الأزمة الروسية ـ الأوكرانية: هل توصل الرئيسان بايدن وبوتين إلى صفقة؟

الأزمة الروسية ـ الأوكرانية: هل توصل الرئيسان بايدن وبوتين إلى صفقة؟


06/02/2022

تتصاعد وتائر الأزمة، ليس بين روسيا وأوكرانيا فحسب، بل بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، وعبر حملات إعلامية مكثفة تشنّها أمريكا وبريطانيا، تؤكد أنّ روسيا ستغزو أوكرانيا، وستعمل على تغيير نظامها السياسي وتُنصّب حكومة جديدة موالية لها، وخلال ذلك تتواصل تأكيدات روسية بأنّها لا تنوي غزو أوكرانيا، بالتزامن مع تأكيدات لحكومة كييف بأنّ متابعاتها لتحركات الحشود الروسية لا تشير إلى أنّها تنوي شنّ حرب على أوكرانيا، وما بين التأكيد الأمريكي ـ البريطاني على نوايا "مؤكدة" لروسيا باحتلال أوكرانيا ونفي روسي، يبرز العديد من التساؤلات حول مقاربات تفكّك "ألغاز" هذا التصعيد المتبادل ومستقبله، وهو ما يمكن قراءته على النحو التالي:

 أوّلاً : مرجعيات وأبعاد الموقف الأمريكي ـ البريطاني

تتعدد مستويات المرجعيات الاستراتيجية والتكتيكية للموقف الأمريكي تجاه روسيا، لكنّ قاسمها المشترك أنّها تأتي في سياقات الاستراتيجية الأمريكية لـ"مواجهة" الصين وروسيا، اقتصادياً وسياسياً، مع التلويح باستخدام القوة العسكرية، عبر تعزيز قوة الحلفاء وتزويدهم بالأسلحة، وإعادة إنتاج فضاءات ما يُعرف بـ"الحرب الباردة" مع الاتحاد السوفييتي، مع اختلاف هذه المرّة بالتركيز على "الصين"، وممارسة أقصى الضغوط الاقتصادية والعسكرية على روسيا.

 الخطة الأمريكية حققت نجاحات ملحوظة في بُعدها الإعلامي بممارسة ضغوط "حافة الهاوية" على روسيا والرئيس بوتين

وبالتزامن مع هذه المرجعية الاستراتيجية المعلنة أمريكياً، تبرز مرجعية أخرى "غير معلنة" في الحسابات الأمريكية، وهي أنّ من بين تيّارات الحزب الديمقراطي الأمريكي هناك تيّار له حضوره الفاعل في صناعة القرار ينظر إلى روسيا من زاويتين؛ الأولى: أنّها وريثة الاتحاد السوفييتي، وأنّ الرئيس بوتين بسياساته يخطط لإعادة إنتاج الاتحاد السوفييتي بصورة جديدة عبر روسيا الاتحادية، ومنافسة الولايات المتحدة في مناطق نفوذها العالمية، والثانية: أنّه يقف وراء الهجمات الإلكترونية التي اجتاحت أمريكا خلال الانتخابات الرئاسية عامي " 2016 و 2020"، لصالح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

يبدو أنّ الأزمة مع روسيا شكّلت فرصة مشتركة لبريطانيا وأمريكا معاً، لتأكيد تحالفهما الاستراتيجي من جهة، ولإرسال رسالة للاتحاد الأوروبي، وتحديداً فرنسا وألمانيا، بأنّ هذا الاتحاد ضعيف بدون بريطانيا والمظلة الأمريكية

بيد أنّ الاستراتيجية الأمريكية تتضمّن تمييزاً بين مواجهة الصين وروسيا؛ إذ ترى أنّ هناك إمكانية للتفاهم مع روسيا، من خلال بناء تفاهمات "سرّية" في قضايا سياسية وعسكرية، وتقاسم نفوذ في مناطق محددة بالعالم، بما فيها مناطق تدور في فلك الاتحاد السوفييتي السابق "شرق أوروبا وفي آسيا الوسطى، والشرق الأوسط"، مقابل مواقف صارمة من الصين وتنامي قوّتها   "الناعمة" اقتصادياً وعسكرياً.

اقرأ أيضاً: أردوغان في العاصمة الأوكرانية: هل يحمل طوق نجاة أم يبحث عنه؟

أمّا بالنسبة إلى بريطانيا، فإنّ التصعيد "المنسّق" مع أمريكا يرتبط بعوامل استراتيجية، من بينها الموقف التاريخي من روسيا، بما في ذلك من حروب ومعارك الجاسوسية، وتحالفها مع أمريكا لا سيّما بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي، وإبرامها صفقة بوارج حربية بالتنسيق مع واشنطن على حساب فرنسا، غير أنّ هناك بُعداً جديداً للتصعيد، وهو ما يرتبط بحرف أنظار البريطانيين عن أزمة رئيس الحكومة بوريس جونسون، بعد مطالبته بالاستقالة على خلفية انتهاكه لتعليمات مواجهة كورونا.

اقرأ أيضاً: روسيا وأوكرانيا: تاريخ حافل بالصراعات.. وأوروبا تدخل على خط الأزمة

ويبدو أنّ الأزمة مع روسيا شكّلت فرصة مشتركة لبريطانيا وأمريكا معاً، لتأكيد تحالفهما الاستراتيجي من جهة، ولإرسال رسالة للاتحاد الأوروبي، وتحديداً "فرنسا وألمانيا"، بأنّ هذا الاتحاد ضعيف بدون بريطانيا والمظلة الأمريكية، وغير قادر على حماية حدوده أمام التهديدات الخارجية من روسيا أو الصين، وهي السياسة التي اتبعها ترامب عند تعامله مع التهديدات التركية لليونان، على خلفية نزاعات حول قبرص والتنقيب عن الغاز والنفط في شرق المتوسط.

ثانياً: نجاحات وإخفاقات الخطة الأمريكية وعقباتها

رغم أنّ الخطة الأمريكية حققت نجاحات ملحوظة في بُعدها الإعلامي بممارسة ضغوط "حافة الهاوية" على روسيا والرئيس بوتين، وجعلت الموقف الروسي بحالة دفاعية تؤكد على نفي نواياها بمهاجمة أوكرانيا، واستمرار سياسة الباب المفتوح للحلول الدبلوماسية، وطلبها ضمانات أمنية من حلف الناتو بعدم التوسع شرقاً على حدود روسيا، إلّا أنّ هناك أسباباً أخرى شكّلت عقبات أمام الخطة الأمريكية؛ أبرزها تباين المواقف الأوروبية، بما فيها مواقف "ألمانيا وفرنسا" من التصعيد الأمريكي- البريطاني، ورؤيتها المتضمنة أنّه يمكن التفاهم مع روسيا للوصول إلى حلول مقبولة، خاصة أنّ هناك رؤية مشتركة بين فرنسا وألمانيا، مضمونها أنّ روسيا بحكم الجغرافيا أقرب إلى أوروبا من أمريكا، بالإضافة إلى مواقف نخب أوكرانية، من بينها الرئيس الأوكراني، تحرص على إظهار موقف يقترب من مواقف أوروبا، ويبتعد عن الموقف الأمريكي.

استعراض موسكو لقدراتها العسكرية

ومن بين العقبات التي تواجه الخطة الأمريكية أيضاً العلاقات الاقتصادية بين روسيا والدول الأوروبية، وتحديداً إمدادات الغاز الروسي التي تغطي (40%) من احتياجات أوروبا من الغاز عبر الخط التقليدي الذي يمرّ عبر أوكرانيا، ومشروع نوردستريم 2، الذي سيصل إلى ألمانيا عبر  البحر، وهو ما حاولت أمريكا تغطيته "في حال انقطاع  الغاز الروسي" من خلال الغاز الأمريكي والغاز القطري، هذا بالإضافة إلى عدم قدرة حكومات أوروبية على تمرير استجابات للخطة الأمريكية أمام الرأي العام الأوروبي الذي يؤمن في غالبيته بمواقف أقلّ حدة تجاه روسيا، وتحفظاته على التصعيد مع روسيا باتجاهات عسكرية عنوانها حلف الناتو، بما في ذلك نشر المزيد من القوات العسكرية الأمريكية في دول أوروبا.

اقرأ أيضاً: أزمة أوكرانيا: روسيا تراقب بقلق وأمريكا تتأهب.. ما أبرز التطورات؟

وتشكّل مواقف الحزب الجمهوري من اتجاهات بايدن تجاه روسيا وبوتين إحدى العقبات الداخلية، لا سيّما أنّ مواقف الجمهوريين تذهب لترويج مقاربات تشكّك ببايدن وأنّه يُصعّد مع روسيا على خلفية شكوك الديمقراطيين بمساندة "ترامب في الانتخابات"، وأنّ مواقفه مع الرئيس لم تكن حاسمة، بالإضافة إلى تساؤلات تطرحها أوساط جمهورية حول مبررات وجدوى الدفاع عن أوكرانيا.

ثالثاً: تفاعل روسيا مع الأزمة ومستقبلها

يدلّ الكثير من المعطيات أنّ القيادة الروسية أخطات في تقدير الموقف الأمريكي تجاه تحرّشها بأوكرانيا، وبنت مقارباتها على أساس "ضعف" الموقف الأمريكي بعد الانسحاب من أفغانستان، ونجاح روسيا بإفشال ما يوصف بخطة أمريكية لانقلاب في أوزبكستان كان المستهدف فيه بالدرجة الأولى موسكو.

تتعدد مستويات المرجعيات الاستراتيجية والتكتيكية للموقف الأمريكي تجاه روسيا، لكنّ قاسمها المشترك أنّها تأتي في سياقات الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة الصين وروسيا، اقتصادياً وسياسياً

ووفقاً لهذه المقاربة، تحوّلت روسيا من بناء موقف هجومي مع بداية الأزمة إلى مواقف دفاعية، مع الاحتفاظ بمسارين، وهما: الحشد العسكري على الحدود مع أوكرانيا، والتوسّع في مناورات عسكرية، وإدخال بيلاروسيا على خط الأزمة عبر نشر قوات روسية فيها، واستمرار سياسة الأبواب المفتوحة للتفاوض والحلول الدبلوماسية، التي تمّ تتويجها برسالة لأمريكا وحلف الناتو تطالب بضمانات موثقة بعدم توسّع حلف الاطلسي شرقاً، وبما يشكّل تهديداً لأمنها القومي مستقبلاً.

وأرسلت موسكو أيضاً العديد من الإشارات حول الأوراق التي يمكن أن تستخدمها لمواجهة أمريكا والناتو، من بينها الإعلان عن تعزيز علاقات موسكو مع بكين عبر توقيع سلسلة من اتفاقات التعاون في المجالات: الاقتصادية والأمنية والعسكرية، وإعادة التحالف مع أنظمة شيوعية في أمريكا اللاتينية تعادي أمريكا، مثل كوبا وفنزويلا.

رئيس الوزراء البريطاني جونسون

وبالرغم من استمرار التصعيد الإعلامي واستمرار مظاهر التصعيد في الأزمة، من خلال التحذيرات الأمريكية- البريطانية المتواصلة لروسيا من مغبّة الإقدام على غزو أوكرانيا، إلّا أنّ المرجّح أنّ الأزمة تذهب باتجاه حلول دبلوماسية وعسكرية توافقية بين موسكو وواشنطن، لا سيّما أنّ تسريبات من أوساط قيادة حلف الناتو تؤكد أنّ روسيا تلقت ردّاً من الناتو يتضمّن استعداد أمريكا للحوار مع موسكو، والامتناع عن نشر صواريخ هجومية وقوات قتالية في أوكرانيا، وهو ما يفسّر القرارات الأمريكية بإرسال (3) آلاف جندي، ونشرهم في دول أوروبا الشرقية، وتواصل رئيس الوزراء البريطاني جونسون مع الرئيس الروسي بوتين، والتوافق على إيجاد مناخات مناسبة للحوار والتفاهم، وهي إشارات توحي بأنّ كلاً من "بايدن، جونسون، بوتين" بدؤوا بالنزول عن الشجرة سويّاً، وأنّ ما تمّ التوافق عليه بين الرؤساء الـ3، عبر صفقة لم تتضح معالمها بعد، ستظهر نتائجها خلال الأسابيع والشهور المقبلة، على أنّ تلك الصفقة، مهما كانت حدودها، فلن توقف استمرار الاستهداف الأمريكي لروسيا بقيادتها الحالية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية