الأزمة الاقتصادية في السودان: مسؤولية الجيش أم الحكومة؟

الأزمة الاقتصادية في السودان: مسؤولية الجيش أم الحكومة؟


02/09/2020

طفت على السطح مؤخراً خلافات بين الحكومة المدنية في السودان والجيش، على خلفية تصريحات رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، عن اقتصار ولاية وزارة المالية على المال العام، على نسبة 18%، وضرورة فرض الرقابة على شركات القوى الأمنية والجيش.

ورداً على ذلك؛ خرج الفريق عبد الفتاح البرهان بتصريحات ضدّ الحكومة، متهماً إياها بتعليق إخفاقها في الملف الاقتصادي على شماعة شركات الجيش، وأنّها لم تستجب لاقتراح الجيش بالتعاون في سبيل تعظيم الاستفادة من موارد هذه الشركات، وغيرها من الشركات العامة.

اقرأ أيضاً: اتفاق السلام التاريخي... شكر سوداني للإمارات وترحيب عربي ودولي

ويختلف المراقبون في السودان حول الموقف من شركات الجيش، فيرى البعض أنّها سبب الأزمة، وآخرون يرون أنّ حجمها ليس كبيراً، وأنّ الأزمة أعقد من ذلك، وتتعلق ببنية الاقتصاد، وفريق ثالث يرى أنّ سوء الفهم من جانب المكوّن العسكري لتصريحات حمدوك، هو من خلق الأزمة، التي كشفت سوء تواصل وضعف ثقة بين طرفَي الحكم في البلاد.

حمدوك والبرهان: صراع على المواطن

بعد مرور عام على تسلّم الحكومة الانتقالية، برئاسة عبد الله حمدوك، مهامها بشكل رسمي، لم يلمس المواطن السوداني تغيراً إيجابياً في الوضع الاقتصادي، بل ازداد سوءاً، وواقع الأمر أنّ السودان يعاني أزمات بنيوية كبرى، لن تحلّ في غضون العام، أو العامين، الباقيَين من عمر الحكومة الانتقالية.

حمدوك يؤدي اليمين الدستورية بحضور الفريق البرهان

لكنّ المواطن الذي يعيش ظروف حياة قاسية ليس بإمكانه الانتظار لتؤتيَ الخطط بعيدة المدى ثمارها، وفي ظلّ الحالة الثورية التي يعيشها السودان، والآمال الكبيرة المعقودة من المواطنين على الحكومة، تقع الأخيرة تحت ضغط كبير من الشارع، خصوصاً في ظلّ وجود متربصين بها من عناصر النظام البائد.

وفي ظلّ ذلك؛ كان على حمدوك مناقشة الأزمة الاقتصادية أمام الشعب، وفي حواره مع إذاعة أم درمان، بتاريخ 21 آب (أغسطس)؛ تناول الأزمة، وأشار إلى أحد معوقات حلّها، وهو عدم خضوع 82 % من النشاط الاقتصادي لمراقبة وزارة المالية، ما يعني غياب القدرة على إدارة وتوجيه الاقتصاد.

من خلال متابعة بيانات شركاء الحكم في السودان، يُلاحظ ضعف الثقة بينهما وسيطرة سوء الفهم، خصوصاً في ظلّ المطالبات الثورية بمحاكمة عسكريين، بتهم المسؤولية عن مجزرة القيادة العامة

وفي اليوم التالي؛ ألقى حمدوك خطاباً رسمياً، بمناسبة مرور عام على ولايته كرئيس للوزراء، تحدث فيه عن عدم خضوع الشركات التابعة للقوى الأمنية والعسكرية لرقابة وزارة المالية، ما خلق أزمة مع الجيش، وأثار بلبلةً في الشارع السوداني، جعله يربط بين نسبة 82% وبين هذه الشركات، والتي يُطلق عليها اصطلاح "اقتصاد الجيش".

وفي اليومين التاليين، 23 و24 آب (أغسطس) الماضي، ألقى الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، خطابَين أمام قوى عسكرية، تناول فيهما تصريحات حمدوك عن اقتصاد الجيش، واتهمه بتعليق إخفاقه على هذه الشركات.

اقرأ أيضاً: ترحيب دولي باتفاق سلام السودان

وأكّد البرهان أنّ هذه الشركات خاضعة لرقابة المالية، ولا تحتكر صادرات محدّدة. وأضاف: "عدم وضوح الرؤية عند القائمين على أمر الاقتصاد، ووجود أجندات أخرى لدى بعض الجهات السياسية، هو ما يقف وراء ترويج فرية تحكم القوات المسلحة في مفاصل الاقتصاد القومي، وتلك الجهات تعمل على الاستحواذ على خيرات وممتلكات شركات واستثمارات القوات المسلحة والتي هي ليست للمزايدة أو التكسب السياسي".

اقرأ أيضاً: الإمارات ترعى السلام بالسودان

وذكر البرهان أنّ الجيش طلب من حكومة حمدوك التعاون لاستغلال أمثل لجزء من هذه الشركات، إلا أنّ الحكومة لم تحرّك ساكناً، كما أنّهم لم يتحركوا لتصحيح أوضاع 221 شركة حكومية، تُدار بعيداً عن الحكومة، على حدّ قوله. كما اتّهم حكومة حمدوك، بشكل غير مباشر، بالسعي للوقيعة بين الجيش والشعب.

وتعمل بعض الشركات المملوكة للجيش في الزراعة وتصنيع وتجارة الأدوية، وإدارة مستشفيات خاصة، وتصدير اللحوم، إضافة الى مجمعات للتصنيع العسكري.

افتتاح فرع جديد لبنك أم درمان المملوك للجيش

الجيش وراء أزمة الاقتصاد؟

تتطلب الإجابة الصحيحة عن ذلك معرفة حجم الشركات التي يديرها الجيش السوداني، مقارنة بحجم الاقتصاد الكلّي للدولة، وهي بيانات غير متوفرة بشكل رسمي.

 لكن لا يبدو وجود دور كبير لاقتصاد الجيش، أو تحكّم في قطاعات بعينها، بحسب الصحفي السوداني، إبراهيم ناصر؛ لأنّ النظام السابق مزج بين القطاعَين الخاص والعام، وترك هامشاً ضئيلاً للجيش للاستفادة من بعض الأعمال التجارية، لتغطية جزء من احتياجاته وتلبيتها.

ويقول ناصر لـ "حفريات": "حكومة حمدوك زادت في المبالغة بأنّ هناك شركات للجيش تحاول أن تتغول على السوق، لأنّ الجيش لا يمتلك شركات اقتصادية كبيرة تحتكر السلع الأساسية، بل هناك شركات متوسطة، تحاول تحقيق بعض المكاسب، وإتاحة السلع، لدعم موازنة الجيش، وتلبية احتياجاته، في ظلّ تشوّه الموازنة العامة للدولة، ووجود عجز كبير في الإيرادات، وخلل كبير في الميزان التجاري".

الصحفي السوداني إبراهيم ناصر لـ"حفريات": النظام السوداني السابق مزج بين القطاعَين الخاص والعام، وترك هامشاً ضئيلاً للجيش للاستفادة من بعض الأعمال التجارية، لتغطية جزء من احتياجاته وتلبيتها

ويدعم ذلك ما جاء في المقال المنشور بـ "موقع النيلين"، للأكاديمي السوداني والخبير الاقتصادي، عادل عبد العزيز الفكي، قدّر فيه القيمة السوقية لاقتصاد الجيش، بحوالي مليار دولار، وهي قيمة صغيرة مقارنةً بقيمة شركات الكهرباء الأربع، التي تقدر ب 20 مليار دولار.

ويرى الأكاديمي السوداني، في قسم التأمين وإدارة الأعمال، عمار ود عائشه مختار؛ أنّ الجيش يمتلك مؤسسات ضخمة، يجب أن تخضع لرقابة وزارة المالية، لأنّ المستفيد منها هم قادة الجيش، بينما يعيش من دونهم في حالة بؤس لا تطاق.

اقرأ أيضاً: برعاية إماراتية ووساطة مصرية وأفريقية.. اتفاق تاريخي للسلام في السودان

وأضاف ود عائشة مختار: "المشكلة ليست في امتلاك الجيش لشركات ومؤسسات مالية، بل في خضوعها لرقابة وزارة المالية، حتى تدمجها في خططها لإدارة الاقتصاد، وكي لا تصبح عائقاً أمام حركة الاقتصاد".

وتشغل هذه المسألة الشارع السوداني، وينقسم الرأي حولها؛ بين أغلبية ترى في اقتصاد الجيش أزمة كبيرة، وبين أقلية ترى أنّ ما يملكه الجيش هو شيء يسير، ولا يعيق الاقتصاد، وربما ذلك ما جعل طرح هذه المسألة حساساً لدى الجيش.

بنك أم درمان المملوك للجيش السوداني

وفي ذلك، يوضح الأكاديمي ود عائشة مختار: "الحديث حول شركات ومؤسسات الجيش هو الشغل الشاغل عند الغالبية من الناس، لذلك عندما تناول حمدوك هذه المسألة، جاء ردّ فعل البرهان عنيفاً، لأنّه ظنّ أنّ حديث حمدوك هو تفسير للسان حال الشارع".

ولا يحمّل الصحفي السوداني، إبراهيم ناصر، جهة بعينها المسؤولية عن الوضع المتردي، بل يرى أنّ؛ الاقتصاد السوداني متهالك منذ ما قبل عهد الإنقاذ، وأنّ الحكومة الحالية ورثت تركة ثقيلة، لن تستطيع أن تعالجها بسهولة، والمشكلة أنّها تحمل آمالاً كبيرة، لكنّ الواقع مأزوم.

ضعف الثقة وسوء الفهم

ومن خلال متابعة بيانات المكونَين، المدني والعسكري، شركاء الحكم في السودان، يُلاحظ ضعف الثقة بينهما، والتنسيق، وسيطرة سوء الفهم، خصوصاً في ظلّ المطالبات الثورية بمحاكمة عسكريين، بتهم المسؤولية عن مجزرة القيادة العامة.

وبان سوء الفهم من ردّ فعل الفريق البرهان، ويشرح ذلك الأكاديمي، ود عائشة مختار: "شركات المنظومة الأمنية ككلّ لا تمثل الـ ٨٢%، بل هناك شركات أخرى غير تابعة لهذا أو لذاك، وهي ليست قليلة، وأيضاً خارج ولاية المالية؛ لذلك حديث حمدوك لا يقصِد به الشركات التابعة للجيش فحسب، بل قصد التوضيح؛ أنّ ولاية المالية تسيطر فقط على نسبة 18 % من حجم الأعمال في السودان، لكنّ توتر الأجواء بين المكونَين العسكري والمدني، جعل الفريق البرهان يظنّ أنّ الجيش هو المقصود بذلك".

اقرأ أيضاً: أبجدية "السلام" تكتب مستقبل السودان

ويرى الصحفي السوداني، إبراهيم ناصر؛ أنّ هناك ضعفاً كبيراً في أداء المكوّن المدني الذي يدير الحكومة، لضعف خبرتهم الإدارية والسياسية؛ فخلال العام الماضي أجرى حمدوك تعديلاً وزراياً، وهو أمر يكشف عن تخبّط".

وأضاف ناصر لـ "حفريات": "الجيش لا يتدخل بأيّ شكل في إدارة الاقتصاد، ولو كان الجيش يسيطر على الاقتصاد لكان أكثر انضباطاً مما هو عليه الآن".

مصنع الألومنيوم التابع لمجموعة الصناعات العسكرية في الجيش السوداني

ويعاني السودان من أوضاع اقتصادية مأزومة، ترتبط بشكل أساسي بتركة النظام السابق، الذي تسبّب في العقوبات الأمريكية على البلاد، وهي العقوبات التي قصمت ظهر النظام الإيراني، الأقوى والأغنى من نظيره السوداني.

ويؤكد الأكاديمي ود عائشة مختار؛ على ضرورة ممارسة السلطة التنفيذية لدورها الرقابي والتخطيطي على جميع الأنشطة الاقتصادية المملوكة للمؤسسات الأمنية والعسكرية، كونها المخولة بذلك، ولأنّ الجيش مؤسسة تتبع الحكومة.

ويشهد الاقتصاد السوداني تدهوراً كبيراً، وبلغ معدل التضخّم، في تموز (يوليو) الماضي، نحو 43 %، وفق إحصاءات حكومية، وتراجعت قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي إلى 187 جنيهاً في السوق السوداء، في حين بلغ السعر الرسمي، وفق البنك المركزي، 55 جنيهاً للدولار الواحد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية