القضاء العراقي ينتفض في وجه الأكراد ويُبطل قانون النفط والغاز 

القضاء العراقي ينتفض في وجه الأكراد ويُبطل قانون النفط والغاز 


19/02/2022

يبدو أنّ القضاء العراقي بدأ بقضمِ طموح الزعامات السياسية في البلاد، إثر إصدارهِ عدةِ قراراتٍ "ولائية"، أطاحتْ بشبهِ مسلّماتٍ عرفيةٍ منذ إقرار الدستور الجديد، في تشرين الأول (أكتوبر) 2005 ولغاية الدورة الرئاسية الماضية؛ إذ نالت الكتل المتزاحمة على السلطة حصتها من "العقاب القضائي"، إلا أنّ كتلة "الديمقراطي الكردستاني"، كانت أكثر المتضررين؛ لا سيما بعد إقصاء مرشحها لرئاسة الجمهورية، هوشيار زيباري، من المنافسة على المنصب، والحكم بعائدية نفط إقليم كردستان إلى السلطة المركزية في بغداد. 

اقرأ أيضاً: احتجاجات طلاب السليمانية تشلُّ الحياة في كردستان العراق 

وتحاول السلطة القضائية "المستقلة" عن السلطتين التشريعيةِ والتنفيذية أن تستعيدَ شيئاً من استقلاليتها الفعلية؛ بعد أن وظّفتْ قراراتها القانونية لصالح الفاعل السياسي في الائتلافات الحكومية السابقة، وهو ما عرّض حياديّتها إلى الطعنِ من قبل أوساطٍ شعبية ونخبوية.

رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني
وسلّمتْ أغلب الزعامات السياسية لقرارات المحكمة الاتحادية مؤخراً، إلا أنّ الزعيم الكردي، مسعود بارزاني؛ عدّ القرار الأخير "معادياً لإقليم كردستان وللنظام الفيدرالي في العراق"، في وقتٍ خرجَ فيه القاضي الأول، فائق زيدان، عن صمتهِ وطالبَ البرلمان بضرورةِ تعديل الدستور.  

ضعف الدفاع الكردي عن حجته
نقض المحكمة الاتحادية العليا لقرارِ قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، لصالح مركزية الحكومة في بغداد، برّرتهُ المحكمة بضعف الدفاع الكردي عن حجتهِ في تصدير الموارد الطبيعية دون علمِ الجهات المركزية.

  تعدّ ضرائب بارزاني من الأحكام القضائية الأخيرة كبيرة جداً بالنسبةِ إلى الكتل السياسية الأخرى، خصوصاً بعد رفض المحكمة لمرشحهِ لرئاسة الجمهورية، وإبطال قانون النفط والغاز في كردستان


وكان قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، مشرّع من قبلِ برلمان الإقليم، فيما لم يذهب البرلمان الاتحادي إلى تشريعهِ، منذ عام 2005، بل بقي معلقاً على أدراج اللجان النيابية المختصة، والمزايدات السياسية بين الكتل، عند تشكيل أيةِ حكومة جديدة.

وعمدتْ المحكمة الاتحادية إلى بيانِ صوابيةِ فتواها القضائية إلى سردِ حادثةٍ قديمةٍ تدينُ حكومة كردستان، في محاولةٍ للردّ على إعلام الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يشنّ حملاتٍ تطعنُ بقرارِ المحكمة. 

وأوضحت المحكمة أنّ القضاء الأمريكي كان قد حكمَ لصالح وزارة النفط العراقية، التي اشتكت وزارة الثروات الطبيعية الكردستانية، عام 2015، بشأن عدم قانونية تصدير النفط من كردستان. 
وأكّدت المحكمة أنّ حكومة الإقليم استأنفتْ الحكم لدى محكمة الاستئناف الأمريكية "ومن خلال إقرارها الطوعي بتفريغ الشحنة في إسرائيل، أضعفت حكومة إقليم كردستان شدة حجتها في موضوع الاستئناف، وانتهى القرار برفض الاستئناف". 

بارزاني: قرار معادٍ لكردستان
عام 2012، قدمَ وزير النفط العراقي الأسبق، حسين الشهرستاني، شكوى لدى المحكمة الاتحادية العليا، بشأنِ عائدية النفط في إقليم كردستان إلى المركز، لكنّ الحكم في الشكوى جاء في الـ 15 من شباط (فبراير) من العام الجاري، وهو ما اعتبرهُ الزعيم الكردي مسعود بارزاني أنّه قرار ذو دوافع سياسية.

اقرأ أيضاً: "الانقلاب الأبيض" في الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي: ما دور أردوغان؟

وقال في بيان له إنّ "قرار المحكمة الاتحادية العليا حول نفط وغاز إقليم كردستان قرار سياسي بحت، بالضدّ من الدستور العراقي الفيدرالي، والهدف منهُ معاداة إقليم كردستان والنظام الفيدرالي في العراق". 

وتابع: "نحن نأمل بأن تتمكّن حكومتا العراق وإقليم كردستان التغلب على العوائق، والاتفاق على ملفّ النفط والغاز"، مؤكداً أنّ الإقليم "سيدافع بكل ما أوتي من قوة عن حقوقهِ الدستورية".

وبدأ إقليم كردستان في بيع نفطهِ بمعزل عن الحكومة الاتحادية، بعد أزمة مالية خانقة نتيجة انهيار أسعار النفط خلال اجتياح تنظيم داعش لمناطق في العراق، إضافة إلى الخلافات مع بغداد التي دفعت الأخيرة لإيقاف صرف رواتب موظفي الإقليم.

ترجيح تكرار سيناريو 2014 
لم تخضع حكومة الإقليم لأيِّ قرارٍ ولائيٍّ صادر عن العاصمة المركزية بغداد؛ إذ تتعامل مع المركز وفق الاتفاقات السياسية، لا بحسبِ الإجراءات القانونية الملزمة، وهذا ما فعلتهُ عام 2014؛ حين لجأت إلى بيع النفط إلى الأسواق العالمية، مستثمرةً أقسى لحظات الضعف التي مرّت بها الحكومة العراقية، وهي لحظة اجتياح تنظيم داعش واحتلالهِ لثلث البلاد.

اقرأ أيضاً: هل يشهد إقليم كردستان العراق "ربيعاً كردياً"؟
وتدفع الحكومة المركزية شهرياً (380 مليون دولار أمريكي) كرواتب لموظفي حكومة كردستان، إلا أنّها أوقفت التمويل في عامَي 2014 و2017، لعدم التزام الإقليم بتسليم واردات نفطهِ وفقاً لبنود الموازنة الاتحادية، وبعيد إجرائهِ لاستفتاء الانفصال عن العراق، لكنّ العلاقات عادت إبان حكومتي عبد المهدي والكاظمي. 
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، عبد السلام برواري، لـ "حفريات"؛ إنهُ "في حال قطعت الميزانية الاتحادية عن إقليم كردستان، سنعمل كما عملنا عام 2014، عندما قطعت الحكومة علينا الميزانية، وذهبنا مجبرين لبيع النفط عن طريق الشركات الدولية المتعاقدة مع الإقليم". 

عضو الحزب الديمقراط الكردستاني عبدالسلام برواري: الشركات العالمية المتعاقدة مع الإقليم بخصوص التنقيب والبيع تتمتع بالشفافية، ولديها التزامات مع دولها
وبخصوص إمكانية إعاقة بيع النفط الكردي من قبل المحكمة الدولية التي ستشتكي لديها وزارة النفط الاتحادية؛ أكّد أنّ "الشركات العالمية المتعاقدة مع الإقليم بخصوص التنقيب والبيع تتمتع بالشفافية، ولديها التزامات مع دولها، ولا تجازف من أجل عيون الكرد"، وأضاف: "بمجرد دخول هذه الشركات في عقود نفطية طويلة الأمد مع حكومة الإقليم، دليل توصلها إلى قناعة تامة بأنّ العملية لا غبار عليها، وليس فيها خرق للدستور العراقي".  

كتابة الدستور بـ "عقلية المعارضة"
أغلب المشاكل السياسية التي تظهر على السطح بين الحلفاء السياسيين من المكوّنين الشيعي والكردي، مردّها إلى عدم وضوح اللغة القانونية في الدستور، وإمكانية تأويل كلّ طرفٍ للنص الدستوري لمصلحته.
ويخفق البرلمان العراقي في كلّ دورة برلمانية في تعديل المواد الدستورية، لأنّ تلك المواد أدرجت ضمنَ وعي سياسيٍّ معيّن، محمّل بالخوفِ من الماضي القريب لحزب البعث الحاكم قبل عام 2003. 

عضو الديمقراطي الكردستاني عبدالسلام برواري لـ "حفريات": في حال قطع الموازنة على كردستان، سنكون مجبرين على بيع النفط عن طريق الشركات الدولية المتعاقدة مع الإقليم 

ويقول يوسف الكلابي، النائب السابق وعضو لجنة تعديل الدستور؛ إنّ لجنتهُ "كانت تريد تعديل الدستور الذي كتبَ بعقلية الماضي والمخاوف من عودة الدكتاتورية، وضياع حقوق المكونين الشيعي والكردي"، عازياً عدم تحقيق ذلك إلى "رفض النواب الكرد لفتح الملفات الخاصة بإقليم كردستان داخل الدستور العراقي الجديد".  
ويرى أستاذ القانون الدستوري قرار المحكمة الاتحادية "انتصاراً للشعب الكردي"، موضحاً أنهُ "ليس من المعقول أن يتم ربط مصير المكونات بمصير أحزابها". لافتاً إلى أنّ "المشكلة في الإقليم تكمنُ في عليةِ قانونهِ على القانون الاتحادي، وهكذا قانون غير موجود في كلّ قوانين العالم".

ضرائب الكتل من القضاء
وللمرة الأولى يصدمُ القضاءُ العراقيّ الكتلَ السياسية الحاكمة، بعد إصدارهِ لعدةِ أحكامٍ ردَّ فيها شكاوى الكتل السياسية ضدّ بعضها؛ إذ ردّ شكوى "تزوير الانتخابات" التي قدّمتها قوى "الإطار التنسيقي"، وهو ما عدّهُ زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وحليفهُ زعيم "الديمقراطي الكردستاني"، مسعود بارزاني، انتصاراً لهما، فيما عطّل القضاء مكاسب الحليفين لدى إيقافهِ المؤقت لعمل هيئة رئاسة البرلمان، التي عاودت العمل بعد ذلك، بقرار قضائي. 

اقرأ أيضاً: قتلى وجرحى في احتجاجات كردستان العراق

وتعدّ ضرائب بارزاني من الأحكام القضائية الأخيرة كبيرة جداً بالنسبةِ للكتل السياسية الأخرى، خصوصاً بعد رفض المحكمة لمرشحهِ لرئاسة الجمهورية، هوشيار زيباري، وإفساح المجال لخصمهِ، برهم صالح، في إمكانية الحصول على ولاية رئاسية ثانية، ليأتي قرار المحكمة الاتحادية ببطلان قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان التي يقودها الحزبان الكرديان "الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني"، وهو ما جعل الأمور أكثر تعقيداً بسبب ما تعيشهُ البلاد من انسدادٍ سياسي.   

رئيس المجلس الاستشاري العراقي فرهاد علاء الدين: بدون مبادرةٍ لا يمكنُ للعملية السياسية أن تسيرَ في ظلِّ هذا الانسداد الذي تعيشهُ الآن

ويرى فرهاد علاء الدين، رئيس المجلس الاستشاري العراقي؛ أنّ انسداداً كهذا يعالجُ عبرَ مبادراتٍ سياسيةٍ فعلية، ويؤكّد لـ "حفريات": "بدون مبادرةٍ لا يمكنُ للعملية السياسية أن تسيرَ في ظلِّ هذا الانسداد الذي تعيشهُ الآن"، مبيناً أنّ "هذا الانسداد الحالي قد يغلق المشهد السياسي تماماً". 

القضاء يطالب بتعديل الدستور
ودرءاً للتأويلات السياسية للاستحقاقات الدستورية في العراق، طالبَ رئيس السلطة القضائية، فائق زيدان، مجلس النواب الجديد، بلعب دورٍ مهمّ عبر تعديل موادّ قانونية في الدستور الذي باتَ حمّالَ أوجه للمكاسب السياسية، للقوى الماسكة بالسلطة. 

اقرأ أيضاً: الحرس الثوري الإيراني يقصف حدود كردستان العراق... لماذا؟
وعلى غير عادته، واكبَ القاضي فائق زيدان، رئيس السلطة القضائية، التفاعلات السياسية عبر وسائل الإعلام، للردّ على الاتهامات التي تطال سلطة القضاء، ورمي الكرة في ملعبه لتفسير المادة الخاصة بالكتلة النيابية التي ستشكل الحكومة. 

القاضي فائق زيدان رئيس السلطة القضائية في العراق: المجلس النيابي أمام مسؤولية تاريخية وواجب وطني
وكتبَ في مقالةٍ له أنّ المجلس النيابي "أمام مسؤولية تاريخية وواجب وطني يتمثل بضرورة العمل على تعديل المواد الدستورية (52) و(65) و(70) و(76) و(92)"، مبيناً أنّها مواد "قابلة لإعادة الصياغة بشكلٍ يضمنُ عدم دخول البلد في حالةِ خرق أو فراغ دستوري مستقبلاً". 
وشدّد على "ضرورة تعديل المادة (76)، والنصّ على مبدأ واضح غير قابل للاجتهاد، بأن يكلّف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة أو القائمة الفائزة في الانتخابات، بتشكيل مجلس الوزراء في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية نفسها، بعد استكمال إجراءات انتخابهِ دستورياً، وهذا يحسم الجدل المستمر منذ عام 2010 وإلى الآن، فيما لو تمّت صياغة النصّ بشكل دقيق وواضح في الدستور".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية