إيران والنووي واللص الذي أدمن السرقة

إيران والنووي واللص الذي أدمن السرقة


17/01/2022

علي الصراف

المفاوضات الجارية مع إيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي عادت لتتعثر.

السبب لا يتعلق بمطالب إيران برفع كل العقوبات، وإنما بالخوف من عودتها من جديد. ولهذا الخوف ما يبرره من أفعال إيران هي نفسها.

حالها في ذلك يشبه إلى حد بعيد حال اللص الذي يعرف أنه لا يستطيع العيش من دون سرقة. فهو حتى إذا حصل على إعفاء من العقوبة في مقابل تسليم ما قام بسرقته، فإنه سيعود ليُعاقب من جديد على سرقات أخرى.

الوضع المثالي بالنسبة إلى إيران والولايات المتحدة متشابه إلى حد كبير. إيران تريد رفع كل العقوبات المفروضة عليها، بينما تريد الولايات المتحدة إلغاء كل ما حققته إيران من تقدم في برنامجها النووي. وهو ما يعني تسليم أو تدمير أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وتسليم كل كميات اليورانيوم التي تزيد نسبة تخصيبها عن 3.6 في المئة.

ولكن، حتى لو رفعت الولايات المتحدة كل العقوبات دفعة واحدة، فإن دواعي الخوف الإيرانية ستظل قائمة لسببين اثنين على الأقل.

الأول، هو أن إلغاء كل الخروقات يعني عودة البرنامج النووي الإيراني لعدة سنوات إلى الوراء، وإحاطته بقيود مشددة.

والثاني، هو أن العقوبات ستعود لتفرض من جديد، ليس بسبب البرنامج النووي، وإنما بسبب النشاطات الأخرى التي لا تستطيع إيران التوقف عنها.

تشعر إيران بالخوف من أنها عندما تقوم بالتراجع لعدة سنوات إلى الوراء، فإنها سوف تخسر أداة الابتزاز الوحيدة التي تملكها. وفي حين يمكن للولايات المتحدة، بحسب الوضع المثالي، أن ترفع كل العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي، فإن إيران هي التي ستعود لتوفر بأعمالها وأعمال ميليشياتها ما يبرر فرض عقوبات جديدة.

إيران في الوقت نفسه لا تستطيع أن تشترط رفع العقوبات التي لا علاقة لها ببرنامجها النووي.

شروط الاتفاق النووي لعام 2015 واضحة على أي حال. ويمكن للولايات المتحدة أن تلتزم بها كلها دفعة واحدة. ولكن عندما تشن ميليشيات إيران، على سبيل المثال، هجمات صاروخية أو بطائرات مسيرة على القواعد الأميركية أو على سفارتها في بغداد، فهل هذا يمكن أن يمر في واشنطن من دون عقوبات؟ إيران لا تستطيع، في المقابل، الجمع بين طلب رفع العقوبات التي تتعلق ببرنامجها النووي وبين أي عقوبات تفرض عليها بسبب أعمالها العدوانية الأخرى. الكل سوف يقول: هذا شيء وذلك شيء آخر.

بصورة من الصور، فإن إيران هي التي ستعود لتعاقب نفسها من جديد، بما ترتكبه هي أو ميليشياتها، بينما يكون برنامجها النووي قد تم تقييده.

وبصورة من الصور، فقد كان من الأفضل لإيران لو أنها وافقت على أن تشمل المفاوضات القضايا المتعلقة بالنشاطات التخريبية في المنطقة. على الأقل لأنها ستكون قد نجحت في تغطية المساحة المكشوفة التي يمكن للعقوبات ضدها أن تُستأنف منها. إلا أنها تمسكت برفض بحث تلك القضايا، كما تمسكت برفض بحث برنامجها الصاروخي.

وبصورة من الصور أيضا، تكاد واشنطن تقول: حسنا، هذا مناسب لنا أكثر. سوف نرفع العقوبات المتعلقة بهذا الباب، ونفرض غيرها مما يتصل بالأبواب التي اختارت إيران أن تُبقيها مفتوحة.

لقد دخلت واشنطن محادثات فيينا بحسن نية أكبر عندما دعت إيران إلى أن تشمل المفاوضات كل القضايا التي تجعل منها دولة نشاز، تتدخل في شؤون الغير، وتنشر ميليشيات، وتدعم أعمال إرهاب. إلا أن النفس الأمّارة بالسوء هي التي أقنعت طهران بأن تقتصر المحادثات على بنود الاتفاق النووي وحده. فكان لتلك النفس ما أرادت، وأعادت واشنطن ترتيب خياراتها.

لقد كانت غاية واشنطن ودول المنطقة هي أن تعود إيران لتتصرف كدولة طبيعية، تحترم علاقات حسن الجوار، وتكف عن ممارسة التهديدات، لتنفتح أمامها كل الفرص، وليس فقط أن تُرفع عنها العقوبات. ولكن طبائع السوء اختارت السبيل الآخر. وهو أمر كان يمكن لمن يعرف نظام الولي الفقيه والعصابة التي تحميه، أن يتوقعه.

إيران الولي الفقيه لا تستطيع بسبب تلك الطبائع إلا أن تكون قوة شر وجريمة. وهي تقوم بتشغيل عصابات ليس لخدمة أغراضها التوسعية فحسب، وإنما لخدمة كل نزعات الشر والفساد والجريمة في نفوس عملائها ومأجوريها الذين يتخذون من مزاعم الولاء الطائفي سترا لأعمالهم.

الشر، بهذا المعنى، متأصل إلى درجة لا يمكن انتزاعه من تلك النفس. ولهذا السبب، فإنه مهما كانت طبيعة الإغراء الذي يُقدم لإيران للتخلي عن تلك الطبيعة، فإن طبائع الحقد والفساد تظل هي الغالب الذي لا يغلبه شيء.

وسرعان ما سقطت محادثات فيينا بهذا الفخ العجيب. حيث تطلب النيّات الحسنة شيئا، بينما تطلب النفس الأمّارة بالسوء شيئا آخر، لتسقط في شر ما انطوت عليه.

طبعا، هناك سجال حول آليات رفع العقوبات بما يضمن تزامنها مع تدمير ما حققته إيران من تقدم في برنامجها النووي. إلا أن هذا السجال بات مفيدا لواشنطن أيضا. فهو يتيح للإدارة الأميركية أن ترفع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي على أقساط، لكي تخفف الانطباعات بأنها تكافئ “دولة راعية للإرهاب” بالمال. وعندما تحين الفرصة، فإن الضرر الناجم عن هذه الانطباعات، سرعان ما يمكن محوه أو تخفيفه عندما تفرض إدارة الرئيس جو بايدن عقوبات جديدة، تتعلق ربما بانتهاكات حقوق الإنسان، تلك التي لا سبيل لنظام الولي الفقيه إلا أن يرتكبها، أو ربما بثبوت أن أعمال ميليشياتها في العراق إنما تنفذ بتوجيه من إيران.

هذا يعني أن عودة إيران إلى الاتفاق النووي سوف توقعها بمأزق من أفعالها الأخرى. كما أن رفضها العودة مأزق آخر.

في أي لحظة يمكن لواشنطن أن تقول: سنرفع كل العقوبات في غضون المدة التي يمكن التأكد فيها من أن البرنامج النووي الإيراني عاد إلى ما كان عليه لدى توقيع الاتفاق.

إيران وهي تتحسس المأزق لن تجد ذلك مطمئنا.

الذين اعتادوا على ارتكاب انتهاكات وجرائم، والذين لديهم مشروع لتصدير الاضطرابات والصراعات، لن يشعروا بالثقة بالآخرين، لأنهم لا يثقون بأنفسهم من الأساس، ولأنهم يعرفون سلفا أن اللص الذي لا يستطيع العيش من دون سرقة سيعود ليسرق من جديد، حتى تُقطع يداه الاثنتان.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية