كيف سيؤثر التعريف البريطاني الجديد للتّطرف على جماعة الإخوان؟

كيف سيؤثر التعريف البريطاني الجديد للتّطرف على جماعة الإخوان؟

كيف سيؤثر التعريف البريطاني الجديد للتّطرف على جماعة الإخوان؟


24/03/2024

طرح التعريفُ البريطاني الجديد لمفهوم التطرف عدة تساؤلات حول السياقات وأهم الدلالات والتداعيات التي يحملها هذا التعريف؛ الذي ينص على أنّ التطرّف هو "ترويجُ أو تعزيزُ أيديولوجيةٍ تقومُ على العنفِ أو الكراهيةِ أو التعصب، وتهدفُ إلى تدميرِ الحقوقِ والحريّاتِ الأساسية؛ أو تقويضُ أو استبدالُ الديمقراطيةِ البرلمانيةِ الليبراليةِ في بريطانيا، أو خلقُ بيئةٍ مواتيةٍ للآخرين عن عمدٍ لتحقيقِ تلك النتائج".

وبحسب التعريف الجديد، فإنّ أي مؤسسة تُوسَمُ بالتطرف لن يكون لها الحق في استئناف هذا القرار، كما سيُمنَع كلُّ الموظفين الحكوميين والمؤسسات الحكومية من التعامل معها أو الانخراط فيها أو المشاركة في أنشطتها.

في حين أنّ التعريف السابق للتطرُّف في عام 2011، وصفه بأنّه "معارضة صريحة أو نشطة للقيم البريطانية الأساسية، ومنها الديمقراطية، وسيادة القانون، والحرية الفردية، والاحترام المتبادل، والتسامح بين الأديان والمعتقدات المختلفة".

هذا التغير في المفاهيم تناولته دراسة حديثة أصدرها مركز "تريندز للدراسات والبحوث"، تحدثت عن المنظمات والمؤسسات التي سيتم تقييمها وردود الفعل، وانعكاسات التعريف الجديد على جماعة الإخوان، خاصة وأنّ كثيرًا من المتخصصين في قضايا التطرف والإرهاب غير متفائلين كثيرًا بأنّ هذا التعريف سيكون رادعًا لجماعة الإخوان، التي توجد في بريطانيا بأسماء وشعارات تخفي هويتها الحقيقية. 

دوافع بريطانيا للتعريف الجديد للتطرف

لفت مركز تريندز للدراسات إلى أنّ التعريف البريطاني الجديد للتطرف يأتي في سياق محاولة لندن لمواجهة التطرف وحماية الديمقراطية، حيث حذّر رئيس الوزراء ريشي سوناك في وقت سابق من هذا الشهر، من “أنّ المتطرفين واليمين المتطرف يقوضون عمدًا الديمقراطية متعددة الأعراق في بريطانيا، ودعا إلى بذل المزيد من الجهود لمعالجة المشكلة”

بحسب التعريف الجديد فإنّ أي مؤسسة تُوسَمُ بالتطرف لن يكون لها الحق في استئناف هذا القرار

ومن حيث التوقيت يرى عدد من المراقبين أنّ بريطانيا قد اتّخذت تلك الخطوة بالتزامُن مع حرب غزة، حيث تواجه تحديات مع خروج المظاهرات المؤيّدة لحركة حماس، إذ استغلت الجماعات الإسلاموية الحرب لخلق خلط بين تأييد الفلسطينيين وتأييد حماس، واستقطبت الكثيرين؛ ولذا، تحاول لندن الآن الحدَّ من تأثير مؤيدي حماس، كما أنّ التعريف الجديد يعد بمثابة خطوة تهدف للترويج إلى أنّ الحكومة تتّخذ إجراءات من أجل الحد من معاداة السامية بعد تصاعد الكراهية، لكن يبدو أنّ هذا لن يؤدّي إلى اختراق حقيقي فيما يتعلّق بملف نشاط الإخوان؛ وبالتالي لن يكون لها صدى كبير في أوروبا، بحسب الدراسة.

 

الحكومة البريطانية كانت قد قلصت بالفعل تعاملاتها مع المجلس الإسلامي البريطاني وهو يمثل أكبر جماعة إسلامية في بريطانيا وقيدت اتصالاته مع مختلف الإدارات

 

ويهدف التعريف الجديد إلى مكافحة ما وصفه رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، بأنّه “سم” للديمقراطية، محذّرًا من “زيادة مروعة في الاضطرابات المتطرفة والإجرام، تهدد البلاد بالانتقال إلى حكم الغوغاء”. وقالت الحكومة إنّها وضعت “معايير عالية” أمام تصنيف الأشخاص كمُتطرفين، وإنّ السياسة لن تستهدف من لديهم “معتقدات خاصة وسلمية”.

المنظمات والمؤسسات الإسلامية المستهدفة بالتعريف الجديد

هذا وتشير العديد من التقارير إلى أنّ الحكومة البريطانية ستقوم في ضوء التعريف الجديد، خلال الأسابيع المقبلة بإجراء إعادة تقييم للمنظمات والمؤسسات البريطانية لحسم إمكانية استفادتها من تلقّي التمويل الحكومي والاجتماع بالمسؤولين، خاصة في ظل ارتفاع حوادث العداء للسامية.

وفي هذا السياق، صرح وزير الدولة “مايكل غوف”، وزير الحكم المحلي، الذي يرأس الإدارة التي أصدرت التعريف الجديد للتطرف، عن قائمة أولية للمؤسسات التي سيتم وسمها بأنّها متطرفة، ومن بينها منظمات نازية وأخرى تنتمي لليمين المتطرف، بينما قال إنّه وضع على قائمة المراقبة مؤسسات كلها إسلامية.

 ويتعلق الأمر بمنظمة “كيج” (CAGE) التي تعمل في مجال الدفاع عن ضحايا الإسلاموفوبيا وضحايا الحرب على الإرهاب، وكذلك جمعية مسلمي بريطانيا (MAB). كما صرح غوف أنّ “إجراءات اليوم ستضمن ألا توفر الحكومة عن غير قصد منصة لأولئك الذين يسعون إلى تقويض الديمقراطية وحرمان الآخرين من الحقوق الأساسية، وأنّ “هذه هي الخطوة الأولى في سلسلة من الإجراءات لمواجهة التطرف وحماية ديمقراطيتنا”.

يُذكر أنّ الحكومة البريطانية كانت قد قلصت بالفعل تعاملاتها مع المجلس الإسلامي البريطاني، وهو يمثل أكبر جماعة إسلامية في بريطانيا، وقيدت اتصالاته مع مختلف الإدارات. وفي إطار التعريف الجديد، لن توصف المنظمات أو الأفراد المُدرَجُون على القائمة الجديدة بالإجرام، بخلاف الجماعات الإرهابية، لكنهم سيُمنعون من الاتصال بالحكومة، ولن يتمكنوا من تلقي التمويل الحكومي.

انتقادات حول التعريف الجديد

ووفقاً للدراسة، فقد حذر منتقدون من أنّ هذا التعريف الجديد قد يؤدي إلى نتائج عكسية، وقد يستخدم لكتم أصوات المختلفين مع الحكومة. كما حذروا من أنّ التعريف الجديد قد يؤدي إلى تفاقم التوترات المجتمعية، ويعرّض الوزراء لتحديات قانونية، إذا بقي تفسيره فضفاضًا للغاية. 

 

تأثير التعريف الجديد سيكون محدودًا على جماعة الإخوان وأنشطتها في بريطانيا وأوروبا بالنظر إلى أنّ الجماعة تتحرّك بوسائل لا تكشف هويتها

 

وقد عبرت شخصيات كبيرة، امتدت من رئيس أساقفة كانتربري جاستن ولبي إلى وزراء سابقين في حكومة المحافظين، عن قلقهم من ذلك. وكان رئيس الكنيسة الأنغليكانية أسقف كانتربري جاستن ولبي حذر من أنّ التعريف قد يثير انقسامات.

هذه الانتقادات جاءت على الرغم من محاولات رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، احتواء اتهامات حزبه بـ”الإسلاموفوبيا”، وزار قبل أيام مسجدًا في لندن، وقرر إنفاق أكثر من 100 مليون جنيه إسترليني إضافية لحماية منشآت المسلمين ومساجدهم، إذ تشير الأرقام إلى تصاعد قياسي في مستويات جرائم الكراهية الموجهة ضد المسلمين في بريطانيا خلال الأشهر الخمسة الماضية.

انعكاسات التعريف الجديد على جماعة الإخوان

إلى ذلك، اعتبرت الدراسة أنّ التعريف المحدَّث بأنّه أولى خطوات مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وتطرفها في بريطانيا، خاصة في ظل تصريحات وزارة التسوية والإسكان والمجتمعات المحلية بأنّه تم تحديث التعريف للرد على “التهديد المتطرف المتزايد منذ هجمات 7 أكتوبر الإرهابية في إسرائيل”، مشيرة إلى زيادة في جرائم الكراهية المعادية للسامية والمسلمين المبلغ عنها. 

وقالت إنّ التعريف الجديد ستستخدمه الإدارات والمسؤولون الحكوميون لمساعدتهم على تحديد الجماعات، التي يجب عليهم التعامل معها وتمويلها، وتحديد “المنظمات والأفراد والسلوكيات المتطرفة.

كما يرى عدد من المتابعين للإسلام السياسي أنّ التعريف الجديد سيؤدي نظريًّا إلى محاصرة أنشطة الإخوان المسلمين والحدّ من تأثيرهم على الجالية والترويج لأفكار متطرفة ظهر تأثيرها في المظاهرات الأخيرة، لكنهم يتساءلون عما إذا كانت لندن ستقوم بالتنفيذ على الأرض تنفيذًا شاملًا أم أنّها ستستهدف جهاتٍ دون أخرى.

 

اعتبرت الدراسة أنّ التعريف المحدَّث بأنّه أولى خطوات مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وتطرفها في بريطانيا

 

خاصة أنّ لندن فتحت أذرعها لقيادات الإخوان الفارين، من أحكام قضائية جراء تورطهم في جرائم في البلد الذي نشأ فيه التنظيم (مصر)، بعد الإطاحة به وقياداته من سدة الحكم، إلا أنّها (بريطانيا) حصدت نتائج سياساتها، بتزايد جرائم الكراهية بعد حرب غزة.

هذا وخلصت الدراسة إلى أنّ تأثير التعريف الجديد سيكون محدودًا على جماعة الإخوان وأنشطتها في بريطانيا وأوروبا، بالنظر إلى أنّ الجماعة تتحرّك بوسائل لا تكشف هويتها، مثل استخدام أسماء وشعارات غير خاصة بها، ويساعدها في ذلك وجود مؤيِّدين لها في عدة مؤسسات، كما تعزّز علاقاتها كذلك بقوى اليسار الغربي.

هذا بالإضافة إلى أنّ الجماعة تستخدم فزاعة الإسلاموفوبيا للحفاظ على أنشطتها من الاستهداف، حيث تتهم كلَّ مَن يمسّ نشاطها غير المشروع بأنّ ذلك يُعدّ معاداة للإسلام ذاته، كما تستغل سيطرتها على قطاع من الجمهور المسلم في ابتزاز الساسة الذين يحتاجون إلى أصوات المسلمين في مواسم الانتخابات.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية