ما طبيعة التعاون بين الإخوان والحرس الثوري الإيراني؟

ما طبيعة التعاون بين الإخوان والحرس الثوري الإيراني؟

ما طبيعة التعاون بين الإخوان والحرس الثوري الإيراني؟


29/11/2023

لطالما نفت جماعة الإخوان أيّ صلة لها بإيران، وادّعت مراراً التعارض تماماً بين النهجين، إلّا أنّ الكثير من الشواهد وثقت علاقة تعاون وثيق بين تنظيم الإخوان والحرس الثوري الإيراني، في ضوء مصالح مشتركة جمعت الطرفين، ولعل آخر هذه الشواهد ما أشار إليه المركز العربي لدراسات التطرف، في دراسة حديثة تناولت أوجه التعاون المشترك بين الجانبين، وفحوى اللقاءات التي جرت بين قيادات من تنظيم الإخوان وفيلق القدس. 

وبالإشارة إلى وثائق مسربة من جانب وزارة الاستخبارات الإيرانية وجهاز الأمن القومي الإيراني (المنافس للحرس الثوري)، يتكشف تقارب سرّي بين جماعة الإخوان المسلمين السنّية وفيلق القدس: وحدة النخبة في الحرس الثوري، الذي يُعدّ الجناح المسلّح لـ "الشيعة السياسية" الحاكمة في إيران، والذي قاده منذ فترة طويلة الجنرال القوي قاسم سليماني، الذي اغتالته طائرة أمريكية من دون طيار في العراق في 3 كانون الثاني (يناير) 2020.

ما طبيعة التعاون؟ 

تقول الدراسة: إنّه بالرغم من حالة العداء الظاهري بين فيلق القدس والإخوان المسلمين بسبب طبيعتهما التنظيمية وأسسهما الإيديولوجية؛ فالباسداران شيعة، ويستجيبون لمنطق شبه عسكري ودولي، في حين أنّ جماعة الإخوان المسلمين سُنّة، وتتبنّى شبكة عابرة للحدود الوطنية تعتمد بشكل أساسي على التسلل إلى مؤسسات الدولة، وبالرغم من ذلك بدأ التنظيمان المفاوضات لتنفيذ تقارب سرّي قبل أعوام، والذي حدث آنذاك بالفعل، في سياق جيوسياسي متوتر بشكل خاص في الشرق الأوسط، لا سيّما مع ظهور تنظيم (داعش) في العراق وسوريا عام 2014، والإطاحة برئيس جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي بعد الثورة الشعبية في مصر في 30 حزيران (يونيو) عام 2013. 

الكثير من الشواهد وثقت علاقة تعاون وثيق بين تنظيم الإخوان والحرس الثوري الإيراني

وتظهر الوثائق التي تستعرضها الدراسة أنّ الاتصالات الأولى بين الحرس الثوري والإخوان المسلمين بدأت قبل فترة طويلة من المفاوضات المذكورة في تركيا، وهذه الاتصالات بدأت خلال التقارب بين مصر وإيران في أعقاب وصول الرئيس الإخواني محمد مرسي إلى السلطة في مصر عام 2012، ولكنّ عملية التقارب هذه توقفت بسبب الثورة التي أطاحت بمرسي، وعودة قادة جماعة الإخوان المسلمين إلى العمل السرّي.

ما علاقة تركيا؟ 

تشير الدراسة إلى أنّ الحكومة التركية، التي تربطها علاقات جيّدة مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تتقاسم معها عقيدة الإسلام السياسي، ومع النظام الإيراني الذي ترتبط معه باتفاق استراتيجي، قد أعطت موافقتها على إجراء المفاوضات السرية بين الطرفين على أراضيها، كما أكدت إحدى الوثائق الإيرانية السرّية التي نشرها موقع (ذا إنترسبت)، وعلّق عليها كبير مراسليه جيمس رايزن. 

وأفاد أحد عملاء وزارة الاستخبارات الإيرانية، الذي كان حاضراً خلال هذه المفاوضات، أنّ الجنرال سليماني غير قادر على المشاركة في المفاوضات في تركيا؛ لأنّه يخضع لحظر التأشيرة من قبل الأمم المتحدة، وتم استبداله بمسؤولين تنفيذيين من فيلق القدس. 

دراسة: بالرغم من حالة العداء الظاهري بين فيلق القدس والإخوان المسلمين بسبب طبيعتهما التنظيمية وأسسهما الإيديولوجية، فالتنظيمان بدآ المفاوضات لتنفيذ تقارب سرّي قبل أعوام

ومن جانب جماعة الإخوان المسلمين، حضر المفاوضات عدد من القادة التاريخيين: إبراهيم منير الذي وافته المنية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، ومحمود الإبياري، ويوسف ندا، لكنّ الأخير، الذي يُعتبر الممول التاريخي الخفي لجماعة الإخوان المسلمين، زعم في بيان موجّه إلى موقع (ذا إنترسبت) أنّه لا علم له بمثل هذه اللقاءات، ولم يشارك فيها مطلقاً.

وقد درس المشاركون الإمكانيات الجديدة للتحالف في البلدان التي تمر بأزمات سياسية، مثل اليمن والعراق وسوريا، وبحسب تأكيدات قيادات الإخوان المشاركين في القمة، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين اقترحت على الحرس الثوري "التكاتف لمحاربة العدو المشترك، وهو المملكة العربية السعودية"، حسبما ورد في إحدى الوثائق السرّية. وأضاف قيادات الإخوان أنّ "اليمن يبدو، بالنسبة إليهم، بمثابة الأرض المثالية لشنّ مثل هذه الحرب، نظراً لنفوذ الطرفين على المكونات القبلية الشيعية والسنّية". وكان بإمكان إيران الاعتماد على الحوثيين، في حين سيطر الإخوان المسلمون على الفصائل القبلية السنّية المسلحة؛ وذلك بفضل حزب (الإصلاح) الإخواني وتحالفاته مع زعماء القبائل.

تأثر الإسلام السياسي في إيران بحسن البنا وسيد قطب والمودودي وغيرهم

وفيما يتعلق بالعراق، أكد وفد الإخوان المسلمين معارضته للحرب الأهلية بين السنّة والشيعة، واقترح على الباسداران "المساعدة في تقليص الفجوة بين الشيعة والسنّة، من خلال وضع حد للحرب، والسماح للسنّة بالمشاركة في الحكومة"، أمّا في سوريا، فقد رفض ممثلو جماعة الإخوان المسلمين المشاركة في الصراع هناك، معتبرين أنّ كثرة المشاركين في الحرب في سوريا تتطلب منهم النأي بأنفسهم؛ لأنّه "من الواضح أنّ مسألة سوريا خارج نطاق سيطرة إيران والإخوان المسلمين، وليس هناك شيء محدد يمكننا القيام به حيال ذلك.

ماذا يجمع طهران بالإخوان؟

يرى الدكتور هاني نسيرة الكاتب والخبير السياسي أنّ العلاقة بين الإخوان المسلمين وإيران ما بعد الثورة الإسلامية عام 1979 تعتبر واحدة من المواضيع الملتبسة بالنسبة إلى الباحثين والدارسين، لما يحيط بها من سرّية وغموض، إلّا أنّ جملة من المشتركات الإيديولوجية والعلاقات التاريخية تظهر الصلة والارتباط الوثيق بينهم، ومواطن التأثير المتبادل بين الطرفين، وذلك بحسب دراسة نشرها موقع (ستراتيجيكس) في وقت سابق.

ووفق نسيرة، تجسد جملة من المشتركات الإيديولوجية والعلاقات التاريخية بنية وهوية التقارب ما بين جماعة الإخوان المسلمين وإيران منذ إرهاصات "الثورة الإسلامية" عام 1979، حيث تتلاقى المفاهيم الإيديولوجية والأفكار والمرجعيات عند الإسلام السياسي ـ السنّي والشيعي- برغم اختلاف مذاهبه، وقد تناقله وأثر فيه وتأثر به طرفا العلاقة.

دراسة: الحكومة التركية، التي تربطها علاقات جيّدة مع جماعة الإخوان، التي تتقاسم معها عقيدة الإسلام السياسي، ومع النظام الإيراني الذي ترتبط معه باتفاق استراتيجي، أعطت موافقتها على إجراء المفاوضات السرية بين الطرفين على أراضيها

تأثر الإسلام السياسي في إيران بحسن البنا وسيد قطب والمودودي وغيرهم، كما انعكست الثورة الإيرانية على نهج ومسارات جماعات الإسلام السياسي السنّية في المنطقة، ويمتلك الطرفان المواقف والتصورات السياسية نفسها تجاه العلاقة مع الغرب، والمقاربة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكلاهما يلتقي في محورية البُعد الديني والخطابي والموقف من الدولة الحديثة، بحسب نسيرة.

ويشير نسيرة إلى (3) مشتركات رئيسية تشكل إطار العمل والنشاط العام لكل من إيران والإخوان المسلمين بشكل خاص، تمثل الدعوة إلى الوحدة الإسلامية أهمّها، إلى جانب النظرة التوسعية التي تتجاوز الأوطان والحدود الجغرافية، و"إقامة الخلافة الإسلامية واستعادتها" باعتبارها الهدف النهائي والغاية من العمل السياسي، وبناء على هذه المشتركات تشكّل الدافع والحافز لدى الطرفين لتقريب العلاقات والتعاون، وحتى التأثير في فكر وسلوك كل طرف نحو الآخر.

بحسب نسيرة، التقى الإخوان المسلمون وإيران في دعوات أسلمة القوانين والمجتمعات، وقد كان لذلك تأثير على العديد من الدول العربية، وبشكل خاص من مخاطر تكرار نموذج الثورة الإسلامية في إيران، وهو النموذج الذي تسعى جماعة الإخوان المسلمين لتطبيقه في مناطق نشاطها، كما ظهر بشكل جلي بعد ما يُعرف بـ "الربيع العربي"، إلّا أنّ التغيرات في المجتمعات بين العام 1979 والعام 2011 حالت دون تحقيق الاستجابة والزخم المطلوبين لصعود الجماعات الإسلامية واستمراريتها.

الإخوان وإيران من الدرب الأحمر إلى لندن وبيروت

تحت هذا العنوان يسرد الباحث علي عاطف في دراسته المنشورة بالمرصد التابع للمركز المصري للفكر والدراسات تاريخ العلاقة بين الإخوان وطهران، ففي عام 1938 وفي منطقة الدرب الأحمر بمحافظة القاهرة نشأت أولى الصلات بين تنظيم الإخوان وما سيصبح لاحقاً "نظام الثورة الإسلامية" في إيران الجمهورية، فهناك، حسب ما قاله القيادي الإخواني السابق المنشق ثروت الخرباوي، زار الشاب سید روح الله مصطفى الموسوي الخميني المقر السابق للجماعة في هذه المنطقة، والذي تحوّل لاحقاً إلى مركز للشرطة المصرية. 

نسيرة: تجسد جملة من المشتركات الإيديولوجية والعلاقات التاريخية بنية وهوية التقارب ما بين جماعة الإخوان وإيران

وقد التقت الجماعة لاحقاً خلال تلك الفترة الزمنية المبكرة بعدد آخر من رجال الدين الشيعة الإيرانيين حتى قيام الثورة الإيرانية عام 1979، وكان من بينهم على سبيل المثال مجتبى نواب صفوي زعيم منظمة (فدائيان إسلام- فدائيي الإسلام) الذي زار مصر عام 1945، والتقى حينئذ مع من أصبح لاحقاً مرشد الجماعة الثالث عمر التلمساني، ومع سيد قطب الذي تستقي عدّة جماعات إرهابية أفكارها من كتاباته.

كما زار رجل الدين الإيراني محمد تقي القمي مصر، والتقى بمؤسس الجماعة الإرهابية حسن البنا في أربعينيات القرن الماضي بمركزهم الرئيسي آنذاك. والتقى نواب صفوي أيضاً بالتلمساني في مصر في كانون الثاني (يناير) 1954، وحول هذه الفترة قال قياديان بجماعة الإخوان، وهما يوسف ندا وإبراهيم صلاح في وقت سابق: إنّهما لعبا في النصف الثاني من القرن الماضي دور اتصال ما بين الجماعة والشيعة في إيران.

هاني نسيرة: هناك مشتركات رئيسية تشكل إطار العمل والنشاط العام لكل من إيران والإخوان المسلمين بشكل خاص، تمثل الدعوة إلى الوحدة الإسلامية أهمّها، إلى جانب النظرة التوسعية التي تتجاوز الأوطان والحدود الجغرافية

وعلى الرغم من عدم توافر تفاصيل محددة بشأن محاولات التنسيق المبكرة، إلّا أننا نستطيع تفهم ما كانوا يحاولون العمل عليه خلال تلك العقود الزمنية، ألا وهو محاولة الإخوان تأسيس فرع لهم في إيران. 

ولعل ما يؤكد هذا، وفق عاطف، أنّه مع انتصار الثورة في إيران، بعد قدوم الخميني من الضاحية الباريسية (نوفل لوشاتو) على متن طائرة فرنسية متجهاً إلى العاصمة طهران، قام الإخوان على الفور بالإعلان عن تأسيس فرعهم في إيران، في العام نفسه الذي حدثت فيه الثورة الخمينية، ولم يكن هذا التأسيس إلّا بموافقة الخميني، وبعد اتصال أمانة سر التنظيم الدولي للإخوان بالمسؤولين الإيرانيين الجدد لإرسال وفد للتهنئة بالثورة الإيرانية.

مواضيع ذات صلة:

الحرس الثوري الإيراني يعود إلى الخرطوم عبر بوابة الإخوان.. ما التفاصيل؟

استنساخ نموذج الحرس الثوري: كيف عملت إيران على تصدير ثورتها؟

لماذا تصر إيران على شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية