استقالة حمدوك تضرب الديمقراطية في السودان... ومستقبل غامض ينتظر البلاد

استقالة حمدوك تضرب الديمقراطية في السودان... ومستقبل غامض ينتظر البلاد


03/01/2022

قوّضت استقالة رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، أمس، الديمقراطية في السودان، فمن جهة بات الجيش المتصرف السياسي الوحيد في المشهد، وفي مواجهة المتظاهرين، ومن جهة أخرى تعكس أنّ المحاولات التي تلت الانقلاب بتوقيع الاتفاق السياسي في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، على اعتباره نهاية "حسنة الوجهة" للانقلاب، لم تكن جادة.

وعلى الرغم من أنّ المتظاهرين لم يقبلوا بتلك الاتفاقية من الأساس، وشككوا في نية الجيش الانسحاب من المشهد، وأكدوا سطوته السياسية وعدم ثقتهم بإجراء انتخابات أو استكمال مراحل الانتقال الديمقراطي في ظله، فإنّ استقالة حمدوك جاءت لتؤكد كلّ تلك التخوفات، وتمنحها صكوكاً إثباتية.

اقرأ أيضاً: ما أسباب تلويح رئيس الوزراء السوداني بالاستقالة؟

وقال حمدوك خلال خطاب متلفز: "إنّ السودان يمرّ بمنعطف خطير قد يهدد بقاءه كليّاً، إن لم يتم تداركه عاجلاً، في ظل هذا الشتات داخل القوى السياسية والصراعات العدمية بين مكونات الانتقال".

وأضاف: لقد "منحتموني شرف رئاسة مجلس الوزراء في هذا الظرف الدقيق والمفعم بالآمال، وقد حاولت بقدر استطاعتي أن أجنّب بلادنا خطر الانزلاق نحو الكارثة، والآن تمرّ بلادنا بمنعطف خطير قد يهدد بقاءها كُلياً، إن لم يتم تداركه عاجلاً".

اقرأ أيضاً: إثيوبيا والسودان يفران من تهديدات الداخل بالمواجهة عبر الحدود

وتابع: "في ظل هذا الشتات داخل القوى السياسية والصراعات العدمية بين كل مكونات الانتقال، ورغم ما بذلت كي يحدث التوافق المنشود والضروري للإيفاء بما وعدنا به المواطن من أمن وسلام وعدالة وحقن للدماء، ولكن ذلك لم يحدث".

وأشار إلى أنّه لم ينجح في جلب أطراف الانتقال إلى مائدة الحوار، بعد توقيعه الاتفاق السياسي مع قائد الجيش، للتوصل إلى ميثاق يحكم بقية فترة الانتقال وتنفيذ اتفاق السلام وحسم النزاعات الأهلية والاستعداد للانتخابات وفق رؤية توافقية حول نظام الحكم.

 أشار حمدوك إلى أنّه لم ينجح في جلب أطراف الانتقال إلى مائدة الحوار، بعد توقيعه الاتفاق السياسي مع قائد الجيش، للتوصل إلى ميثاق يحكم بقية فترة الانتقال وتنفيذ اتفاق السلام وحسم النزاعات الأهلية

ونصح حمدوك لجان المقاومة بالتوافق حول برامج للبناء، والمشاركة في وضع رؤية شاملة لبقية فترة الانتقال، قائلاً: "اعلموا أنّ الحياة من أجل تحقيق الغايات الكبرى لا تقلّ شرفاً عن الاستشهاد في سبيل هذه الغايات".

ووجّه حمدوك تنبيهاً إلى القوات الأمنية قائلاً: "إنّ الشعب هو السلطة السيادية النهائية، وإنّ القوات المسلحة هي قوات هذا الشعب، تأتمر بأمره، وتحفظ أمنه، ويجب أن تدافع عن أهدافه ومبادئه".

وبتلك الاستقالة يكون حمدوك قد قضى نحو (5) أسابيع رئيساً للوزراء، بعد الانقلاب الذي شهده السودان في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ووُضع إثره حمدوك قيد الإقامة الجبرية.

وأرجع حمدوك قبوله بالاتفاق السياسي آنذاك إلى رغبته في حقن دماء المتظاهرين، وإنقاذ الأوضاع الاقتصادية الصعبة في السودان، وتأمين انتقال ديمقراطي، غير أنّ حمدوك اصطدم فيما يبدو بسطوة المؤسسة العسكرية ودوره كواجهة فقط، فقرر الاستقالة التي لم تكن مفاجئة، إذ تنتشر الأخبار والتسريبات حولها قبل أكثر من أسبوع.

 

علقت وزارة الخارجية الأمريكية على استقالة حمدوك قائلة: إنّ اختيار رئيس وزراء جديد يجب أن يتم ضمن ضمانات دستورية

 

وقد علقت وزارة الخارجية الأمريكية على استقالة حمدوك قائلة: "إنّ اختيار رئيس وزراء جديد يجب أن يتم ضمن ضمانات دستورية".

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية: إنّ "على القادة السودانيين تنحية الخلافات جانباً، والتوصل إلى توافق، وضمان استمرار الحكم المدني".

وأضافت الخارجية الأمريكية أنّ تعيين رئيس الوزراء والحكومة السودانية المقبلة يجب أن يتماشى مع الإعلان الدستوري لتحقيق أهداف الشعب في الحرية والسلام والعدالة، بحسب ما أورده موقع "سكاي نيوز".

وأكدت واشنطن استمرارها بالوقوف إلى جانب الشعب السوداني من أجل تحقيق الديمقراطية، ودعت إلى وقف العنف ضد المتظاهرين.

اقرأ أيضاً: إثيوبيا والسودان يفران من تهديدات الداخل بالمواجهة عبر الحدود

ولا يُعدّ هذا الموقف الهادئ هو الوحيد المتوقع من قبل الولايات المتحدة، فقد حذّرت قبل يوم من إعلان الاستقالة معرقلي الديمقراطية في السودان بعقوبات، وقال وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن: "إنّ بلاده على استعداد للردّ على معرقلي الديمقراطية في السودان".

اقرأ أيضاً: 4 دول بينها الإمارات تؤكد دعم الشعب السوداني وتطلعه لدولة ديمقراطية

وبعث الوزير بالتهنئة للسودانيين في ذكرى الاحتفال بمرور (66) عاماً على الاستقلال، مطلع كانون الثاني (يناير) الجاري، قائلاً: "كنّا نأمل أن يوفر عام 2021 فرصة للشراكة مع السودان في طريقه إلى الديمقراطية، لكنّ استيلاء الجيش على السلطة في تشرين الأول (أكتوبر)، والعنف ضد المتظاهرين السلميين ألقيا بظلال من الشكّ على هذا المستقبل".

وتابع: ‏"لا نريد العودة إلى الماضي، ومستعدون للردّ على أولئك الساعين إلى إعاقة تطلعات الشعب السوداني لحكومة ديمقراطية بقيادة مدنية، والذين يقفون في طريق المساءلة والعدالة والسلام".

وأبدى بلينكن إعجابه بشجاعة السودانيين الذين نزلوا مراراً وتكراراً إلى الشوارع للمطالبة بأن تُسمع أصواتهم، وأن يحقق قادتهم مستقبلاً آمناً ومزدهراً، وحثّ قوات الأمن على التوقف الفوري عن استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين، واتخاذ إجراءات لمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.

اقرأ أيضاً: السودان: البرهان يستبعد هؤلاء... وجدل بعد إطلاق سراح رئيس حزب البشير وإعادة اعتقاله

ولا يبدو أنّ عدّاد الضحايا جراء التظاهرات السودانية مؤهل للتوقف قريباً، فبالتزامن مع إعلان الاستقالة كان عدد ضحايا آخر تظاهرات اليوم نفسه (الأحد) قد ارتفع إلى (3) أشخاص، وذلك "أثناء مشاركتهم ضمن مئات الآلاف في احتجاجات مناوئة للحكم العسكري"، بحسب ما أورده موقع "سودان تربيون"، وبذلك يرتفع عدد القتلى منذ الانقلاب إلى (57) قتيلاً ونحو (2000) جريح.

 

لا يبدو أنّ عداد الضحايا جراء التظاهرات السودانية مؤهل للتوقف قريباً، فبالتزامن مع إعلان الاستقالة كان عدد ضحايا آخر تظاهرات اليوم نفسه (الأحد) قد ارتفع إلى (3) أشخاص

 

وأعلنت نقابة أطباء السودان، في بيان تلقته "سودان تربيون"، مقتل (3) متظاهرين برصاص قوى الأمن بأم درمان.

وقال المكتب الموحد للأطباء: إنّ أحد القتلى أُصيب "إصابة مباشرة في الرأس أدت إلى تهتك الجمجمة وخروج المخ، وسيتم التعرف على نوع السلاح المستخدم في الإصابة بعد اكتمال التشريح"، وقُتل شاب ثانٍ برصاصة مباشرة في الصدر.

وأشار المكتب، في بيان تلقته "سودان تربيون"، إلى إصابة العشرات يجري حصرهم، كما أنّ قطع شبكة الإنترنت والاتصالات وإغلاق الجسور ساهم في عرقلة إسعاف المصابين.

وكان مجلس الدفاع والأمن الوطني قد أعلن الجمعة عن رضاه عن الطريقة التي يتصدى بها الأمن للمتظاهرين. وبحسب الموقع ذاته فإنّ مجلس الأمن والدفاع السوداني أبدى رضاه حيال الإجراءات التي اتخذتها القوات النظامية نحو المواكب السلمية التي ظلت تخرج للمطالبة برحيل العسكر عن السلطة.

وعقد السبت مجلس الأمن والدفاع، أعلى سُلطة في البلاد، اجتماعاً طارئاً برئاسة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان لبحث الأوضاع الأمنية في البلاد.

اقرأ أيضاً: باحثان يقدمان لـ"حفريات" تصورات عن مآلات الحالة السودانية

وقال مجلس السيادة، في بيان تلقته "سودان تربيون": إنّ "مجلس الأمن والدفاع وجّه بالإسراع في استكمال إجراءات التحري والتحقق ومحاسبة المتورطين في التظاهرات"، ولم تعلن النيابة العامة فتح تحقيق في الجرائم، بحسب الموقع.

في غضون ذلك، رأى مراسل "بي بي سي" إيمانويل إيغانزا أنّ استقالة حمدوك ضربة كبيرة للقادة العسكريين الذين اعتقدوا أنّ اتفاقاً معه من شأنه إرضاء المحتجين وإضفاء الشرعية على بقائهم في السلطة.

ومن الواضح أنّ هذه الحسابات كانت خاطئة، لكنّ هذا يعني أنّ الجيش أصبح الآن في السلطة بقوة؛ ممّا ينقض المكاسب التي تحققت من أجل الوصول إلى حكم مدني.

وتهدد الأزمة السياسية الحالية الآن بإعادة السودان إلى الأعوام الاستبدادية كما كان الحال في حقبة البشير، وثمّة مخاوف أخرى، فقد حذّرت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، من إجراءات ضدّ من يعرقلون العودة إلى الحكم المدني، وبالنظر إلى الصعوبات الاقتصادية في السودان، قد يكون لذلك تأثير أسوأ على حياة السودانيين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية