شبيه بالقاعدة... هل يمثل تنظيم داعش - ولاية ‏خراسان تهديداً عالمياً حقيقياً؟

شهد تنظيم داعش - ولاية ‏خراسان عملية تحوّل جعلت منه أحد أكثر فروع الشبكة العالمية للتنظيم الإرهابي وعملياته دليلاً حيّاً على أنّه يتحول شيئاً فشيئاً إلى تنظيم قاعدة جديد يمكن أن يوثر على السلم العالمي. 

وأعلن تنظيم (داعش) مسؤوليته عن إطلاق نار جماعي وقع يوم الجمعة الماضي في قاعة ‏للحفلات الموسيقية بالقرب من موسكو، وأدى إلى مقتل (139) شخصاً على الأقل، ممّا يثير الكثير من علامات الاستفهام حول قدرته على تنفيذ عمليات بعيدة عن قواعده في المناطق الحدودية ‏بأفغانستان‎.‎

وقال خبراء أمنيون لوكالة (رويترز): إنّ اكتشاف جوازات سفر طاجيكية مع المسلحين الذين اعتقلتهم السلطات الروسية ‏يشير إلى وجود صلة محتملة بجماعة داعش التي تستقطب أفراداً بكثافة من الدولة الفقيرة في آسيا ‏الوسطى‎.‎

وفي الأعوام القليلة الماضية دأب التنظيم الذي يقوده أشرف ثناء الله غفاري (29 عاماً) على مهاجمة روسيا، ردّاً على تدخلها الذي ساعد في ‏إلحاق الهزيمة بعمليات تنظيم (داعش) في الحرب الأهلية السورية‎.‎

وتحدثت (رويترز) مع مصادر متعددة، من بينهم مسؤولو أمن ومخابرات حاليون ومتقاعدون في أفغانستان وباكستان والعراق والولايات المتحدة، بالإضافة إلى أعضاء من حركة طالبان الأفغانية والباكستانية.

وقال مصدران من طالبان الأفغانية والباكستانية: إنّ تقارير أولية أفادت بمقتل غفاري في أفغانستان في ‏ حزيران (يونيو) الماضي، لكنّه هرب جريحاً عبر الحدود إلى باكستان، ويعتقد أنّه يعيش في إقليم بلوشستان ‏الحدودي الذي تعمّه الفوضى. ولم تردّ وزارة الخارجية الباكستانية على طلب للتعليق على مكان وجود ‏غفاري‎.‎

وقد عُيّن غفاري أميراً لتنظيم داعش - ولاية خراسان في عام 2020، وعزز سمعة التنظيم في ‏تبنيه لنهج متشدد وتنفيذه لهجمات كبيرة‎.‎

وجذب التظيم الاهتمام العالمي بتفجير انتحاري في عام 2021 في ‏مطار كابل الدولي أثناء الانسحاب العسكري الأمريكي أدى إلى مقتل (13) جندياً أمريكياً وعشرات ‏المدنيين. وفي أيلول (سبتمبر) 2022 أعلن مسؤوليته عن هجوم انتحاري على السفارة الروسية في ‏كابل أسفر عن سقوط قتلى‎.‎

اكتشاف جوازات سفر طاجيكية مع المسلحين الذين اعتقلتهم السلطات الروسية ‏يشير إلى وجود صلة محتملة بجماعة داعش ولاية خرسان.

لكن ربما وقعت العملية الأكثر خسارة حتى الآن في كانون الثاني (يناير) بتفجير انتحاري مزدوج في ‏إيران أدى إلى مقتل نحو (100) شخص أثناء تأبين قائد الحرس الثوري قاسم سليماني بالقرب من قبره، ‏في أكثر الهجمات دموية على الأراضي الإيرانية منذ الثورة الإسلامية عام 1979‏‎.‎

ولم يكن يُعرف سوى القليل عن غفاري قبل الهجوم على مطار كابل عام 2021، ممّا دفع واشنطن ‏إلى إعلان مكافأة قيمتها (10) ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى معرفة مكانه أو القضاء عليه. ‏وقالت مصادر من طالبان إنّه أفغاني طاجيكي كان جندياً في الجيش الأفغاني، وانضم لاحقاً إلى تنظيم  (داعش) الذي تشكل في أواخر عام 2014‏‎.‎

وقال أعضاء من طالبان الأفغانية والباكستانية: إنّ الجماعة الإرهابية استغلت عدم قدرة ‏الحركة على القضاء على قواعده الآمنة في شمال وشرق أفغانستان للتوسع إقليمياً‎.‎

وقالت المصادر: إنّه في عهد غفاري استخدم التنظيم هجمات كبيرة كأداة لاستقطاب الطاجيك والأوزبك ‏في أنحاء آسيا الوسطى وليس الأغلبية البشتونية في أفغانستان التي تشكل العمود الفقري لطالبان‎.‎

وقال الخبير الكبير في شؤون أمن منطقة جنوب آسيا في معهد الولايات المتحدة للسلام إسفنديار مير: "يسعى تنظيم داعش - ولاية خراسان إلى التفوق ‏في الأداء على الجهاديين المنافسين عبر تنفيذ هجمات أكثر جرأة تجعله أكثر تميزاً، ولكي يكسب على ‏حساب المنافسين ويتحصل على الموارد من المؤيدين المحتملين".‎

وقال الرئيس السابق للقيادة المركزية الأمريكية التي تغطي آسيا الوسطى والشرق ‏الأوسط فرانك ماكنزي: إنّ هجوم موسكو يتسق مع الهدف البعيد لتنظيم داعش ‏‏- ولاية خراسان المتمثل في زيادة عملياته الخارجية التي تتضمن استهداف الولايات المتحدة‎.‎

وأكد أثناء الانسحاب من أفغانستان "ما زالوا مصممين على مهاجمتنا ومهاجمة وطننا، أعتقد أنّ ‏احتمالات ذلك ربما تكون أعلى الآن ممّا كانت عليه قبل عامين‎"‎.

وأشار تقرير صدر في تموز (يوليو) 2023 مقدّم إلى مجلس الأمن الدولي عن التهديد الدولي الذي يشكله ‏تنظيم (داعش) إلى أنّ عدد أفراد ولاية خراسان يتراوح بين (4) آلاف ‏و(6) آلاف على الأرض في أفغانستان، من بينهم المقاتلون وأفراد من أسرهم.

التنظيم جذب الاهتمام العالمي بتفجير انتحاري في عام 2021 في ‏مطار كابل، وبتفجير انتحاري مزدوج في ‏إيران أثناء تأبين قائد الحرس الثوري قاسم سليماني.

 ويقول خبراء أمنيون: إنّ ‏توسع التنظيم يعود إلى انهيار تنظيم (داعش) في الحرب في العراق عام 2017‏‎.‎

وقال مسؤول أمني عراقي كبير طلب عدم كشف هويته: إنّ كثيرين من المقاتلين الأجانب فروا من ‏العراق إلى أفغانستان وباكستان للانضمام إلى تنظيم داعش - ولاية خراسان، حاملين معهم ‏خبرات في حرب العصابات طورت قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات في إيران وتركيا وأفغانستان‎.‎

وأضاف المسؤول أنّ الأمن العراقي يعتقد أنّ تنظيم داعش- ولاية خراسان يعمل على إنشاء ‏شبكة إقليمية من الخلايا المقاتلة الجهادية التي قد تساعد في تنفيذ هجمات دولية، بناء على معلومات من ‏العشرات من مجندين كبار في التنظيم اعتقلوا في العامين الماضيين‎.‎

وأكد المسؤول العراقي أنّ اثنين من كبار قادة تنظيم (داعش) العراقيين اللذين اعتقلتهما تركيا في ‏ كانون الأول (ديسمبر) وسلمتهما لبغداد، قالا للمخابرات العراقية إنّهما كانا يتواصلان مع غفاري ‏للحصول على دعم مالي ولوجستي عبر تبادل رسائل مع عضوين طاجيكيين من تنظيم الدولة ‏الإسلامية-ولاية خراسان في تركيا‎.‎

وقال مسؤول مخابرات في طالبان: إنّ 90% من قيادات تنظيم داعش - ولاية خراسان هم ‏الآن من غير البشتون. والطاجيك والأوزبك هما المجموعتان العرقيتان الكبيرتان الأخريان اللتان ‏تسكنان شمال أفغانستان‎.‎

وأشار تقرير للأمم المتحدة صدر في كانون الثاني (يناير) 2024 إلى أنّ التنظيم كثف جهوده لتجنيد ‏مقاتلين أجانب وأعضاء خاب أملهم في طالبان، مع التركيز بشدة على الطاجيك. وجاء في التقرير أنّ ‏المواطن الطاجيكي خوكوماتوف شامل دوديودويفيتش، وكنيته أبو مسكين، أصبح مسؤولاً نشطاً عن ‏الدعاية والتجنيد‎.‎

وقال قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا، في شهادة مكتوبة: إنّ طالبان استهدفت ‏بعض كبار قادة التنظيم الإرهابي، لكن لم تكن لديها القدرة أو النية لمواصلة ‏الضغط عليه، وأنّ هذا سمح له بتجديد شبكاته‎.‎

ماكنزي: هجوم موسكو يتسق مع الهدف البعيد لتنظيم داعش ‏- ولاية خراسان المتمثل في زيادة عملياته الخارجية التي تتضمن استهداف الولايات المتحدة.

وأضاف كوريلا في جلسة استماع للجنة بمجلس الشيوخ هذا الشهر: "يمتلك تنظيم داعش - ولاية ‏خراسان القدرة والإرادة لمهاجمة المصالح الأمريكية والغربية في الخارج في غضون نحو (6) أشهر، ‏دون إنذار أو إشارة تذكر‎".‎

وبينما قال المتحدث باسم إدارة طالبان في كابل ذبيح الله مجاهد: إنّ حملة أمنية أضعفت بشدة تنظيم ولاية خراسان، وإنّه لا ينفذ سوى عمليات نادرة ضد المدنيين، أشار تقرير الأمم المتحدة الصادر في كانون الثاني (يناير) إلى أنّ تراجع هجمات التنظيم داخل أفغانستان ربما يكون انعكاساً لتغير في استراتيجية غفاري، فضلاً عن جهود ‏مكافحة الإرهاب التي تبذلها طالبان‎.‎

ونفذت السلطات في كثير من الدول الأوروبية سلسلة من الاعتقالات لأشخاص يعتقد أنّهم من تنظيم ‏داعش - ولاية خراسان في تموز (يوليو) وكانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، لاتهامهم ‏بالتدبير لهجمات إرهابية‎.‎

وقالت كريستين أبي زيد، مديرة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، أمام لجنة بمجلس النواب الأمريكي ‏في تشرين الثاني (نوفمبر): إنّ تنظيم داعش - ولاية خراسان استخدم حتى الآن "مجندين غير ‏محنكين" في محاولات تنفيذ هجمات في أوروبا‎.‎

يُذكر أنّ فرنسا التي تستضيف دورة الألعاب الأولمبية بدءاً من أواخر تموز (يوليو) المقبل،  أعلنت أنّها رفعت مستوى التحذير من الإرهاب إلى أعلى درجة بعد إطلاق النار في موسكو‎.‎

مواضيع ذات صلة:

- خبيران أمريكيان يقدّران حجم تهديد الدولة الإسلامية في خراسان

- داعش في "ولاية خراسان": معضلة أفغانستان الجديدة

- أفغانستان و"داعش خراسان"