حرب غزة مهدت لها مقاومة الضفة الغربية

حرب غزة مهدت لها مقاومة الضفة الغربية

حرب غزة مهدت لها مقاومة الضفة الغربية


29/11/2023

كشفت حرب غزّة إسرائيل، بل وضعتها في حجمها الطبيعي. ليس في استطاعة إسرائيل لعب دور على الصعيد الإقليمي ما دامت عاجزة عن فهم ما يدور في الجوار المباشر، في غزّة والضفّة الغربية المحتلة.

لم تكن بداية حرب غزّة في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي عندما شنت “حماس” هجومها على مستوطنات تقع في ما يسمّى غلاف غزّة. الحرب بدأت مع انتهاج سياسة تقوم على التواطؤ الضمني مع “حماس” واستخدام رفضها المشروع الوطني الفلسطيني. كانت صواريخ “حماس” من غزّة وشعاراتها من نوع “فلسطين وقف إسلامي” مبررا لبقاء الاحتلال واستمرار الاستيطان في الضفة الغربيّة. أوصلت هذه السياسة العمياء إلى حرب غزّة التي سبقها رفض اليمين الإسرائيلي أي وقف للاستيطان من جهة ورفض لاستيعاب معنى الانفتاح العربي على الدولة العبرية من جهة أخرى.

قبل حرب غزّة، كانت مجموعات مسلّحة في الضفة الغربيّة تقاوم الاحتلال. كانت تقاوم في ضوء غياب أي أفق سياسي أمام فلسطينيي الضفّة الغربيّة. لم تترك إسرائيل أمام هؤلاء من خيار غير الاستسلام للاحتلال المستمر منذ العام 1967. جعلتهم من الناس الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه. يعني ذلك أن إسرائيل لا يمكن إلّا أن تخرج خاسرة من المواجهة. يعود الأمر إلى أن أسوأ ما يمكن أن يحدث لشخص أو لمجموعة، وحتّى لدولة قويّة، يتمثّل في التعاطي مع طرف ليس لديه ما يخسره. نزعت إسرائيل كلّ أمل بمستقبل أفضل أمام الشباب الفلسطينيين في الضفة الغربيّة. لم تترك أمامهم سوى خيار واحد، هو خيار حمل السلاح.

حرب غزّة تطرح أسئلة، بل تساؤلات كثيرة. في مقدم التساؤلات ما الذي تريده إسرائيل؟ وهل في الإمكان إعادة لغة المنطق إلى المجتمع الإسرائيلي الذي يعاني من أمراض يبدو أن لا شفاء له منها؟

منذ الأحداث الدموية التي شهدتها الضفّة الغربيّة الصيف الماضي، لم يعد مستبعدا توسّع المواجهات إلى غزّة. يعود الأمر إلى أن المعادلة في غاية البساطة، وهي معادلة يعجز العقل اليميني الإسرائيلي الذي يتحكّم بحكومة بنيامين نتنياهو عن استيعابها. يختزل المعادلة وجود ما بين سبعة وثمانية ملايين فلسطيني بين البحر المتوسط ونهر الأردن.

ليس طبيعيا، في مواجهة هذا العدد الكبير من الفلسطينيين على أرض فلسطين، استبعاد الحل السياسي والاستعاضة عنه بعقل بنيامين نتنياهو (بيبي) الذي لا يفكّر سوى بكيفية إنقاذ مستقبله السياسي وتفادي دخول السجن كما حصل مع رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت.

لم يكن طبيعيا ما يحدث في الضفّة الغربيّة مثلما أن ما يحدث من تدمير لغزّة في الوقت الحاضر يخرج عن نطاق الإنسانيّة. حسنا، لنفترض أن الجيش الإسرائيلي استطاع السيطرة كلّيا على غزّة المدمّرة وعلى مخيّم جنين في الضفة الغربيّة غدا أو بعد غد؟ ما الذي سيفعله في اليوم التالي؟ خلاصة الأمر أنّ إسرائيل تبدو أكثر من أي وقت دولة مريضة فقدت كلّ قدرة على التعاطي السياسي مع مشاكل المنطقة. باختصار، باتت إسرائيل أسيرة عقل مريض يمثله يمين متعصب لا يشبه سوى العقل “الداعشي” الذي يتحكّم بتنظيمات مثل “حماس” أو “الجهاد الإسلامي” على علاقة قويّة وعميقة مع “الحرس الثوري” الإيراني.

كلّ ما تفعله إسرائيل في الوقت الحاضر، في غزة وما فعلته في مرحلة ما قبل حرب غزّة، أنّها وضعت نفسها في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني الذي يستفيد إلى أبعد الحدود من استمرار التوتر والحروب حيث الحاجة أكثر من أي وقت إلى السياسة. لا مفرّ من العودة إلى السياسة على الرغم من غياب السلطة الوطنيّة الفلسطينية التي ليس لديها ما تقوم به غير التهديد والوعيد، علما أنّ رئيسها يعرف قبل غيره أنّه لا يستطيع الخروج من بيته من دون إذن إسرائيلي.

وضعت إسرائيل نفسها في خدمة المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة. عندما سدّت كلّ أبواب الحل السياسي مع الفلسطينيين. سدّت في الوقت ذاته كلّ الأبواب أمام التعاون على الصعيد الإقليمي لمواجهة التوسّع الإيراني الذي قضى على سوريا والعراق ولبنان والذي ليس مستبعدا أن يقضي أيضا على اليمن.

تكشف حرب غزّة أن القضيّة الفلسطينيّة ما زالت حيّة ترزق. أكثر من ذلك، تكشف أنّ حل الدولتين لا يزال الخيار الوحيد من أجل ضمان الاستقرار في المنطقة وذلك على الرغم من حال الإفلاس التي تعاني منها السلطة الوطنيّة… وعلى الرغم من انكشاف لعبة “حماس” التي ستكون مع “بيبي” نتنياهو من ضحايا حرب غزّة.

 إسرائيل نزعت كلّ أمل بمستقبل أفضل أمام الشباب الفلسطينيين في الضفة الغربيّة. لم تترك أمامهم سوى خيار واحد، هو خيار حمل السلاح

يظلّ أخطر ما في الأمر ذلك الغياب الأميركي عن الحدث الفلسطيني، وهو غياب لا مبرّر له. ما زالت الإدارات الأميركيّة، على الرغم من كلام الرئيس جو بايدن عن خيار الدولتين، تتجاهل القضيّة الفلسطينيّة منذ صيف العام 2000 بعد فشل قمة كامب ديفيد بين الرئيس كلينتون وياسر عرفات وإيهود باراك (رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك). ما زال الفلسطينيون يدفعون ثمن فشل تلك القمة التي تلتها عسكرة للانتفاضة التي تسبب بها ذهاب أرييل شارون إلى حرم المسجد الأقصى.

ينسف ما يحصل هذه الأيّام كلّ الجهود التي بذلتها أطراف عربيّة من أجل إيجاد وضع طبيعي في المنطقة يزول فيه الاحتلال الإسرائيلي ويحصل نوع من التعاون يخدم الاستقرار. تطرح حرب غزّة أسئلة، بل تساؤلات كثيرة. في مقدم التساؤلات ما الذي تريده إسرائيل؟ وهل في الإمكان إعادة لغة المنطق إلى المجتمع الإسرائيلي الذي يعاني من أمراض يبدو أن لا شفاء له منها؟ يكفي النظر في تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية للتأكد من أنّها حكومة تؤمن بالاحتلال وترفض الاعتراف بوجود شعب فلسطيني موجود على الخريطة السياسيّة للمنطقة أكثر من أي وقت.

ما الذي يفترض حدوثه كي تتأكّد الحكومة الإسرائيليّة من أنّ الشعب الفلسطيني موجود أكثر من أي وقت وأنّ التنكر لوجود هذا الشعب لن يقود سوى إلى المزيد من الكوارث على الصعيد الإقليمي…

أنقذ “بيبي” مستقبله السياسي أم لم ينقذه. أزال غزّة من الوجود أم لم يزلها… هل المستقبل السياسي لـ”بيبي” أهمّ من مستقبل المنطقة؟

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية