هل كان هناك هدف سياسي واضح لدى حماس عندما أطلقت هجوم تشرين الأول؟

هل كان هناك هدف سياسي واضح لدى حماس عندما أطلقت هجوم تشرين الأول؟

هل كان هناك هدف سياسي واضح لدى حماس عندما أطلقت هجوم تشرين الأول؟


19/03/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

صاغ المفكر العسكري البروسي العظيم كارل فون كلاوزفيتز أحد أكثر مفاهيم الحرب شهرة عندما كتب أنّ الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى.

عندما شنت (حماس) هجماتها ضد إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، تكهَّن البعض بأنّ الخطوة كانت تهدف إلى تعزيز موقف الفلسطينيين في أيّ مفاوضات نهائية مع إسرائيل، أو، بعبارة أخرى، أنّها حققت هدفاً سياسياً وطنياً. المشكلة الوحيدة في هذا التفسير هي أنّ (حماس) لم تُحدد أيّ أهداف سياسية فيما يتعلق بإسرائيل منذ ذلك الحين.

بل على العكس من ذلك، فإنّ الشروط التي أصر عليها زعيم (حماس) في غزة، يحيى السنوار، في المفاوضات التي جرت الأسبوع الماضي في القاهرة، هي أن تقبل إسرائيل بوقف دائم لإطلاق النار في غزة، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع، وعودة النازحين من دون شروط؛ بمعنى آخر، سعى السنوار فقط للعودة إلى وضع ما قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر).

إذا كانت هناك أهداف سياسية، فلا يسعنا إلا أن نخمن ماهيتها. ربما كان السنوار يهدف إلى حدٍّ ما إلى فرض (حماس) كممثل رئيس للفلسطينيين، مع تهميش (فتح). لكنّ هذا لا يبرر مثل هذه التكلفة الفادحة من حيث الأرواح والدمار، ولا يجيب حقاً عن ماهية الخطوة النهائية لـ (حماس). وفي المقابل، تريد (فتح) والسلطة الفلسطينية على الأقل التوصل إلى تسوية مع إسرائيل وإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة في الأراضي المحتلة.

رجل فلسطيني نازح يصلي قبل الإفطار في اليوم الأول من شهر رمضان، في رفح، جنوب قطاع غزة

إذا كانت (حماس) قد سعت من خلال الهجمات إلى عرقلة التقارب السعودي الإسرائيلي، والتأكيد من جديد، بهذه الطريقة، على مركزية القضية الفلسطينية في المنطقة، فمن المؤكد أنّه كان من الواجب عليها أن تدرك أنّ الرد الإسرائيلي على قتلها لإسرائيليين سيكون مروعاً. 

والواقع أنّ الرد الإسرائيلي مروِّع وشامل، إلى الحدّ الذي يجعل من الممكن تحييد قدرة (حماس) على عرقلة أيّ مبادرة سعودية إسرائيلية جديدة في المستقبل بمجرد انتهاء إسرائيل من الانتقام.

ربما كان السنوار يهدف إلى حدٍّ ما إلى فرض (حماس) كممثل رئيس للفلسطينيين، مع تهميش (فتح). لكنّ هذا لا يبرر مثل هذه التكلفة الفادحة من حيث الأرواح والدمار

على الأرجح، كان يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) مرتبطاً في المقام الأول بحسابات داخلية داخل (حماس)، وتحديداً لعبة سلطة قام بها السنوار لفرض نفسه كزعيم نافِذ للحركة، ضد قيادة المنفى. وإذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أنّ هذه الهجمات كان لها هدف سياسي، ولكنّه كان هدفاً محدود الأفق إلى حدٍّ مدمّر، ودمَّر غزة، وخلق الآن معضلة لـ (حماس) وحلفائها، وفي المقام الأول (حزب الله).

طوال الأشهر الـ (5) الماضية كانت هناك حرب حقيقية في جنوب لبنان، مع وقوع أضرار جسيمة في البلدات الحدودية وخسارة كبيرة في الأرواح بين المدنيين اللبنانيين. ووصف الأمين العام لـ (حزب الله)، حسن نصر الله، تصرفات حزبه بأنّها توفر "جبهة دعم" لغزة. لكن هل يستحق فتح جبهة لصالح (حماس)، من دون أهداف سياسية واضحة، ما حدث لأجزاء واسعة من جنوب لبنان، ناهيك عن العديد من كوادر الحزب؟

لقد فعل (حزب الله) ذلك في المقام الأول لأنّه كان عليه الحفاظ على واجهة وجود جبهة موحدة لجماعات "محور المقاومة"، وهي الجبهة التي روَّجت لها إيران. ونتيجة لهذا فقد استفادت إيران، ولكنّ حلفاءها العرب دفعوا (وما زالوا يدفعون) ثمناً باهظاً.

موقع غارة جوية إسرائيلية على قرية العديسة بجنوب لبنان، بالقرب من الحدود مع إسرائيل، في 5 مارس/آذار

استُبعِدت المخاوف الأساسية لـ (حماس) و(حزب الله) بسبب أولويات إيران. ربما تكون استراتيجية "وحدة الساحات" التي صيغت في العام الماضي قد سمحت للسنوار بالاعتقاد بأنّه يستطيع تعزيز قبضته داخل (حماس). وبما أنّ غزة مركزية في الاستراتيجية، فإنّه، وهو الشخصية الرئيسة في (حماس) في غزة، اعتقد أنّه يمكنه استخدام ذلك لشق طريقه لقيادة الحركة.

لكنّ (حزب الله) أظهر قدراً أكبر من المنطق. منذ البداية اضطر نصر الله إلى أخذ الواقع اللبناني بعين الاعتبار. فالحزب، بحكم خبرته في الحكم ومعرفته بالتركيبة الطائفية في لبنان، أدرك مخاطر مقاربة "وحدة الساحات"، وبالتالي أدرك أوجه قصورها.

وبشكل أكثر عمقاً، ربما شعر (حزب الله) أيضاً بأنّ المشكلة الرئيسة تكمن في غياب الهدف السياسي المهيمن في استراتيجية "وحدة الساحات"، بخلاف التأكيد على أنّ إيران تسيطر على شبكة واسعة من القوات العسكرية الصديقة لها المنتشرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبالتالي لا يمكن التحايل عليها.

إذا كانت (حماس) قد سعت من خلال الهجمات إلى عرقلة التقارب السعودي الإسرائيلي، والتأكيد من جديد، بهذه الطريقة، على مركزية القضية الفلسطينية في المنطقة، فمن المؤكد أنّه كان من الواجب عليها أن تدرك أنّ الرد الإسرائيلي على قتلها لإسرائيليين سيكون مروعاً

وبما أنّ (حماس) و(حزب الله) أسيران في صراع انخرطا فيه، فإنّ طريقهما الوحيد للخروج من معضلتهما هو العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل تشرين الأول (أكتوبر). هناك تكاليف واضحة لمثل هذا الموقف، لأنّه سيدفع أتباعهما إلى التساؤل بجدية عمّا إذا كانت تضحياتهم ضرورية.

لكن في كلٍّ من غزة ولبنان قد تكون العودة إلى الوضع السابق أمراً صعباً. من المؤكد أنّ غزة لن تعود إلى ما كانت عليه في 6 تشرين الأول (أكتوبر). وقد يكون الوضع مختلفاً في لبنان، لكن فقط إذا قدَّم (حزب الله) بعض التنازلات، ولو على نحو شكلي. لكنّ ذلك قد يفتح الباب أيضاً أمام نقاش غير مريح حول سلاح الحزب وحقه في جرّ لبنان إلى الحرب بمفرده.

لم تكن الحرب استمراراً للسياسة الوطنية بوسائل أخرى في غزة ولبنان. بل في الأساس هي استمرار للطموح الشخصي بوسائل أخرى، في حالة السنوار، وللمصالح الإيرانية في (حزب الله). يعاني الفلسطينيون واللبنانيون من حرب تُخاض باسمهم وليس لهم رأي فيها. وبمجرد انتهاء الصراع، سيتعيَّن على إيران وحلفائها إعادة تقييم وضعهم.

المصدر:

مايكل يونغ، ذي ناشيونال نيوز، 12 آذار (مارس) 2024




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية