لماذا تستهدف إيران المصالح الأمريكية والإسرائيلية بالمنطقة؟.. دراسة تجيب

لماذا تستهدف إيران المصالح الأمريكية والإسرائيلية بالمنطقة؟ دراسة تجيب

لماذا تستهدف إيران المصالح الأمريكية والإسرائيلية بالمنطقة؟.. دراسة تجيب


28/11/2023

يبدو أنّ مساندة غزة ليست الهدف الأهم الذي تسعى طهران وأذرعها لتحقيقه من خلال استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية بالشرق الأوسط، فثمة مصالح أخرى تتعلق بصراع النفوذ بين الولايات المتحدة وإيران، خاصة أنّ الأخيرة قد أعلنت مراراً أنّها لن تنخرط في المعركة، سواء داخل قطاع غزة أو خارجها، منذ اليوم الأوّل لعملية "طوفان الأقصى" في 7  تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بينما كثّفت الجماعات الوكيلة لإيران في الشرق الأوسط، وما تزال، هجماتها ضد مصالح إسرائيل والولايات المتحدة في عدة مناطق بالإقليم، بدءاً من الخليج العربي حتى داخل إسرائيل والأراضي المحتلة مروراً بمياه البحر الأحمر. 

وتتناول دراسة حديثة صادرة عن المرصد التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أهداف وأبعاد التحركات الإيرانية الأخيرة باستهداف القواعد الأمريكية والإسرائيلية بالمنطقة، وتطرح تساؤلاً جدّياً يتمحور حول سبب قيام الجماعات الوكيلة لإيران باستهداف إسرائيل والمصالح الأمريكية، على الرغم من عدم دعم إيران لحماس بشكل عملياتي ميداني في الحرب الجارية.

ما الأهداف الإيرانية؟ 

بحسب الدراسة التي أعدها الباحث علي عاطف، ترمي إيران من وراء الزج بوكلائها لتنفيذ عمليات هنا وهناك ضد إسرائيل وواشنطن في المنطقة إلى تحقيق عدد من الأهداف؛ أوّلها تشتيت الولايات المتحدة والحلفاء عن الإضرار الجدّي بإيران أو بمصالحها.

ويقول الباحث: إنّ "متابعة النهج الإيراني خلال العقدين الماضيين في التعامل مع التطورات الإقليمية يجعلنا نتفهم سياسة إيران الحالية إزاء التعامل مع تشابكات الأزمة الفلسطينية إقليمياً ودولياً. ونستطيع أن ندرك عند النظر إلى استراتيجية طهران في العراق فيما بعد عملية الغزو عام 2003 أنّ إيران توظف أسلوب "إشغال وتشتيت العدو" بآخرين من أجل إبعاده عن أراضيها.

أعلنت إيران أنّها لن تنخرط في المعركة، سواء داخل قطاع غزة أو خارجها، منذ اليوم الأوّل لعملية "طوفان الأقصى" في 7 (أكتوبر) الماضي

وقد دعمت إيران عمليات الجماعات العراقية المختلفة المناهضة آنذاك للحضور الأمريكي في العراق وتسببت، حسب العديد من التقارير الأمريكية والغربية، في إلحاق خسائر واسعة بالقوات الأمريكية هناك. 

وكان الهدف الإيراني الأساسي من وراء ذلك هو إبعاد أذهان متخذي القرار في واشنطن، خاصة إدارة جورج بوش الابن (2001 ـ 2009)، عن فكرة مهاجمة إيران وأراضيها بأيّ شكل من الأشكال، سواء عن طريق هجوم عسكري كاسح، أو هجمات مركزة مكثفة تقود إلى انهيار النظام، أو إلى القضاء على البرنامج النووي أو الصاروخي.

ترمي إيران من وراء الزج بوكلائها لتنفيذ عمليات هنا وهناك ضد إسرائيل وواشنطن في المنطقة إلى تحقيق عدد من الأهداف؛ أوّلها تشتيت الولايات المتحدة والحلفاء عن الإضرار الجدّي بإيران أو بمصالحها

وعلى هذا النهج، تهدف إيران بشكل أساسي من وراء مهاجمة قواتها الوكيلة في المنطقة في الوقت الراهن للمصالح الأمريكية والإسرائيلية إلى تشتيت أذهان متخذي القرار الأمريكيين والإسرائيليين عن فكرة مهاجمة إيران (بأيّ شكل من الأشكال)، وإرسال رسالة أخرى لهم بأنّه في حالة مهاجمة طهران، فإنّ الرد سيكون قويّاً، سواء من الجيش أو الحرس الثوري الإيرانيين، أو من الجماعات الوكيلة في المنطقة. 

لذلك لا تهدف هذه العمليات، وفق الدراسة، بشكل رئيس إلى الانخراط في الصراع ضد إسرائيل أو حلفائها في ضوء الصراع الجاري في الأراضي الفلسطينية، وإلّا لما كانت محدودة بالأساس، خاصة أنّ (حزب الله) يملك ترسانة صواريخ وقرباً جغرافيّاً مع إسرائيل، يستطيع من خلالهما تغيير معادلة الحرب الجارية في غزة والضفة الغربية.

تأكيد فكرة العدو التقليدي

الهدف الثاني الذي تسعى طهران لتحقيقه، بحسب الباحث، يتمثل بالتأكيد على فكرة العدو التقليدي، حيث تؤكد إيران منذ أكثر من (40) عاماً، حينما نشأ النظام الحالي، على دورها فيما يخص مقاومة إسرائيل، أو محور المقاومة في منطقة الشام ومن ثم العراق، وذلك يوجب نظرياً أن تقوم إيران عن طريق وكلائها بدور ملموس في الصراع الجاري داخل الأراضي الفلسطينية حالياً، وإلّا فقدت مصداقيتها إعلامياً أمام المنطقة وأمام خصومها من الدول وأمام الجماعات المسلحة الأخرى التي تواليها في المنطقة.

إيران توظف أسلوب "إشغال وتشتيت العدو" بآخرين من أجل إبعاده عن أراضيها

يعني هذا، وفق الباحث، أنّ اشتباكات (الحوثيين) في اليمن و(حزب الله) في لبنان وبعض الجماعات المسلحة الأخرى الموالية لطهران في العراق مع إسرائيل والولايات المتحدة تهدف من إحدى زواياها إلى إثبات الحضور الإيراني في مشهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أمام الفلسطينيين وشعوب المنطقة والإعلام؛ منعاً لتلقي النظام السياسي الإيراني ضربة سياسية "إيديولوجية" قوية، فيما يخص دعمه تحديداً للقضية الفلسطينية، وهو أمر يُعدّ ركناً أساسياً من أركان الخطاب الإعلامي السياسي والإيديولوجي للنظام في طهران منذ 1979.

تجنب زعزعة ثقة الجماعات الوكيلة الأخرى

أحد الأهداف المهمة بالنسبة إلى طهران هو إظهار مساندة حماس لتثبيت أقدام الأذرع الأخرى، ووفق الدراسة ترتبط "حماس" بلا شك بعلاقات قوية مع إيران تشكلت خلال الأعوام الماضية عبر دعمها مادياً واستخباراتياً وعسكرياً وإعلامياً أيضاً. 

يعني هذا، بحسب الدراسة، أنّ "حماس" على الرغم من طبيعة اختلاف علاقتها بإيران مقارنة بالجماعات الوكيلة الأخرى في الشام والعراق، وهو عامل ينبغي ملاحظته، فإنّها كذلك تمثل "ورقة رابحة لطهران" إقليمياً ودولياً، وحين الحديث عن طبيعة الصراع الإسرائيلي الإيراني غير المباشر.

توظف إيران حالة الغضب الإقليمية ضد إسرائيل وأمريكا فيما يخص ملف غزة لإخراج القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط، خاصة من الشام والعراق اللتين تستحوذان على مكانة خاصة في إطار السياسة الخارجية والاستراتيجية العسكرية الإيرانية، بل والأمن القومي الإيراني برمته

وعليه، فإنّ ترك إيران لـ "حماس" وحدها في الميدان تتصارع مع إسرائيل ذات التجهيز العسكري التكنولوجي العالي، سوف يخلق حالة من عدم الثقة وشكلاً من أشكال عدم الولاء ما بين مختلف الجماعات الوكيلة لطهران في المنطقة، بل وخارجها، وبين إيران، وإنّ حالة مثل هذه سوف تشكل سيناريو خطيراً للغاية لا شكّ أنّ إيران تحاول تجنبه؛ وذلك عند النظر إلى دور وأهمية هذه الجماعات الوكيلة في الاستراتيجية والسياسة الخارجية الإيرانية في التعامل مع كافة الدول والمنظمات، بل والجماعات الأخرى التي لا تملك إيران سلطة عليها أو نفوذاً داخلها.

تحجيم نفوذ الولايات المتحدة

بحسب الدراسة، توظف إيران في الوقت الراهن حالة الغضب الإقليمية ضد إسرائيل والولايات المتحدة فيما يخص ملف قطاع غزة لهدف آخر يتمثل في هدفها الذي ترمي إلى تحقيقه منذ أعوام، وهو إخراج القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط، خاصة من منطقة الشام والعراق اللتين تستحوذان على مكانة خاصة في إطار السياسة الخارجية والاستراتيجية العسكرية الإيرانية، بل والأمن القومي الإيراني برمته.

أحد الأهداف المهمة بالنسبة إلى طهران هو إظهار مساندة حماس لتثبيت أقدام الأذرع الأخرى

 لذا، نجد الجماعات العراقية الموالية لإيران وتلك السورية الأخرى أيضاً تُقْدِم على مهاجمة القواعد والأهداف العسكرية الأمريكية في هذين البلدين، كما نرى (الحوثيين) يهاجمون مصالح أمريكية على النحو المُشار إليه في مختلف مناطق الإقليم، ولا تخفي إيران هذا الهدف بشكل رئيس، فقد أعلنته منذ أكثر من عقد، وأكدت عليه خطابات القادة العسكريين والسياسيين الإيرانيين بشكل مستمر، على وجه الخصوص منذ مقتل قائد (فيلق القدس) السابق قاسم سليماني في غارة جوية أمريكية بالقرب من مطار بغداد الدولي في العراق، حيث باتت إيران، حسب تصريحات هؤلاء المسؤولين، تعتبر خروج القوات الأمريكية من المنطقة ثمناً لاستهداف قاسم سليماني.

وتخلص الدراسة إلى أنّ التحركات العسكرية الراهنة للوكلاء الإيرانيين في المنطقة ترمي في إحدى زواياها إلى التخفيف بشكل جزئي عن الضغط الإسرائيلي على "حماس"، وفتح الباب واسعاً أمام احتمالات أن ينخرط هؤلاء الوكلاء بشكل جدّي أو إيران ذاتها في المعركة، إذا ما استشعروا قرب تحقيق الأهداف الإسرائيلية المتمثلة في القضاء على حركة حماس، وإن كان ذلك يبقى احتمالاً مستبعداً.

مواضيع ذات صلة:

"القاعدة".. التنظيم المرتهن لإيران

المسألة الإيرانية... معضلة إقليمية تستوجب معالجة جذور التأزيم والهشاشة

روسيا و"طوفان الأقصى": تحالف علني مع إيران وقنوات سرية مع إسرائيل



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية