لماذا تتعثّر سياسة بكين في الشرق الأوسط؟

لماذا تتعثّر سياسة بكين في الشرق الأوسط؟

لماذا تتعثّر سياسة بكين في الشرق الأوسط؟


09/10/2023

طارق عليان

رغم الإنجازات الدبلوماسية المحدودة هذا العام، تجد الصين صعوبة في التعامل مع الصراعات والتوترات المزمنة في الشرق الأوسط.

العلاقات مع بغداد تواجه مزيداً من المخاطر

على نحو ما اكتشفت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قبل نصف قرن من الزمان، تجد الصين في تعميق ارتباطها بالشرق الأوسط أمراً محبطاً أكثر من كونه مجزياً، وفق د. جوليان سبنسر تشرشل، أستاذ العلاقات الدولية المشارك في جامعة كونكورديا الكندية، وبهروز أياز، محلل سياسي إيراني متخصص في السياسة الخارجية لإيران وأفغانستان.

وتعد الطاقة والمصالح الاقتصادية والأمن الأهداف الرئيسية للدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط. وتسعى سياسة بكين الخارجية، التي تحاكي سياسة واشنطن في خمسينيات القرن الماضي، إلى تقليل اعتمادها في مجال الطاقة على بلد أو ائتلاف واحد وتعويض المخاطر الكامنة في التعامل مع أنظمة حاكمة غير مستقرة وتكتلات إقليمية.

علاقات متوازنة مع الثنائيات المتنافسة

وأوضح الكاتبان في مقال مشترك بموقع مجلة "ناشونال إنترست" أن استراتيجية تخفيف المخاطر التي تنتهجها الصين تعني إقامة علاقات متوازنة مع الثنائيات المتنافسة تاريخيّاً، كالمملكة العربية السعودية وإيران، وهذا كله يضعها على طرفي نقيض مع إسرائيل. والحل الذي تقدمه بكين للتناقض الواضح الذي تنطوي عليه مغازلة الخصوم هو جرعة كبيرة من التجارة والاستثمار مع عرضها في الوقت نفسه، بلا صدق، الوساطة في التوترات الإقليمية.

وعلى الرغم من إعلان بكين عن مساهمتها في التقارب الإيراني السعودي في أبريل (نيسان) 2023، إلا أن هذا التطور يمكن وصفه بأنه وقف لإطلاق النار أمكن التوصل إليه خصوصاً بخمود الصراع في اليمن.

العلاقات الصينية الإيرانية

وطلبت بكين عدم نشر محتويات اتفاقيتها التي تدوم خمساً وعشرين سنة مع إيران، على الأرجح بسبب تبعاتها السلبية على العلاقات الصينية السعودية، وإنْ كانت صحيفة نيويورك تايمز تمكّنت من الحصول على مسودة منها.

وتركز هذه الاتفاقية على تبادل الاستثمارات الصينية كجزء من مبادرة الحزام والطريق من أجل صادرات نفطية آمنة. والشيء الذي لم يتغير هو إصرار الصين على كبح إيران أي تحرك نحو الأسلحة النووية، وهو شيء تسعى إليه في المقام الأول لطمأنة شركائها العرب في الخليج.

وتعد إيران جسراً جيوسياسياً ثميناً لو مدت الصين خطوط الأنابيب الاستراتيجية وخطوط السكك الحديدية عبر باكستان أو آسيا الوسطى وصولاً إلى منطقة البحر الأسود أو شرق البحر الأبيض المتوسط. وأثناء زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى بكين، وصفت صحيفة "تشاينا ديلي" إيران بأنها "بلد مثالي في منطقة الشرق الأوسط للنهوض بمشروع الحزام والطريق، وفي المقابل، سيكون التعاون مع الصين أساسيّاً لتحقيق التنمية الاقتصادية في إيران".

غير أن الإعلام المطبوع والرأي العام في إيران اتخذا وجهة نظر سلبية تجاه هذه الاتفاقية، وشكك البعض في عدالتها، نظراً لميل الصين إلى المطالبة بالسيطرة الكاملة على مشاريعها الاستثمارية. ولم تسفر هذه الاتفاقية حتى الآن عن أي منافع اقتصادية ملحوظة لإيران.

ويعزى هذا جزئياً، براي التحليل، إلى حقيقة أن القطاعات التصنيعية وغير المرتبطة بالطاقة في إيران ليست متطورة بما يكفي للاستفادة من فرص التصدير إلى الصين. ولم تضخ الصين حتى الآن أي استثمارات كبيرة في البنية التحتية في إيران.

والواقع أنه بسبب المخاوف بشأن العقوبات الغربية وحلفاء الصين العرب مثل المملكة العربية السعودية والعراق، رفضت بكين حتى الآن الاستثمار في حقول ومنشآت النفط الإيرانية. وتشير بعض التقديرات إلى أن تأخّر شركة سينوبك لست سنوات في المرحلة الأولى من حقل يادافاران كبد الاقتصاد الإيراني خسارة تربو على ثلاثة مليارات دولار. أضف إلى ذلك أن الصين ستحل على الأرجح محل النفوذ الإيراني في آسيا الوسطى بدلاً من التكامل بين تفاعلهما الإقليمي.

وأشار الباحثان إلى أن قيمة التبادل التجاري الصيني مع العراق تعادل ضعف قيمة التبادل التجاري مع إيران. وقد وسعت الصين علاقاتها مع العراق إلى ما هو أبعد من الطاقة، وتسعى إلى إحلال اليوان محل الدولار. وتدرك طهران أن هناك جانباً محصلته صفرية في العلاقات التجارية: فأي زيادة في الصادرات العراقية إلى الصين يمكنها تقليل إيرادات إيران من الطاقة.

مخاطر العلاقات مع العراق

ومع ذلك فالعلاقات مع بغداد تواجه مزيداً من المخاطر، برأي الكاتبين، بسبب إقامة بكين علاقات جيدة مع حكومة إقليم كردستان العراق المدعومة من الولايات المتحدة، مما يتيح لها الوصول إلى إنتاج منطقة أربيل من النفط. ويتوقع إقليم كردستان بدوره قيام الصين بالضغط على طهران لمنعها من شن هجماتها الصاروخية ضد قواعد تزعم أنها توفر ملاذاً للمعارضين المناهضين لطهران والانفصاليين الأكراد. وتعتبر تركيا وسوريا والعراق وإيران أن الأنظمة السياسية الكردية المستقلة نقاطاً محورية خطيرة للحركات الاجتماعية الإثنية الطاردة مركزيّاً وملاذات آمنة للجماعات الإرهابية.

ويكاد يستحيل على بكين أن تلبي المصالح الأمنية الإيرانية والعربية بشكل كامل.

والمفارقة ا أن قطر وعمان هما الدولتان العربيتان الخليجيتان اللتان تتمتعان بأقوى علاقات ودية مع كل من الصين وإيران، وهما مع ذلك أيضاً شريكتان قويتان للولايات المتحدة وصديقتان لدول الناتو الأوروبية. ونتيجة لذلك اقتصرت تعاملات الصين مع قطر في المقام الأول على الطاقة والاستثمار. وضخت شركات الاستخراج الصينية استثمارات متكررة في حقل الشمال القطري، الذي سيصدر الغاز الطبيعي السائل إلى الصين على مدى العقدين المقبلين على الأقل.

وتدعم قطر باستمرار المبادرات التركية في سوريا والعراق، التي تتعارض مع المصالح الإيرانية. ومع ذلك، تعمل الدوحة كوسيط بين الولايات المتحدة وإيران، فضلاً عن حركة طالبان والحوثيين في اليمن.

وأخيراً فعلى الرغم من التجارة المتنامية بين الصين وإسرائيل، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، أعربت بكين عن اهتمامها بحل القضية الفلسطينية. ويعتبر المسؤولون الإيرانيون زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى بكين دليلاً على جهود الصين. ومثّلت هذه الزيارة أعلى مستوى من الاعتراف بالفلسطينيين تمنحه الصين حتى الآن. وصرّح وانغ ون بين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، للصحفيين بقوله: "عباس صديق قديم ووفي للشعب الصيني، وأول رئيس دولة عربي يزور الصين هذا العام".

وفي بداية هذا العام، أبلغ وزير الخارجية الصيني تشين غانغ إلى المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء أن بكين مهتمة بلعب دور بنّاء في المفاوضات حول وضع الفلسطينيين. إلى ذلك، أعلنت وسائل إعلام صينية في يوليو (تموز) 2023 أن وزير الخارجية الصيني تشين غانغ أكد مجدداً في محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أن بكين مستعدة للوساطة بين الجانبين. ولم تقبل تل أبيب عرض الصين ولم يترتب على ذلك أي تغيرات في التبادل التجاري الصيني الإسرائيلي.

وخلافاً للاتحاد السوفييتي، الذي كان يتمتع باكتفاء ذاتي من الطاقة وكان حراً في انتهاج سياسة خارجية أيديولوجية ضد الديمقراطيات الغربية، تبدو تحركات الصين مقيدة بشدة بفعل اعتمادها على الواردات من منطقة تعاني من العديد من الانقسامات.

وتفادياً لأي قطع انتقامي لإمدادات الطاقة، كالذي تعرض له الغرب إبان حظر النفط سنة 1973 في أعقاب حرب أكتوبر 1973 بين إسرائيل ودول المواجهة العربية، أعطت بكين الأولوية لتجنب الانخراط في الجدل السياسي.

بكين في اختبار صعب

و في حالة نشوب حرب بسبب تايوان، فقد تجد بكين دبلوماسيتها أمام اختبار صعب، حيث سيُجبر وجود البحرية الأمريكية عن كثب الكثيرين من شركاء بكين التجاريين في المنطقة على الانحياز إلى أحد الجانبين. ومضمون ذلك بالنسبة للدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة والهند، هو عدم المبالغة في تقدير العواقب الأمنية المترتبة على تغلغل الصين بشكل أعمق في الشرق الأوسط.

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية