ما يؤكد إلى وجود حالة من التنافس على بسط النفوذ الجغرافي، حيث تشير التقارير الحكومية إلى أنّه خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018 رُصد انتشارٌ لعناصر “داعش” في مختلف الأقاليم؛ وذلك يعني أنّه لم يعد يكتفي بالمناطق الجنوبية الجبلية والحدودية التي كان يتمركز فيها منذ سنة 2015، وهو ما مثَّل إزعاجًا كبيرًا لحركة “الشباب” التي تسعى إلى تحجم المجموعة الداعشية وحصر نشاطها في مناطق محددة.

مستقبل التصعيد الداعشي ضدَّ “الشباب”

ادراة خلصت إلى أنّ تصاعد تهديدات “داعش” الأمنية في الصومال خلال الفترة الماضية، بعد تزايد قدراته التنظيمية والعسكرية والمالية، سيشجعه على التحوُّل من الدفاع إلى الهجوم في صراعه مع حركة الشباب، وبالتالي تكثيف هجماته الفترة المقبلة ضدَّ الحركة، وذلك لكسر هيبتها وانتزاع بعض المناطق من سيطرتها.

وذلك سيسمح له باستقطاب عناصر ومجموعات جديدة من صفوفها، خصوصًا أنّ الفكر الداعشيى أثبت قدرته على جذب عناصر ممّن يعتنقون الفكر القاعدي، وهو ما سوف تحاول حركة “الشباب” تقويضه بشنّ مزيد من الهجمات العسكرية المضادة والحملات الفكرية والعقائدية، وهو ما يعني أنّ الصراع بين الطرفين خلال الفترة القادمة سيكون مفتوحًا على مصراعيه.

 

تنظيم داعش منذ ظهوره في الصومال نهاية 2015 وهو يمثل صداعًا مزمنًا في رأس حركة “الشباب” التي رأت في وجود “داعش” على الأراضي الصومالية خطرًا يهدد وجودها

 

ومن المرجح أن تزيد حدة الهجمات الإرهابية في الصومال في ظل التنافس العملياتي بين الطرفين، حيث سيسعى كل طرف إلى إثبات قوّته على الساحة ليس فقط من خلال مهاجمة الطرف الآخر وإنّما أيضًا من خلال تكثيف الهجمات ضد القوات الحكومية، وهو ما قد يعني مزيدًا من الانفلات الأمني في البلاد، ومن ثم تقويض جهود الحكومة الصومالية لمحاصرة الإرهاب في البلاد، وبالتالي تزايد التهديدات الأمنية في القرن الإفريقي، على نحو قد يهدد مصالح العديد من القوى الدولية والإقليمية في تلك المنطقة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية