إسلاميو المغرب... الارتطام بقعر سياسي عميق

إسلاميو المغرب... الارتطام بقعر سياسي عميق


09/09/2021

أوجاع الإسلاميين تنمو بشكل لافت، لقد راهنوا كثيراً على "الربيع العربي"، وتنامي الشعور الشعبي العربي بالإحباط والقهر والظلم، فلم يمضِ وقت طويل على إسلاميي تونس وإخفاقهم بالاحتفاظ بحضورهم الرسمي في أروقة إدارة مناصب الدولة العليا، حتى جاءت انتخابات المغرب، حيث قلب المشهد الانتخابي المغربي التوقعات، رأساً على عقب، وأصبح الإسلاميون صبيحة يوم النتائج الأولية وكأنّ على رؤوسهم الطير، صدمة لم تكن بالحسبان، وخروج بأكثر من مجرد خسارة انتخابات تشريعية.

الرقم 113 مقعداً التي خسرها حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالمقارنة مع نتائج عام 2016، رقم مرعب وقاسٍ يستطيع أن يحوّل الخسارة إلى سقوط مدوٍّ، خاصة إذا كان الأمر غير متوقع ومفاجئ وصادم، لقد انتهى فائض أعوام المشاركة في الحكم، وتحوّل إلى فائض قلق على المستقبل، فالإسلامي المغربي الذي كان يتوقع أنه أتقن تماماً الركض إلى الأمام بخطوات ثابتة ومدروسة، تورط اليوم في خطوة واحدة، خطوة واسعة وفضفاضة أوسع من احتمال قدميه.

 

الرقم 113 مقعداً التي خسرها حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالمقارنة مع نتائج عام 2016، رقم مرعب وقاسٍ يستطيع أن يحوّل الخسارة إلى سقوط مدوّ

 

10 أعوام في مكاتب الحكم وخلف الميكرفونات كانت أكثر إغراءً من أن يصنعوا لأنفسهم معروفاً ويفكروا في لحظة مثل هذه اللحظة الرخوة التي تفلتت من بين أيديهم، فهل كانوا يقبضون أيديهم على ماء؟ يبدو ذلك، ويبدو أنّ هذا الماء كان كثيراً وغزيراً إلى درجة الغرق.

لماذا خسر حزب العدالة والتنمية هكذا، وبهذه الطريقة القاسية؟ إنها لم تكن خسارة مشرفة أبداً، بدت كأنها نعي أو أذى، وبدوا هم كأنهم قطعوا مسافات ظامئة وأرضاً صعبة وأجواء متقلبة لم يكن فيها "ربيع" أبداً، ولأنه يقال على سبيل الحقيقة إنّ ما يسقط من السماء تتلقاه الأرض، فهم من الطبيعي أن يبحثوا الآن عن هذه الأرض، لكنهم سيكونون مشغولين بمحاولة تفسير السقوط أو تبريره على سبيل التأويل، إلا أنّ الحقيقة الصعبة تقول إنّ السقوط ليس مجازياً أبداً، ولا يحتمل التأويل، وهو على الصورة التي حدث بها لا يقبل تعدد المعنى.

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب فاز حزب "الأحرار" وخسر "العدالة والتنمية" في انتخابات المغرب

السقوط لا يعني إلا معناه، وإن لم يكن السقوط سقوط أشخاص، فهو سقوط أفكار، وإن لم يكن سقوط أفكار، فهو سقوط تجربة، لكنه في المحصلة الأخيرة سقوط كل ذلك، أشخاص وأفكار وتجربة، وباعتبارهم إسلاميين ورجال دين، فأفكارهم ليست بالضرورة أن تكون هي الدين، لكنها فهم على نحو ما للدين، وممارسة هذا الفهم على مستوى الحكم والسياسة، وإذا ما تعرضت هذه الممارسة للسقوط أو الفشل ولو بعد حين، ولو كان مدى هذا الحين 10 أعوام أو 100 عام، فلأنّ هذه الممارسة بهذه الصيغة من الفهم لا تصلح وغير قابلة للاستمرار، ومصيرها هو ما وصلت إليه.

إنّ التضاد بين الوسيلة والغاية هو أحد التفسيرات المقنعة لحالة الانتقال أو بمعنى أدق التراجع من المركز الأول إلى المركز الثامن دفعة واحدة، يقول أحد قادة العدالة والتنمية لحسن العمراني: "لقد انهزمنا، يلزمنا الاعتراف بذلك"، وإذا كان عليهم أن يستخلصوا النتائج، فأوّلها يجب أن يكون الاعتراف، كما قال العمراني.

اقرأ أيضاً: العثماني بلا مقعد.. هزيمة مدوية لحزب العدالة والتنمية المغربي في الانتخابات

إنه سقوط بـ3 مستويات؛ المستوى الأول هو عدم تحقيق تقدم بالمقارنة مع الانتخابات السابقة، حيث إنّ تجربة 10 أعوام كانت كفيلة بأن تصنع لهم فرقاً إيجابياً، لدى الشارع والناخب المغربي، الذي بدا بهذه النتيجة القاسية وكأنه يحاول الانتقام من تلك التجربة، المستوى الثاني للسقوط يتحقق على يدي الأمين العام للحزب الذي هو رئيس الوزراء سعد الدين العثماني، من خلال عدم قدرته على الاحتفاظ بمقعده النيابي في العاصمة الرباط، بمعنى أنّ السقوط لم ينل من الحلقات الأضعف في حزب العدالة والتنمية ولا من شخصياته الهامشية، ولكنه نال من مركز الحزب ومحوره وأطرافه وهوامشه معاً.

 

لم تكن خسارة مشرفة أبداً، بدت كأنها نعي أو أذى، وبدوا هم كأنهم قطعوا مسافات ظامئة وأرضاً صعبة وأجواء متقلبة لم يكن فيها "ربيع" أبداً

 

وأمّا المستوى الثالث، فهو مبني على قراءة غير مباشرة لمن خسر، ولنفترض التالي؛ لو حصل حزب العدالة والتنمية على المركز الثاني أو حتى الثالث، فسيكون في مقدرة أي متفائل في الحزب أن يقول إنّ الحزب ما يزال يحتفظ بمكانته بين اللاعبين الفاعلين السياسيين الكبار في الانتخابات، لكن أن يتقاسم المقاعد الأخيرة مع حزب آخر، فهذا يعني أنّ الناخب المغربي كان يكتب في ورقة الاقتراع بيد غير مرتجفة، كما لو أنه كان مصمماً على استبعاد حزب العدالة والتنمية وإقصائه، أكثر من تصميمه على سبيل المثال على فوز التجمع الوطني للأحرار بالمركز الأول.

القراءة الأخيرة لما حدث تُعتبر شكلاً أكثر قسوة للسقوط أو الخسارة، مع أنّ هنالك نمواً في نسبة التصويت في الانتخابات، إلا أنها نسبة تقع في حيز المقبول لا أكثر، المثير هنا فيما يقوله الرقم 50.18%، كنسبة اقتراع يعني أنّ نصف عدد الذين يحق لهم المشاركة والتصويت لم يفعلوا ذلك، بمعنى أنهم ليسوا من حصة أحد، لا التجمع الوطني ولا حزب العدالة والتنمية، ويعني أيضاً أنّ حصة العدالة والتنمية من النصف الثاني جاءت في أدنى مستوى لها، وهذا يعني حتماً أنّ الجمهور والرصيد الشعبي للحزب متآكل وهش، ويعني أيضاً أنه من كان من أنصار حزب العدالة والتنمية أصبح اليوم شريكاً في إقصائه بتصميم وجرأة، إذن... كم سيحتاج إسلاميو المغرب من أعوام ومراجعات واستخلاص نتائج وعبر وتفسير، للخروج من حالة الارتطام بهذا القعر العميق سياسياً وشعبياً؟.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية