استقطاب وتجييش القبائل... نذر حرب "عرقية" تلوح في الأفق السوداني

استقطاب وتجييش القبائل... نذر حرب "عرقية" تلوح في الأفق السوداني

استقطاب وتجييش القبائل... نذر حرب "عرقية" تلوح في الأفق السوداني


06/07/2023

انتشر منتصف الأسبوع الماضي مقطع فيديو لزعماء بعض القبائل العربية في إقليم دافور (غرب السودان) يعلنون انضمام قبائلهم إلى قوات الدعم السريع، الأمر الذي وجد صدى واسعاً داخلياً وخارجياً، إلّا أنّ ذلك كان متوقعاً بالنسبة إلى العديد من المراقبين لمسار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التابعة له، حيث حذروا مبكراً من مغبة انخراط القبائل في هذه الحرب، وأشاروا إلى أنّ بروباغندا الحرب التي يديرها فلول النظام السابق لصالح قيادة الجيش، والتي دأبت منذ انطلاق الرصاصة الأولى في سماء الخرطوم 15 نيسان (أبريل) على الدعوة إلى تجييش الشعب والتجنيد القسري وإجبار المواطنين على حمل السلاح في مواجهة من أطلقوا عليهم المتمردين ووصفوهم بالغزاة الأجانب القادمين من تشاد والنيجر ومالي، الأمر الذي أثار حفيظة القبائل العربية في إقليم دافور التي يمثل منسوبوها عماد قيادة وجنود قوات الدعم السريع والجيش السوداني نفسه.  

دوافع وجودية

وفيما وصف مراقبون دعوات أنصار جماعة الإخوان وفلول النظام السابق إلى عسكرة المجتمع وتجييش وتسليح القبائل على أنّها محض نشاط دعائي يستهدف خفض معنويات (العدو)؛ لكن بدا الأمر جدّياً عندما دعا قائد الجيش المواطنين إلى حمل السلاح وإسناد الجيش في مواجهة من سمّاهم بالمتمردين، الأمر الذي فُسِّر على نحو واسع بين القبائل العربية في إقليم دارفور على أنّه دعوة مُبطّنة للحرب ضدها، خصوصاً أنّها جاءت مترافقة مع حملات إعلامية عدائية إقصائية، مرةً بوصفها بجماعات مرتزقة قادمة من خارج الحدود، وأخرى بتسميتها بعرب الصحراء الأفريقية والغزاة الأجانب، حيث بدت الحملة التي تقودها مفارز معروفة من منسوبي الإخوان (حزب المؤتمر الوطني) المحظور وكأنّها ممنهجة ومخطط لها سلفاً؛ ممّا اعتبرته مهدداً لوجودها على الجغرافيا السودانية، واستنفار قبائل شمال ووسط وشرق السودان؛ فضلاً عن منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة لشن حرب ذات طابع عرقي ضدها، خصوصاً جماعتي الرزيقات والمسيرية أكبر مجموعتين عربيتين في ولايتي دافور وكردفان، ولهما امتدادات إلى تشاد وليبيا وقلة منهما (المحاميد) تعيش في إقليم ديفا بجنوب شرق جمهورية النيجر على الحدود مع نيجيريا.   

(الصورة لكتائب أخوات نسبية عام 1995) ـ من الصحف السودانية

مبارزات صغيرة

وانتقد محللون ومراقبون دعوة البرهان المواطنين إلى حمل السلاح في ظل أوضاع بالغة الهشاشة ومجتمع منقسم على نفسه جهوياً وعرقياً ودولة غائبة ليس لها أثر أو وجود، فقد اختفت الشرطة والقوات الأمنية الأخرى والإدارات المدنية، وكأنّما مادت بها الأرض وابتلعتها، الأمر الذي جعل المواطنين مُجبرين على طلب الحماية من قبائلهم، واعتبروها إعلاناً رسمياً لبدء حرب أهلية شاملة ذات طابع عرقي وقبلي، وهذا ما حذّر منه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في تصريح سابق عندما كان يتحدث في ندوة بعد أسبوعين من بداية الحرب، بعبارته الشهيرة: "إذا كان السودان سيصل إلى نقطة حرب أهلية حقيقية، فإنّ سوريا واليمن وليبيا ستكون مجرد مبارزات صغيرة،" وأشار إلى أنّ ذلك سيمثل كابوساً للعالم.   

ظل قائد الجيش، ومن خلفه جحافل الإخوان وإعلامهم، يعمل على توطيد سلطته من خلال تجييش القبائل، الأمر الذي انعكس على طبيعة الحرب الراهنة وذهابها بخطوات متسارعة إلى حرب أهلية شاملة    

بالنسبة إلى العديد من المراقبين، فإنّ الإخوان المسلمين هم من أوعزوا لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان بأنّ الحل في الحرب، بل هم من أشعلوها مباشرة عبر منسوبيهم من ضباط الجيش الذين يُقدّر عددهم بـ (3) آلاف، بحسب تقارير متطابقة ومتواترة، وهم من أشاعوا أنّ القضاء على قوات الدعم السريع لا يتطلب سوى (72) ساعة كحدٍّ أقصى، ستتفرق بعدها أيدي سبأ وتتبخر كذرات غبار تذروها الرياح إلى صحراء أفريقيا الكبرى، وعندما فشلوا في ذلك، لجؤوا إلى الخطة (ب) المتمثلة في شن حملة إعلامية ضخمة لتشويه صورة قوات الدعم السريع وتصويرها بأنّها مجرد ميليشيات مجرمة تمارس السرقة والاغتصاب وجمع غنائم الحرب وتهريبها خارج حدود البلاد، ثم الذهاب مباشرة إلى الخطة (ج) وهي الأكثر خطورة على مستقبل السودان كدولة واحدة من خلال تجييش القبائل واستدعائها إلى ميدان المعركة للاقتتال فيما بينها، وهذا ما يفسر الحملة الشعواء التي يشنها الكيزان على القبائل العربية في إقليم دارفور وشيطنتها ودعوة الجماعات الأخرى لقتالها.

الفتنة الكُبرى

 لم يكن السودانيون يعرفون دوراً سياسياً لقبائلهم التي تبلغ نحو (500) على أقل تقدير، حتى انقلبت جماعة الإخوان المسلمين على حكومة الصادق المهدي في 30 حزيران (يونيو) 1989، حين شرع نظام الترابي/البشير في تكوين الميليشيات القبلية والدينية، ومنها: الدفاع الشعبي والمجاهدون وسائحون وأخوات نُسيبة (كتائب قتالية نسائية)، وكتائب الظل؛ وصولاً إلى ميليشيا الجنجويد التي تطورت في نسختها الأكثر انضباطاً إلى قوات الدعم السريع التي تخوض حرباً ضروساً في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور (غرب) ضد قيادة الجيش السوداني التي يسيطر عليها ضباط يدينون بالولاء التام لجماعة الإخوان المسلمين.

انتقد محللون ومراقبون دعوة البرهان المواطنين إلى حمل السلاح في ظل أوضاع بالغة الهشاشة

وبعد الإطاحة بنظام البشير من خلال ثورة شعبية في نيسان (أبريل) 2019، بُذلت جهود جبارة لاستعادة الفضاء المدني ونبذ القبليّة من خلال إعلاء الانتماء الوطني وترسيخ مفاهيم الحداثة والديمقراطية، إلّا أنّ المكوّن العسكري بمجلس السيادة برئاسة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وفي سعيه للاحتفاظ بالسلطة والامتناع عن تسليم السلطة إلى المدنيين؛ عاد مبكراً إلى التوسل بالقبائل وتجييشها وشراء ذمم زعمائها من خلال بذل الأموال والأعطيات والمناصب علانية وعلى مرأى من الجميع، وكذلك فعل قائد الدعم السريع في أحايين كثيرة قبل أن يعلن التزامه بالتحول الديمقراطي وبالاتفاق الإطاري المفضي إليه، واعتذاره الشهير عن انقلاب تشرين الأول (أكتوبر) 2021، الذي تم تنفيذه من خلال عدة أدوات على رأسها البُعد القبلي المتمثل في إغلاق الطريق الرئيسية الرابطة بين العاصمة الخرطوم وميناء بورتسودان على البحر الأحمر (شرق) عن طريق زعيم قبيلة الهدندوة محمد الأمين تِرك المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.

منذ ذلك الوقت، ظل قائد الجيش، ومن خلفه جحافل الإخوان المسلمين وإعلامها، يعمل على توطيد سلطته من خلال تجييش القبائل، الأمر الذي انعكس على طبيعة الحرب الراهنة وذهابها بخطوات متسارعة إلى حرب أهلية شاملة، وفق مراقبين.

مواضيع ذات صلة:

موت ومجاعات وأوبئة وخراب... هل تخلى الجميع عن السودان؟

يحلمون بالعودة إلى الحكم... دور "الإخوان" في إشعال الحرب في السودان



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية