"الإخوان" بين مظلوميّة الدّماء والمتاجرة بها

"الإخوان" بين مظلوميّة الدّماء والمتاجرة بها


23/05/2021

منير أديب

"الإخوان المسلمون" لا يختلفون كثيراً عن كل التنظيمات الدينية المتطرفة التي تُتاجر بالدماء، هي بضاعتهم وبها يتُاجرون، وهي هدفهم ومن أجلها يمارسون السياسة ويتصدرون الدعوة، أرواحهم تتوق لهذه الدماء، حتى أنهم أوغلوا في دماء خصومهم والمجتمع.

ارتكبوا جرائمهم باسم الدين، فلم تقتصر جريمتهم على القتل، ولكنها تعدت إلى القتل باسم الله، وكأنهم يُعاقبون خصومهم مرتين، مرة بالتخلص من حياتهم ومرة أخرى بإزهاق هذه الروح وتشويهها في حياتها وبعد قتلها، ومن هنا أتى وصفهم للمختلفين معهم بأنهم: قتلة، وطغاة، وبغاة، وكفار، وكلها مسميات تُعطيهم الحق، على الأقل من وجهة نظرهم، بالتخلص من هذه الروح الشريرة التي ينتظرها الله بعذاب شديد!

يُصدّر "الإخوان المسلمون" دائماً بأن خصومهم قتلة، وبالتالي يستحقون أن ينالوا جزاء ما صنعت أيديهم، فما ينتقدون به هؤلاء الخصوم ويقاتلونهم من أجله يأتون بمثله، فالدماء هدفهم، وربما تمثل الجزء الأكبر من تفكيرهم، فكلما أزهقت نفوسهم نفوساً وأراقوا دماءً، ظن هؤلاء أنهم باتوا على مقربة من ربهم.

ويدهشك أنهم دائمو الحديث عن عصمة الدماء، وأن أرواح أتباعهم زهقت بلا أي جريرة، فهم يحسبونهم شهداء ويقاتلون قتلتهم وقد تناسوا عن عمد أنّ هذه الدماء معصومة، إلا ما سعت في خراب أو مارست فوضى أو قتلت نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض، وغيرها مما عدّها الشرع والشريعة باباً للعقوبة، وأعطى هذا الحق فقط للحاكم ولولي الأمر.

هذا هو الفرق بين "الإخوان المسلمين" وتنظيمات العنف والتطرف وبين ولاة الأمور، هؤلاء يقتلون خارج نص القانون والشرع بينما يدّعون أنهم يقيمون شرعاً، وفي الحقيقة هم يقتلون بشريعة اجتهادهم، ولا علاقة لهذا الاجتهاد بالدين، بينما ولاة الأمور يقيمون قانوناً ولا يبيحون قتلاً إلا في نصوص أقرتها الشريعة الإسلامية، من خلال مفتيها وبعد عرض كل حالة عليه.

يرفع الإخوان مثل غيرهم من تنظيمات العنف والتطرف شعار (والجهاد سبيلنا)، والحقيقة تحوّل هذا الشعار إلى (والقتل في سبيل نصرة قضيتنا هدفٌ وسبيل) ومن هنا أوغلوا في دماء الأبرياء، ثم رفعوا شعارات مزيفة بنصرة الحق والقصاص باسم الدين، قصاص ممن اقتصّت منهم السلطة وفق القانون والشرع معاً.

تجد أكثر التنظيمات الدينية المتطرفة تقترب بصورة كبيرة من قضية القتل والدماء، فتختار لنفسها أسماء مثل: الجهاد، وقاعدة الجهاد، والجماعة الإسلامية المسلحة، وبعضها ممن ابتعد عن مسميات الجهاد والقتل لأسباب، بينما وضع شعاراً يتغنى به الأتباع ليل نهار مثل (والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، وهدف هذا الشعار في حقيقة الأمر هو الولوج إلى الدماء؛ فهذه الدماء هدف في حد ذاتها، والتعليق هنا، ليس في شعار القتل ولا هدفه، ولكن أن يكون ذلك باسم الدين، ويستخدمه هؤلاء المتطرفون في ما بعد كمظلومية يعيشون ويقتاتون عليها بقية حياتهم، في محاولة لتشويه أعدائهم وخصومهم.

معظم تنظيمات العنف والتطرف التي ترفع شعار القتل حتى ولو أعطت لنفسها مسمى "الجهاد"، والحقيقة هذا ليس له علاقة بالجهاد ولا بضوابطة ولا بشروطه من قريب أو بعيد، هذه التنظيمات تجدها الأكثر بين مثيلاتها متاجرة بهذه الدماء واتهام خصومها في  الوقت نفسه بالقتل، وفي الحقيقة "خطاب الدم" والقصاص يدغدع مشاعر الشباب وخلجاتهم، بخاصة إذا رفعه هؤلاء بشعارات مزيفة من عينة نصرةً للدين.

يتحرك هؤلاء الشباب بما يحملونه من عنفوان في اتجاه نصرة الدين وتلبيةً لمطالب المرحلة العمرية، يعيشها هؤلاء الشباب وتدفعهم لاستخدام القوة في مواجهة المختلفين معهم، قوة بلا أي ضوابط، هذا الخطاب يأتي بنتيجه إذا كان مطعّماً بنصرة الدين والوطن وإقامة شرع الله وخلافته في الأرض، هؤلاء الشباب هم وقود هذه التنظيمات وأداة هؤلاء المتطرفين في مواجهة خصومهم.

إذا تأملت مواقع التواصل الاجتماعي وتحليل محتوى معظم ما يكتبه أنصار "الإخوان المسلمين" ومن تجمعوا حول فكرتهم، وأعضاء التنظيمات المتطرفة عموماً، فسوف تجدهم يدورون في فلك الدماء لا غيرها، إما أنه يُحرّض على عنف أو يتشفى في شهيد قُتل غدراً، أو أنه نَصب سرادق عزاء يَلطم على خده وخدود أتباعه جراء ما حدث لهم، وهم مدّعون مظلومية ابتدعوها، الدماء هي ترياق حياة هؤلاء برغم أنها لكل صاحب عقل نهاية كل حيّ، ولكنهم تربّوا على قاعدة "سوف نقاتلهم حتى ننتصر عليهم، وإذا قتلونا فسوف تُصبح دماؤنا لعنةً عليهم"، فزرعوا غريزة القتل داخل المجتمعات التي يعيشون فيها ورعوها حق رعايتها.

يمكن أن تقبل من أي مجتهد مسألة ما وأن تتسامح معه في مسلك سلكه، حتى إذا ما خاض في الدماء انقطع مبررك له في الاجتهاد، وبات حسابه في الدنيا والآخرة عسيراً، وتبدو حكمة الإله من وراء عقوبة القاتل والمحرّض "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون"، فلا يستقيم مجتمع كانت شريعة أبنائه القتل أو التحريض عليه، فالدولة وحدها لا غيرها هي من تحتكر القوة، وهي وحدها من تقتل بالقانون والشرع، حتى لا يتحول المجتمع الإنساني إلى مجتمع غاب، يقتل فيه القوي الضعيف.

الدولة تتسامح مع الجميع، من خالفها أو تمرد عليها أو عارضها، فما بين حق الدولة والأفراد تبقى فكرة المسامحة، حتى يمسك أحدهم سلاحه أو لسانه، محرّضاً على القتل أو لإنهاء حياة شخص بريء، هنا يتغير الوضع ويُصبح لزاماً على الدولة إقامة القانون والشرع، بما يخفف من حدّة هذا السلوك الشاذ في قتل الأنفس البشرية التي حرّمها الله تعالى، ولذلك نرى خطورة هذه التنظيمات التي لا تجد في أدبياتها سوى خطاب الدم والعنف، وكأن الله خلق النّاس كي يقتلوهم لا أن يصلحوا أحوالهم بالحكمة والموعظة الحسنة، هؤلاء يظنون في أعدائهم أنهم كفار، ولذلك يَسعون حسب ما يؤمنون إلى التخلص منهم انتصاراً للشيطان وحتى يدخل هؤلاء بأعمالهم إلى جهنم! ويُصبح القتلة هنا أعواناً للشيطان بكل تأكيد، وقتلاهم في الجنة شهداء.

خطورة التنظيمات الدينية في أنها متطرفة، وخطورة التطرف في التعدي على حرمة الإنسان بالقتل، وهي حرمة أعز وأجل من حرمة بيت الله الحرام، كما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً، أهون عند الله من أن يُراق دم امرئ مسلم"، فالإنسان هو بناء الله على الأرض لا يصح ولا يجوز الاعتداء عليه ولا انتزاعه حق الحياة، فصاحبها ومالكها هو الله من دون منازع، حتى لا يجوز شرعاً أن يتخلص الإنسان من روحه انتحاراً ويُجازى فاعله على ذلك إن حدث، حياة الإنسان ملك خالقها لا ينازعه فيها أحد.

يحق كما أشرنا سلفاً لولي الأمر وفق القانون والشرع واجتهاده في ما بينهما أن يقتل، بحيث يكون هذا القتل عقوبة وليس انتقاماً، وألا يكون وفق هوى شخصي، وألا يقتل أي إنسان إلا بعد عرضه على المؤسسة الدينية "دار الإفتاء" حتى تقول رأيها الشرعي في ذلك، وفق نصوص القانون، وأن يتم ذلك بعد صدور حكم قضائي يُتاح لصاحبه نقض الحكم والدفاع عن نفسه وإثبات خلاف ما ادّعته النيابة العامة، بعدها إذا أطمأنت المحكمة إلى أن هؤلاء المتطرفين ارتكبوا جريمة قتل، يتم توقيع العقوبة، وفي النهاية يوافق رئيس الجمهورية على تنفيذها، وكل ما ذكرناه يسبق هذه الموافقة وهو كفيل بإظهار الحقيقة، وهنا يلجأ الحاكم لتنفيذ هذه العقوبة قصاصاً من القتلة وردعاً لغيرهم حتى لا يتحول المجتمع إلى ساحة حرب يقتل فيها النّاس بعضهم البعض.

تتعجب عند متابعة محاكمة هؤلاء المتطرفين أنك تجدهم يعترفون بجرائم القتل التي ارتكبوها، ليس هذا فحسب، بل تجدهم يتباهون بهذه الجرائم في ساحة المحكمة، فماذا تريد من قاض تجمعت أمامه الأدلة كاملة باعتراف المجرمين، ولمجرد تنفيذ حكم الإعدام في هذا المجرم أو ذاك، يتحوّل أيقونة دفع لممارسة عنف جديد من قبل التنظيم المتطرف الذي ينتمي إليه، ويحوّله المتطرفون مظلومية تكون بمثابة وقود لمعركة يقتلون من خلالها أبرياء جدداً ويُتاجرون بدمائهم، فهؤلاء تجار الدماء والمتاجرون بها.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية