هل يتطور موقف إيران من حرب إسرائيل على غزة؟

هل يتطور موقف إيران من حرب إسرائيل على غزة؟

هل يتطور موقف إيران من حرب إسرائيل على غزة؟


22/10/2023

سارة أمين

بعد استمرار هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي علي قطاع غزة، وخروج إيران خلال الـ 15 يومًا التي شهدت إبادة جماعية لسكان غزة، بتصريحات قوية متتالية دعما للجانب الفلسطيني، وتنديدا بما يفعله الاحتلال- نطرح تساؤل رئيسي، وهو: هل ستدخل طهران دائرة الحرب إذا اجتاحت إسرائيل غزة؟

يذكر أن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، صرح لـ وول ستريت جورنال، قائلا، إن “المنطقة والفاعلين فيها لن يظلوا متفرجين، واستمرار العدوان وغياب الحل السياسي يصبان الزيت على النار، وقد تخرج الأمور عن السيطرة، وفي حال اتسعت الحرب فإن خسائر فادحة ستلحق بأمريكا أيضا، وإذا لم تتوقف أمريكا وإسرائيل عن هذه السياسة فلا يمكن وقف نطاق الحرب”.

ارتباك واضح:

بدت تصريحات الجانب الإيراني متغيرة منذ بداية الأزمة، فقد جمعت بين التهديد الصريح،  التناقض والميوعة. حيث صرح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، منذ بدء الهجمات الإسرائيلية الوحشية علي المدنيين، أنه “إذا لم يتوقف قتل الفلسطينيين، فـإن المشهد سيتوسع، وأن طهران تدعم فلسطين لكن جماعات المقاومة تتخذ قراراتها بنفسها”.

توالت بعد ذلك تصريحات أكثر حدة وتحركات عديدة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، وأشاد بهجوم المقاومة وبأنه “انتصار تاريخي يسجل انتكاسة للاحتلال ومشروعه في فلسطين والمنطقة”. كما التقي بحسن نصر الله في بيروت وبإسماعيل هنية في الدوحة، وأكد خلال الزيارتين على أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب، وأن استمرار تلك الجرائم سيلقي ردا من بقية المحاور. ونقلًا عن الإعلام الإيراني فقد صرح عبداللهيان، قائلًا إن “اليوم هناك فرصة للحل السياسي، وغدا سيكون قد فات الأوان، وإيران لا تريد أن يتحول الصراع إلى حرب إقليمية، وتريد المساعدة في إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس في غزة”

إضافة إلي تحذير الحرس الثوري الإيراني إسرائيل من “صدمة أخرى بالطريق إذا لم تتوقف الهجمات على غزة”. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسئول إيراني قوله إن “بلاده سترد إذا تعرضت لهجوم بضربات صاروخية على إسرائيل من لبنان واليمن وإيران وسترسل مقاتلين إيرانيين من سوريا لمهاجمة مدن في شمال إسرائيل وشرقه”.

وعلي الرغم من صرامة التصريحات السابقة، إلا أنه قد ناقض أمير سعيد إيرواني، مندوب إيران لدي الأمم المتحدة، وزير خارجية بلاده في التصريحات، حيث صرح بأن “قواتهم الإيرانية المسلحة لن تشتبك مع إسرائيل شريطة ألا تغامر إسرائيل بـمهاجمة إيران ومصالحها ومواطنيها”. وأكد في بيان آخر قائلا، إن “ندعم فلسطين على نحو لا يتزعزع، لكننا لا نشارك في الرد الفلسطيني، لأن فلسطين فقط هي التي تتولى ذلك وأن جبهة المقاومة تستطيع الدفاع عن نفسها”.

لكن عقب تلك التصريحات، عادت مرة أخري حدتها علي لسان المسئولين الإيرانيين، ونقلت وكالة أنباء (فارس) الإيرانية عن وزير الخارجية الإيراني عبداللهيان قوله: “إذا لم تتوقف الاعتداءات الصهيونية فأيدي جميع الأطراف بالمنطقة على الزناد، وأن كل الاحتمالات واردة مع استمرار جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة”.

ومؤخرا اشتملت علي التهديد بالنفط، حيث دعا وزير خارجية إيران، الأربعاء 18 أكتوبر الدول الأعضاء، في كلمته خلال الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في جدة، لطرد سفراء الكيان الصهيوني ولفرض حظر شامل على إسرائيل بما في ذلك النفط، علي غرار القرار الذي اتخذته دولا عربية خلال حرب أكتوبر 1973م، بوقف ضخ النفط إلى أمريكا وأوروبا. ولكن مصدر من منظمة أوبك فسر عدم التفكير في حظر على النفط في الوقت الحالي بأن “الوضع الجيوسياسي مختلف عما كان عليه قبل 50 عاما”. وأن أوبك ليست “منظمة سياسية”.

تأسيسا على ما سبق، يبدو أن التصريحات المتتالية لطهران وتعارضها قد ينم عن تخبط في الداخل الإيراني، وارتباك وقلق يتصدران المشهد، ولكن ليس القلق فيما يتعلق بقطاع غزة بقدر ما يتعلق بأذرع إيران وميليشياتها المسلحة في المنطقة، لاسيما في سوريا ولبنان، والتي تتلقى الضربات الإسرائيلية من دون رد قوي. ولذلك تكثر إيران منذ اشتعال الأوضاع حتى الآن من التصريحات علي كافة المستويات، لمحاولة حماية أذرعها. كون أن طهران تعلم جيدا أن توسيع دائرة الحرب سيعود بالضرر علي كافة الأطراف، وسيتأثر وجودها في المنطقة عبر ميليشياتها المدعومة منها عسكريا وماديا.

كما يتضح من المشهد علي الحدود اللبنانية مع الاحتلال الإسرائيلي، خلال الأيام الماضية أن قرار الانخراط في الحرب، من المتوقع أنه ليس قرار حزب الله، وأن طهران هي من تتولي قرارات التصعيد أو التدخل من البداية، وكذلك قرار التهدئة. وتحليلًا للتصريحات القوية والزيارات الهامة من قبل الجانب الإيراني من خلال مسئوليه، يبدو أن التهديد بالحرب مجرد ضغوط تمارسها طهران لكبح العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولإظهار تضامنها مع حماس.

لذا من المحتمل أن حزب الله لم يلق بكامل ثقله بعد في المعركة الدائرة على خلاف العادة، لأنه يريد أن يتفادى هجمات إسرائيلية قد تلحق ضررا كبيرا بلبنان الذي يعيش أسوأ أزمة مالية وسياسية في تاريخه. وكانت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي، أكدت أن حزب الله تعهد بلا ضمانات، بعدم التدخل في الحرب إذا لم تهاجم إسرائيل لبنان.

حسابات إيرانية:

يبدو أن طهران معنية بالمشاغلة أكثر من الانخراط، ويؤكد ذلك، تصريحات مسئوليها المتعلقة بالأحداث، التي تتيح لها المناورة لا التدخل، والدليل تصريح مندوبها في الأمم المتحدة، بأن طهران لن تتدخل بالحرب ما لم تمس مصالحها. وفيما يتعلق بحزب الله، فإن تدخله حتى الآن جاء محدودا، وهو ما يعني، أنه تدخل لرفع الحرج لا أكثر، أو فقط لإظهار دعمه لحماس أو لأن التدخل بصورة أكبر، قد يؤدي إلى حرب واسعة قد تشمل أطرافا أخرى إقليمية ودولية في هذا الصراع، ولا طائل منها سوي الخراب الهائل الذي قد يلحق بالجميع.

 فعلي الرغم من أن قرار التصعيد أو التهدئة بيد طهران لا بيد أذرعها، إلا أنه هناك تصريح غاية في الخطورة لوزير الخارجية الإيراني في 14 أكتوبر الجاري، قائلا إن “تحديد ساعة الصفر بيد حزب الله في لبنان، وأنه من يقرر فتح جبهات جديدة”. مما يعني أن كل الاحتمالات واردة. وفي 16 أكتوبر، صرح إبراهيم عزيزي، نائب رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني، لوكالة (سبوتنيك) الروسية، قائلا إن “دخول إسرائيل غزة بريا خط أحمر”. وحذر “إذا لم توقف إسرائيل قصفها على غزة، فعليها أن تنتظر اشتعال جبهات متعددة ضدها”.

ووفقا لمراقبين، فإنه من المرجح مع تطورات السريعة في الأزمة أن تتحول الاحتكاكات العسكرية المحدودة بين إسرائيل وحزب الله من قصف متبادل ومحاولات تسلل من لبنان إلى مواقع عسكرية تابعة للاحتلال، إلى مواجهة أكبر. كما أن تهديدات الأذرع الإيرانية المسلحة باستهداف القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة، تعد مؤشر على جاهزية تلك الأفرع الإيرانية في حال اجتياح إسرائيل لقطاع غزة بريا. لذا قد يكون الهدف من وصول قطع بحرية أمريكية إلى المنطقة، هو ردع حزب الله ومنعه من مهاجمة إسرائيل حال فتح جبهات أخري للحرب.

وعليه، يمكن القول إن استمرار الأوضاع كما هي عليه أطول فترة ممكنة يخدم علي كلا الجانبين الإيراني والإسرائيلي. فطهران تعارض مسارات التطبيع العربي الإسرائيلي منذ بدايتها، وصولا إلي امتداد تلك المسارات إلي العواصم الخليجية في السنوات الأخيرة، لاسيما التطبيع الأهم والأكبر في المنطقة، بين الرياض وتل أبيب. لذا فإن استمرار الأوضاع كما هي عليه الآن في غزة، يؤدي لاختطاف الرأي العام العربي بعيدا عن التطبيع ومشاريع الطرق الجديدة المشتركة مع إسرائيل.

كذلك تل أبيب لا تريد سلام ولا تريد قيام دولة فلسطين المستقلة ولا الاعتراف بها، لاسيما في ظل حكومة نتنياهو وبن غفير اليمنية المتطرفة التي لم تخف هذه المساعي مطلقا، وموقفها من الحرب علي غزة هو إراقة المزيد من الدماء، لإعادة سياسة الردع والترهيب مرة أخري للواجهة، بعد تلقيها صفعة قوية من قبل المقاومة الفلسطينية، وأسر وقتل عدد كبير من الإسرائيليين في يوم واحد، في سابقة هي الأولي من نوعها، ولعل هذا ما يفسر حجم الوحشية بل والإبادة في الرد على القطاع

ما قد يعني عدم انزلاق الطرفين في حرب أوسع، فإيران لم تتجاوز حتى الآن دائرة التصريحات الحادة وكذلك حزب الله يتبع أسلوب المشاغلة لا أكثر مع الاحتلال، وعلى الجانب الآخر، تبدو إسرائيل غير معنية حتى الآن بأكثر من معالجة ملف غزة معالجة جذرية من خلال الإبادة التامة بدعم أمريكي غربي من دون الانخراط في جبهات أخري.

مع ذلك لا يمكن لأحد أن يضمن عدم انزلاق الأحداث نحو حرب أوسع ذات جبهات متعددة، حتى وإن كانت الأطراف المعنية تسعى لتجنبها، فإذا دخلت الأذرع الإيرانية في حرب مع تل أبيب، فلاشك أن الثانية سترد علي طهران بتوجيه ضربة لها، من منطلق أن الرد علي أذرع الإخطبوط هي ضرب رأسه.

في النهاية، يمكن القول إن الوتيرة المتسارعة من التصعيد الإسرائيلي دون رادع، تزيد من تعقيد المشهد في المنطقة، وتجعل كل الاحتمالات واردة، في ظل تواطؤ دولي مع الاحتلال، وغياب رد الفعل الإقليمي القوي، ما قد ينذر بتحول في الأزمة، إلى حرب إقليمية لن يصبح من السهل السيطرة عليها ولا منع تداعياتها الإقليمية والدولية، لكن ذلك يبقى معلق بمسار مستوى الاحتكاكات العسكرية بين جيش الاحتلال وحزب الله الذراع المسلح الممتد لإيران في المنطقة.

عن "مركز رع للدراسات الإستراتيجية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية