جيش الإخوان!

جيش الإخوان!

جيش الإخوان!


08/10/2023

علي أحمد

الآن وبعد مرور – نصف عام – تقريباً على الحرب، لم يعد خافيِّاً على أحد أن المليشيات الإسلاموية المتطرفة تشارك بفعالية في حرب السودان الراهنة؛ ليس بجانب الجيش فقط، وإنما تتقدمه وتقوده في أحايين كثيرة.

ذكرنا ذلك مراراً وتكراراً، وقلنا إنه لا يحتاج دليلاً إلاّ إذا احتاج النهار إلى دليل، لكن كثيرون ضمنهم (مثقفون) ما يزالوا يحاججون أن الجيش (جيش السودان) وليس جيش الكيزان، وأن الحرب حربه وليست حربهم، فرحين بالنظرية النيئة، سيئة المذاق التي أطلقها أحد كبرائهم (عبد الله علي إبراهيم)، والتي باتت تعرف سخرية بـ(نظرية المُر والأمر منه).

بالنسبة لهؤلاء، فإنّ حديث (حميدتي) الذي أشار فيه منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحرب إلى أنها حرب الفلول والجهاديين المتطرفين ضد الدولة المدنية والتحول الديمقراطي، لا يؤخذ به، لأنه رواية (آحاد) ربما، وكذلك أحاديثنا نحن، كلها ضعيفة لديهم، طالما لم ترد في الصحيحين، (صحيح الكيزان، وصحيح الموز).

الآن، ما رأيهم فيما ورد في (بخاري) الأحاديث الصادقة الموثوقة، ما رأيهم في (بي بي سي عربية)، هل يصدقون روايتها؟
إذاً، فقد شاهدوا بالتأكيد – التقرير الاستقصائي الذي بثته المؤسسة الإعلامية الرصينة- قبل يومين – تحت عنوان “إسلاميون مقاتلون .. كيف يقاتل أنصار البشير في صفوف الجيش السوداني” ورصدت من ضمن مليشياتهم: “المجاهدون، البراء بن ملك، وهيئة العمليات”، فماذا هم قائلون، ربما: “قد دفع لهم حميدتي، أو سيطر عليهم القحاتة”، أو لربما لا يزالوا يهتفون جهراً وسراً (بل بس)!

ليست (بي بي سي) وحدها؛ فالعالم كله بات يعرف الآن أن قيادة الجيش وعلى رأسها البرهان نفسه، تواطأت مع قادة النظام السابق ومليشياتهم، وعلى رأسهم علي كرتي وأسامة عبد الله بالتشاور مع صلاح قوش من على البعد، وانخرطت معهم في اجتماعات متواصلة قبل شهور من الحرب، بعد أن فشل انقلابهم في 25 أكتوبر 2021، وبعد أن قفز منه قائد الدعم السريع، ثم اعتذاره لاحقاً، فأسقط في يدهم، فقرروا أن لا مناص سوى بالتخلص منه ومن قواته، من أجل بسط نفوذهم وسيطرتهم، وبدعم من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا بإغراء قادتها بمناصب رفيعة وأموال كثيرة، ثم التخلص منها لاحقاً.

كان هذا السيناريو مُعداً سلفاً، وشرعوا في تنفيذه في 15 أبريل.

وقتها كانت المليشيات الإرهابية مستعدة تماماً، والضباط والجنود “الإخونجية” داخل المؤسسة العسكرية والأمنية على علم واستعداد، لذلك كانوا واثقين من حسم المعركة خلال 6 ساعات فقط، خصوصاً بعد أن تلقوا وعداً خارجيًا بمساعدتهم من خلال الضربات الجوية، لكن أُسقط في يدها عندما حوصر مطار (مروي)!!

ثم عندما فشل مخططهم بدأ الحشد للحرب المجرم المطلوب دوليًا “أحمد هارون” الذي هربه الجيش من سجن كوبر ، حسبما كشف التقرير الاستقصائي المشار إليه، ووفقاً لما هو معلوم بالضرورة وبالمشاهدة اليومية. وبجانب هؤلاء ما تزال الجماعات الإرهابية الأخرى؛ مثل داعش والنصرة، تقاتل في صفوف الجيش. وقد قُتل منهم من قُتل وأُسِر من أُسِر.

وفي هذا السياق، كنتُ أشرتُ- غير مرة – إلى البيان الصادر عن حزب النظام المخلوع، والذي نشر على صفحته الرسمية في (فيسبوك) والذي أعلنت خلاله مليشيات الإخوان بيعتها لمشروع الحرب ومن يقفون على رأسه، وأقرت بأنها تقوم بجمع المال والرجال وتنشط في الاستنفار من أجل ذلك.
فما الاستنفار إذاً؟
إنه عملية واسعة لتجنيد وإعادة تدريب لعناصر المليشيات الإسلاموية والجهادية المتطرفة؛ ممولة جيداً من خزينة الدولة؛ العاجزة عن دفع رواتب موظفيها منذ اندلاع الحرب وحتى الآن؛ ومن أموال الإغاثة المنهوبة، إذ تقوم خطة الحركة الإسلامية (الكيزان) على الانخراط في الحرب والتغلغل بعمق أكثر في الجيش وسرقة أسلحته لتقوية مليشياتها التي تُعدها لتحل مكان الحيش وتصبح بديلاً له، هذا في الخطة(أ)، والتي إن فشلت فإن الخطة (ب) جاهزة منذ عقود فيما كان يسمى وقتها بمثلث حمدي، ويطلق عليها الآن دولة النهر والبحر.

ظللت وما أزال استعجب من نفي كثيرون بما فيهم أطرافاً من مركزية قوى الحرية والتغيير عن قائد الجيش انتماؤه للحركة الإسلامية، إذ أن ذلك بالنسبة لي ليس مؤكداً فحسب – بل مما لا يحتاج دليلاً – كأن استدعي أقوال كبير منظري الكيزان؛ أمين حسن عمر، الذي كشف أن البرهان كان رئيساً للمؤتمر الوطني في محلية نيرتتي بجبل مرة (غرب)، علاوة على أن تسميته مفتشاً عاماً للقوات المسلحة في أوقات لم يكن البشير يأتي إلى دائرته الضيقة إلاّ بالثقاة والمقربين جداً.

الآن، ها هو الرجل أمامكم، فماذا ترون؟

إنه ينفذ أجندات الإسلامويين بحذافيرها، يدعو إلى الاستنفار ويعلن عن مواصلة الحرب حتى آخر جندي، يتهرب من المفاوضات والحل السلمي، يلهث لجلب السلاح من الخارج، يردد أقوال داعمي النظام السابق.

فمن هو ياتُرى، وما انتماؤه السياسي وخطه الفكري؟.. “قال بعثي قال”! ربما كان كذلك في بداية حياته السياسية، لكن الإنسان يتغير، فلماذا تظنون غير ذلك في الرجل، هل رأيتهم فيه شخص مبدئي ملتزم، أم متقلب كل يوم شأن؟

الآن، تقاتل مليشات الإسلامويين بسلاح الجيش – نعم هذا صحيح – مثبت وموثق، لكن صحيح أيضاً، أن الجيش نفسه أصبح مليشيا إخوانية تقاتل من أجل تنفيذ أجندات وبرامج وخطط النظام البائد وتعمل على إعادته إلى السلطة مرة أخرى.

انه جيش الإخوان لا جيش البرهان ولا جيش السودان.

عن "الراكوبة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية